حيرة كبيرة نعيشها، حالة من الفصام الاجباري نتلبسها أو تتلبسنا، إنها علاقتنا بمن حولنا، هل نحن نتصرف بناء على أراء الآخرين خوفًا منهم، أم نفعل ما يُرضينا لكننا نراعيهم؟ مع كل فعل البعض يقع أسير السؤال ماذا أُريد؟ ومن هم الآخرين؟
إنها أسئلة تفتح بابًا واسعًا لعلاقتنا بمن حولنا لكن الأهم علاقتنا بأنفسنا فهل نُرضي أنفسنا أم نُرضي من حولنا؟
لِبس العيد تقليد وعادة تُلازمنا
من أجمل التفاصيل الحياتية والعادات التي توارثناها هو شراء لِبس العيد، ذكرى يختزنها الكثير من طفولتهم، ويسعون بكل طاقتهم الحفاظ عليها، ففرحة الأطفال والمراهقين بطقم العيد فرحة كبرى، تلك العادة التي حافظت عليها الأغلبية من المصريين على مدار سنين طويلة مهما كانت الظروف والضغوط، ونحن في فترة أعياد نتذكر طفولتنا ولحظات السعادة، ونُعيد اجترارها، فيذهب كل أب أو أم ليشتري لأولاده ما يفرحهم، برغم الغلاء والضغوط، برغم كل شيء يبحث الجميع عن لحظة فرح، وابتسامة تظل على وجه الأحبة لفترة وإن كانت قصيرة.
إلبس اللي يعجب الناس!
ينصح المثل الشعبي الآخر بأن يلبس ما يُعجب الناس، في إغفال تام لحرية الآخر وحقه في أن يختار ما يريحه، أو يحبه أو يُفرحه، ومع هذا التغافل نسى قائل المثل تحديد من هم الناس الذي ينبغي علينا مراعاتهم؟ هل هم الجيران أم الزملاء أم الأهل، أم ….
في واقعة سيدة المترو التي اعتدت على فتيات بالضرب والسب لأنهن كن يلبسن ما رأته هي لا يعجبها، وجدت هذه السيدة من يناصرها، بل أن الأسوأ من وجهة نظري أن أصحاب الحق تصالحوا وخرجت تلك السيدة من النيابة دون أدنى اتهام، مما يؤصل للتطاول الذي اعتدنا عليه منذ زمن! ربما يصعب عليّ وعلى غيري تحديد بدايته، حيث أن البعض سيأخذ في إعمال القوة في الاعتراض على ما لا يعجبه، وبالطبع فالاعتراض ينال الضعفاء، والأفعال الشخصية، حتى لو كان ذلك ليس من شأنه ولا يخصه، بالطبع من تعرضن لواقعة الاعتداء يتمتعن بالحرية في المصالحة، لكن أين حق المجتمع من تدخل غير ذوي الشأن في شئون غيرهم؟
اختلاف الأذواق ينفي الاتفاق على الاعجاب
تكوين الذوق عند الناس يخضع لعوامل عديدة منها التربية والتعليم والبيئة والأفكار والمعتقدات، هناك عشرات العوامل التي تؤثر في الذوق، والتي تختلف من وقت لآخر، وهذا واضح ولا يحتاج لتأكيد فالقميص له عشرات الأشكال والألوان، وتحت اسم أي قطعة ملابس سنجد عشرات الموديلات، ورغم ذلك تجد من يخرج ويقول لك البس ما يعجب الناس، فماذا نعني بالإعجاب؟
هل الاتفاق على الموديل أم اللون أم القطعة نفسها، إذا كانت هناك امرأة تُفضل الفستان فهل يحق لها أن تُعاقب أخرى تُفضل ارتداء البنطلون؟
نعيش حالة من الخلل المجتمعي والتخبط، غاضين البصر عن مفهوم المساحة الشخصية، تلك الحالة التي نتجت من سيادة القبح، وتراجع قيم الجمال، فمصر التي عرفت التنوع طيلة تاريخها، تعيش حاليًا حالة من محاولات التنميط والحبس في أُطر معينة، فتسود حالات البلطجة، وتجد من يدافع عنها، مثل واقعة سيدة المترو التي احتشد لها العشرات وربما المئات والألوف يرونها مُحقة وصاحبة أخلاق.
الأخلاق تلك الكلمة المطاطة والمظلة التي يحتمي بها كل من يسعى لاختراق حياة الآخرين الشخصية، والأمثلة متعددة.
اللِبس السبب الجاهز دومًا
عند كل تجاوز واعتداء على حرية النساء يكون لِبسها هو المبرر والدافع الأول الذي يطلقه المدافعون لحماية الجاني، فالتحرش يحدث بسبب ملابس المرأة، وخرج الأمر الآن من دائرة تحرش الذكور لدائرة أخطر وهي اعتداء من النساء وربما سيكون من الرجال والنساء فيما بعد، ويكون السبب من وجهة نظر الجاني هو الملابس، وكأن ملابس النساء هي الشرارة التي تُشعل كل حرب، وتبرر كل ادعاء، بينما ملابس الرجال خارج السياق.
هل لدينا قانون يحفظ الحقوق الشخصية والحرية الشخصية؟
في الحقيقة إن ترك الأمور والمواقف للتقدير الشخصي هو أمر يجرنا إلى الفوضى، فالتجاوزات لن تقل، وسوف يُسقط البعض ضغوطهم ومشاكلهم على الآخرين، ويجعلون من انتقاد الغير متنفسًا يعبرون به عن غضبهم المكتوم من أوضاعهم، ويتجاهلون نقائصهم وهم يزايدون على غيرهم، فإذا كان البعض يبرر التحرش والبعض يضغط على الضحايا للتنازل والتصالح، فإن التمسك بتطبيق قانون التحرش وتطبيق الأحكام على بعض المتحرشين أسهم بشكل واضح في تقليل الظاهرة، ومن ثم لابد من التصدي لمحاولات التجاوز واختراق الخصوصية، فالمثل الشعبي إلبس ما يُعجب الناس لم يعد له مكان في ظل اختفاء الذائقة والجمال، وحتى في وجود ذائقة وجمال كصفة شائعة في المجتمع لم يكن أحد ليتدخل في حرية الآخر، حتى ذلك التنمر بأن احدهم أو إحداهم لا تتمتع بالأناقة فكان انتقاد نوعى لصالح الجمال، وكان يحدث سرًا، أما انتقال الانتقاد من مرحلة السر إلى الإعلان عنه والتجاوز فهو حالة خطيرة، ستجلب على الجميع مزيد من الأذى والضغوط والأمراض النفسية التي لن نتخلص منها بسهولة، بل أننا سنظل نُعاني ما دُمنا نهتم لرأي الآخرين قبل أن نهتم لأنفسنا.