هذا عالم شُكّل بعناية فائقة، قصة تحولت من فيلم ليتم تطويعها وفردها على مسلسل طويل غير ممل. محسوب خطواته يمكننا أن نقول في نهاية الشهر والموسم. أنه كان بمثابة إنقاذ لموسم رمضاني مهتريء غير مبشر، دراميًا تحديدًا مثل “توبة” عمرو سعد. مسلسل كل محاوره مؤسسة على النساء، منهن ولهن وبهن، مسلسل “أحلام سعيدة” عالم نساء نساء. يحكي عنهن دراميًا لا يشخذ بمشاعرهن. كأغلب الأعمال ضمن الموسم التي تدّعي انتصار للمرأة بينما تهينها أكثر.
بدت أغلب تفصيلات “أحلام سعيدة” أنها كانت نتيجة ارهاص لتفكير طويل في معادلات أكثر منطقية ودرامية. ليست سوكسيه وفرقعة غير مؤسسة فنيًا. أعطت ليسرا واحد من أدوار العمر التي لن تتكرر لها طويلًا. كما صالحت جمهور غادة عادل عليها بدور مركب بعيد عن المعتاد، أعطت لانتصار حقها في دور مذهل يثبت موهبتها الاستثنائية. وبالطبع قدمت مي كساب إحدى أفضل الفنانات الجوكر. التي يمكنها تقديم أي دور دون مبالغة حق تأدية دور يصعب تأديته على بعض نجوم الصف الأول.
كل هؤلاء في قلب قصص ضفّرت باعتناء شديد. بعدما فكر المنتج جمال العدل في تحويل القصة من فيلم إلى مسلسل. طويل عن طريق الكاتبة التي قدمت النساء -على اختلاف كتابتها- برقة بالغة في كل مرة: هالة خليل.
السيناريست هالة خليل تمكنت من تضفير قصة قوامها الأساسي نساء. دون افتعال وصياح أو صخب، دون مغازلة أو مظلومية، بات محركها المباشر وغير المباشر نساء. من بين كل طبقات المجتمع، ستجد نفسك في قلب عالم كامل من النساء الطيبات والأشرار السعيدات والتعيسات. من هم فوق الستين عامًا أو دون الثامنة عشر.
امرأة وحيدة غير سعيدة
يحكي مسلسل أحلام سعيدة قصة سيدة أرستقراطية وحيدة في منزل كبير (يسرا). تتجاهل مللها بالسعي شبه اليومي لجمع التحف والمقتنيات التي تجعلها تشعر أنها في قلب عالم يزول بزوال أصحابه. فريدة تتأفف من كل شيء حولها، تسعى للكمال مزاجيًا على حساب كل من وما حولها. بينما يبدأ المسلسل فعليًا من لحظة حادث أليم تتعرض له وتفقد بصرها على أثره.
فقدان البصر أو المجاز الأسهل لمحاولة استرجاع البصيرة لدى فريدة محور القصة سيطوّر الدراما بشكل منطقي ممتاز برغم بعض الافتعال الذي يمكن التغاضي عنه في التركيز على أرستقراطية يسرا بشكل أكثر مما يبدو، ويجعل محاولة تواجدها في جلسات نفسية للعلاج الجماعي مع سيدات أخريات برغم تأففها وطبقيتها السابقة لكل شيء حيلة درامية ناجحة يمكن انتظار نتيجة اختبارها على مدى حلقات المسلسل الناضج.
على عكس البطولات والحبكات النسائية التي قدمت في عدد من مسلسلات السباق الرمضاني الحالي وما قبله. التي امتلأت بانعدام المنطقية والمبالغة والمظلوميات الفارغة والرهان على التعاطف من أجل التعاطف، نجحت السيناريست هالة خليل أن تقدم نموذج لسيدات مؤنسنة وواقعية يحكين أزماتهن في مجتمع يحتاج لإعادة بناء عمومًا، لا يحمّل الرجل أزماته بصراخ فارغ.
فتاة مراهقة تسعى للزواج من شاب يحبها. دون أن تطلب شقة ومهر وأموال متراكمة. في مقابل سيدة أخرى تقتنص الفرص لاصطياد زوج غني ولو بمشاعر مزيفة تجاهه. سيدة مقهورة وساذجة يخدعها زوجها، في مقابل أخرى متسلطة تسعى للسيطرة على كل شيء حولها. سيدات من لحم ودم لهن في داخلهن من الشر ما يقابله الخير. بالطبع، يمكنهن ببساطة خلق دراما أكثر احتكاكًا بمشاهد ملّ الصعبانيات النسائية التي تلقى رواج وموضة ربما لن تنتهي قريبًا.
تفصيلات نسائية
الدخول إلى مناطق لمّاحة بطرق غير مباشرة. كان النقطة الأكثر محورية في اعتبار هالة خليل تفهم جيدًا العالم الذي تسعى للعمل خلاله. كأن تطلب ابنة أخت شيرين (غادة عادل) التي لم تتجاوز 13 عامًا أن تكون هدية عمتا لها في عيد ميلادها حمالة صدر. أو أن تسرع شيرين إلى الحمام لمساعدة صديقتها ليلى (مي كساب). عندما تدرك كسيدة فقط أنها لم تكن ترتدي حفاضة نسائية أثناء حديثهن. وبكاء ليلى غير المتوقع الذي يجعلها تبلل ملابسها من أسفل.
تلك التفصيلات النسائية البسيطة تحاوط تفصيلات أكثر كمالًا للعمل من الخارج. لتخلق عالم من النساء وعنهم. لكنه، بالرغم من ذلك، يصلح للمشاهدة الجماعية. ويقدمه ربما كأفضل دراما رمضانية لهذا الموسم الأسوء حظًا على الجميع.
كنت أتحدث مع صديق عن تفصيلة في فيلم إيليا سليمان الأخير “إن شئت كما في السماء”. بعدما شاهدته في مهرجان القاهرة الأخير وكان من بين أسوأ أفلام المهرجان. وأسوأ أفلام إيليا الذي أخبرني نبأني برحيله الفني ربما إلى غير رجعة. خسارة فنية بالطبع لكن ذلك لا يخصنا الآن. كانت التفصيلة تخص مشهد يقف في سليمان ينظر إلى عارضات الأزياء. اللاتي تمر الواحدة تلو الأخرى أمامه في قلب مشهد فج بصريًا وتركيبيًا لا يناسب زمنه.
بعيدًا عن تغييرات العالم
كان تعليق صديقي السيناريست الشهير الذي كدت أحضنه حضن مطارات عندما شاركني الامتعاض من قصة سليمان التي نالت حفاوة بالغة من كثيرين، أن هذا المشهد تحديدًا يعني أن الرجل خارج الزمن لا يعي تغيرات العالم حوله ولا يدرك مطلقًا أن تلك الصورة عن المرأة أصبحت أكثر سذاجة بعيدة عن زمنها، وتسليع لا يصلح كمجاز عن أي شيء حالي إلى جانب أنه بالطبع، دون مبرر درامي يضطهد المرأة دون سياق ولا يفهم قضيتها الآنية.
ربما يصلح حديثنا السابق أن يصبح معكوسًا تمامًا عند النظر على عمل مثل “أحلام سعيدة”. الذي يبدو من كل تفصيلاته أنه يدرك زمنه وسياقه جيدًا. يسعى ببساطة دون تحذلق لعرضها في إطار مشاهدة جماعية تصلح لأغلب الفئات. يقل فيه المط والتطويل قدر الإمكان. ويطرح أزمات النساء بشكل يحمل رقة كاتبته وخفتها ليعيد تشكيل تساؤلاتهن.
حتى تكون النساء سعيدة
عالم نساء نساء، يجتمعن بعد وحدتهن الممنطقة التي تدعو للتعاطف، ليجدن أنفسهن فقط في صداقتهن. يفهمن بعضهن أكثر ويصبحن أكثر إدراكًا للعالم أيضًا. يبدو أنهن في قلب أزمة حادة صريحة تجمعهن على اختلاف أسبابها. كلهن لا يمكنهن النوم سوى بمهدئات ومنومات شديدة التأثير من الحزن والغضب المكتوم والوحدة الداخلية.
تتغنى فريدة الأرستقراطية وزميلاتها مع المدفعجية “فكك فكك شوف مصلحتك فكك فكك خليك على راحتك. نوم مبنامش تفهم إيه إنت متفهمش أنا والوحدة إتنين في كلبش”. أحلام سعيدة في قلبه يبعث في حلم يقظة طويل رسالة طويلة. تقول بوضوح. أن يمكن للسيدات أن يحتمين ببعضهن الآخر. وقت أن تُغلق كافة السبل من المجتمع عمومًا، ليس الذكوري فقط. في أحلام سعيدة عالم نساء نساء.