توقعت مجله كريستيان ساينس مونيتور ان مصر قد تكون دول ترانزيت لتهريب او غش الدواء بين شرق اسيا وافريقيا. بعدها، اعترف الدكتور عادل العدوي -وزير الصحة الأسبق- ان هناك حوالي ادويه مغشوشة تقدر بـ 10%؜ من سوق المبيعات الذي كان قد سجل 60 مليار جنيه.

لكن، بنظره عالميه، نجد ان هذه التجارة المحرمة تعمل عليها عصابات دوليه. استغلت تعاظم دور التكنولوجيا في حياتنا. وانتشار منصات التواصل وقوانين التجارة الحرة بين الدول الفقيرة.

الدواء سلعه استراتيجية، بدأت في مصر من الثلاثينيات، وتعاظمت الصناعة في فتره الستينيات. بتشييد شركات دواء خاصه بعد عدوان 1956. بعد أن امتنعت شركه باير الألمانية عن توريد صنف هام جدا. فقام الرئيس جمال عبد الناصر باستدعاء خبراء مختصين اسسوا لشركات مازالت تعمل حتى الان.

كانت لهذه الشركات وظيفة اجتماعيه نحو المواطن. ووظيفه اقتصاديه للسيطرة على سوق الدواء وفتح فرص عمل والاكتفاء الذاتي. حتى انه مع بدايات افتتاح شركات متتالية، دعي الي افتتاح شركه النصر للخامات الدوائية الزعيم نيكيتا خرشوف. ووصف ان مصر ستكون (صيدليه افريقيا) التي تؤمن لها الدواء بعيدا عن الاحتكارات الرأسمالية. بعدها بسنوات وصف الكاتب الامريكي توماس فريدمان في مقال في صحيفة نيويورك تايمز ان الدواء سيكون أحد ادوات (التأثير على القرار السياسي للدول).

مصر.. السوق الأكبر للأدوية

تعتبر شركه المؤسسة العالمية للمعلومات والاستشارات الدوائية الإنجليزية IMS وهي الوحيدة في العالم في هذا المجال. ان السوق المصري الاكبر في المنطقة من ناحية عدد العبوات. والاول افريقيا والثاني عربيا بعد سوق السعودية الاكبر من الناحية المالية.

فيما بين من منتصف السبعينيات الي 2019. اختفت هيئه خاصه بالسياسات الدوائية. تجمع ما بين التصنيع والتحليل والتفتيش ومراقبه مأمونيه الدواء بعد طرحه للبيع. حيث اعتبر صناع الأدوية الاجانب ان هذه الهيئة من بقايا العهد الشمولي وان السوق أصبح مفتوحا على ذراعيه.

ولكن اول الألفية الثالثة، بدأت مطالبات المجتمع المدني منظمات حقوقيه ونقابات مهنيه. في المطالبة بتأسيس هيئيه خاصه بالدواء بعيدا عن وزاره الصحة. وان تكون لها ميزانيتها وشخصيتها الاعتبارية، لفرض مزيد من السيطرة بعد وجود فوضي ادت لهروب المستثمرين. أيضا، لان قانون تسعير الدواء المصري يميل الي الصناع اللذين كانوا يتمتعون بنفوذ عضويتهم بالحزب الحاكم او امانه السياسات.

الهيئة العليا للدواء

مع عام 2017، ظهر مشروعان لتأسيس الهيئة العليا للدواء. واثناء طرح المشروعان بدء البرلمان المصري مناقشه المشروعان حتى استقر لمشروع اعدته وصاغته غرفه صناعه الدواء باتحاد الصناعات. المعبرة عن مصالح الشركات العملاقة. وتشرفت بحضور ثلاث جلسات في لجان استماع للخبراء. وسجلنا اعتراضنا على انفراد صناع الدواء بصياغة القانون، ولكن الامر تم.

وفي سنه 2019، اعلنت الجريدة الرسمية في 25 ديسمبر/تشرين الثاني 2019. عن بدء تطبيق القانون. وانتظرنا خيرا، بل وزاد صبرنا حتى يتم الترتيب الاداري. خاصه ان هذه الهيئة ستنفصل عن وزاره الصحة. بل، والاخطر انها مسؤوله عن سوق مبيعاته. الذي في 2021 مثلا تعدي 65 مليار جنيه مصري. بدون مناقصات وزاره الصحة غير المعلنة. او مبيعات القوات المسلحة والشرطة. والاحصائية لمؤسسه الاحصاء IMS.

نزاع الاختصاصات

اول الامر وقعت حرب شديده بين الوزيرة السابقة للصحة، والدكتور رئيس هيئه الدواء. علي تنازع الاختصاصات واموال الصناديق الخاصة. وتابعيه الادارات الصحية الي مفتشين تابعين للوزارة وبين مفتشين الهيئة الجديدة. اللذين اعطاهم القانون ميزه وهي الضبطية القضائية.

حصل تقارب لمده سنه لمن له التفتيش على 80 ألف صيدليه. بحسب إحصائية للنيابة العامة للصيادلة. ومن هنا حصل اللا متوقع، والذي تعاني منه سوق كبير جذاب للاستثمارات بشكل سنوي. حتى أصبح لمصر الان حوالي 145 شركه لديها مصنع. -بحسب تصريح غرفه صناعه الأدوية- ويعمل فيه حوالي 200 ألف عامل. بينما هناك حوالي 1200 شركه لا تمتلك مصنع تسمي (التول). وهي تصنع لدي المصانع الأخرى. ولا تعترف غرفه صناعه الأدوية بهذه الكيانات، نظرا لان أحد شروط عضويه الغرفة ان يكون للشركة مصنع.

أدوية مغشوشة

المأساة بدأت عندما بدء في مصر شيء غريب وغامض ومريب. هو ان الرقابة على الأدوية (لاحقه). اي بعد طرح المستحضر للجمهور. وليس كما العالم رقابة (سابقه) قبل الطرح للجمهور.

لم تكن وفاه الطفله اربني مينا سنه 2019. بسبب خطأ من حقنه (سيفترياكسون) فقط. بل ان الطفل مروان عبد الباقي من قرية بمركز ايتاي البارود بسبب غش مستحضر مضاد حيوي. في خلال 3 دقائق حقنه (يونكتام 1500) من أربع أيام. حيث جاءت تنبيهات من جهات عديده ان هناك بالأسواق حقن من الصنف بالآلاف مغشوشة.

بعد اسبوع تمكنت اجهزه وزاره الداخلية من تحديد مصنع كان يعمل لتصنيع الأدوية البيطرية. ضبط المصنع الذي يقع في قرية (العطارة) مركز شبين القناطر القليوبية. بعد تلقيها بلاغ من أحد المفتشين بإدارة الصيدلة (11 فؤاد).

ورغم الذعر الذي تسبب في اكتشاف الغش في حقنة شهيرة. قامت الشركة المالكة للصنف -وهي شركه المهن الطبية- بإصدار منشور رسمي للراي العام تعلن عن قيامها بسحب كل الحقن الموجودة في السوق. هو اجراء متعارف عليه عالميا، شريطه ان تكون الهيئة المنوط بها صناعه الدواء موجودة. وعليها التأكد بواسطة سجلات التوزيع من الشركة. وهذا اجراء سهل.

التأثير على استثمارات الدواء

فعلا اصدرت الهيئة بيان رسمي بوجود مستحضر مغشوش جاري سحبه. الا انه للان تم ضبط المصنع والقبض على ثلاثة. أمرت نيابة شبين القناطر بحبسهم اربعه، ايام وجاري البحث على اثنين اخرين. ولكن (الإبرة القاتلة) مازالت تباع لضحاياها بدون اي رقابة ومنتهي السهولة.

قدمت يوم الجمعة -بعد 8 ايام من حاله الوفاة- بيانات رسميه بسحب المستحضر بالشراء. ولم يبلغني الصيدلي بشيء، لان 95%؜ من الصيادلة لا يعلمون شيء. حيث ان قرارات السحب تكون على الورق فقط.

الامر لم يتوقف على ذلك. بل خلال شهر واحد هناك مستندات رسميه لـ 8 اصناف أخرى.. صدر قرار انها غير (مطابقه) او (مغشوشة) او لا يوجد (ترخيص) لها من الاصل.

ظاهره تزوير الدواء. كما تطلق عليه منظمه الصحة العالمية. عمليه ستؤثر على فرص الاستثمارات التي ستهرب من سوق سمعته سيئة. رغم اننا نتكلم عن بعض الأصناف. ومصر بها أكثر من 10 الاف صنف، الا ان هناك اصناف قاتله في الحال. كما تعطي انطباع سيء تحجم الدول عن الاستيراد من مصر. كما فعلت منذ سنه اسواق من دول أفريقية.