منذ 75 عامًا، كان الشرق الأوسط أكبر مختبر أسلحة في العالم. اختبر جميع صانعي الأسلحة الكبار أحدث آلات القتل في حروب المنطقة. من السوفييت في مصر، إلى الأمريكان في العراق، وحتى الروس في سوريا. السلاح الذي أثبت فعاليته حقًا في حروب هذه المنطقة مؤخرًا. بل، وأدهش الجميع من أنماطه التي تراوحت بين الرخيص المثير للصدمة إلى الغالي الثمن.
وقبل عشرين عامًا فقط، كانت إيران وتركيا أضعف من أن تستخدما القوة ضد جيرانهما. بالكاد كان بإمكانهما محاربة المعارضين الأكراد والبلوش. اليوم، يبرزون قوتهم عبر الشرق الأوسط بشكل كبير. جمدت تركيا الحرب الأهلية الليبية والسورية. وربما شنت إيران أول حملة جوية فعالة حقًا ضد المملكة السعودية.
في هذا المضمار الجديد برزت تركيا. في البداية كانت تمتلك جيشًا اعتبره الخبراء على أنه مزحة. على الرغم من أن أنقرة كانت تحب التباهي ببراعة جيشها، إلا أن قواتها أظهرت في السنوات الأخيرة القليل من القدرة الحقيقية. سواء ضد المتمردين الأكراد أو مقاتلي الدولة الإسلامية “داعش. ثم، اكتشف الأتراك الطائرات بدون طيار.
كذلك، أجبر آيات الله الرياض على طاولة مساومة لم تكن تقصد أبدًا الجلوس عليها. واجه الإماراتيون نفس الموقف. وهم لا يقدمون تنازلات استباقية للإيرانيين على المدى القصير فحسب. بل يفعلون أيضًا كل ما في وسعهم لبناء جيش طائرات بدون طيار خاص بهم على المدى الطويل.
اقرأ أيضا: الإمارات ومفاوضات F-35.. هل يمكن إقناع الشرق الأوسط بأن أمريكا لا تزال شريكًا جديرا بالثقة؟
الدرونز.. لعبة السيطرة في فضاء الشرق الأوسط
هذه الطائرات الصغيرة أعادت اليوم الكثير من المجد العثماني. في عام 2020، حاصر القائد الليبي خليفة حفتر طرابلس، وبدا الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يستولي على المدينة. بعد ذلك، نشرت أنقرة جيشًا من المستشارين والطائرات بدون طيار. التي مكنت الحكومة الليبية من تحطيم قواته وإجباره على الدخول في مفاوضات سياسية.
في نفس العام، شن النظام السوري هجومًا كبيرًا على معقل المعارضة في إدلب. مستخدمًا قوة مدرعة أعيد بناؤها بمساعدة إيرانية وروسية. هنا أيضًا، نزل قطيع من الطائرات بدون طيار التركية على القوة السورية أثناء تحركها شمالًا. جعلها محطمة مثل التحف المتهالكة. أخيرًا، في وقت لاحق من عام 2020، مكّن أسطول آخر من الطائرات بدون طيار التركية أذربيجان من هزيمة القوات البرية الأرمينية. في أحدث جولة من القتال على إقليم ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه.
أعجبت إيران بدورها بلعبة الطائرات بدون طيار. وفي سبتمبر/أيلول 2019، قصفت مركز معالجة النفط السعودي الضخم في بقيق. بنحو عشرين طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ كروز. أفلتت الطائرات بدون طيار من الدفاعات الجوية الواسعة حول الموقع. وتمكنت من إيقاف ما يقرب من نصف إنتاج النفط السعودي لعدة أسابيع.
منذ ذلك الحين، قام حلفاء إيران ووكلائها بضرب القوات الأمريكية في العراق وسوريا بطائرات بدون طيار. وشنوا حملة جوية مستمرة ضد السعودية، ينفذ أغلبها الحوثيون من اليمن. يقول كينيث بولاك، الزميل في معهد أمريكان إنتربرايز: كانت مثل هذه الهجمات فعالة بشكل ملحوظ. لفهم سبب موافقة السعوديين على مضض. على إجراء محادثات مباشرة مع الإيرانيين في بغداد في مايو/أيار 2021، بعد سنوات من المماطلة الدبلوماسية. قبلها، في أبريل/نيسان 2021، تعرضت المملكة لهجوم بطائرات بدون طيار، وصواريخ باليستية، وصواريخ كروز. أطلقها الحوثيون.
في الواقع، السعوديين وافقوا على المحادثات فقط بعد أن حاولوا أولاً وفشلوا في شراء طائرات تركية بدون طيار. وفي يناير/تشرين الثاني، وفبراير/شباط 2022. تعرضت الإمارات لهجمات الطائرات بدون طيار. والصواريخ التي أطلقها الحوثيون في اليمن. والحشد الشعبي من العراق.
خروج أمريكا والتدابير المضادة
أوضح فرزين نديمي، وهو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج. أن مشروع الطائرات المسيّرة احتلّ مكانةً بارزةً ضمن مجموعة التهديدات الإيرانية في المنطقة. “حتى أنه يتماشى مع برامج إيران المقلقة المتعلقة بالصواريخ الباليستية والدقيقة”، حسب قوله.
يقول: أثار الاستخدام العدواني المتزايد إلى حد كبير للطائرات بدون طيار، من قبل طهران ووكلائها. قلق “القيادة المركزية الأمريكية” والمسؤولين العسكريين في المنطقة. مما حثّهم على إيجاد تدابير مضادة نشطة وسلبية. تشمل المعادِلات غير المأهولة. على سبيل المثال، أسراب الطائرات المسيّرة من طراز “هنتر 2-أس” من إنتاج “مجموعة إيدج” الإماراتية.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يتم ردع إيران، ولا ينبغي توقع تغيير سلوكها في المنطقة إذا أعادت إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع الولايات المتحدة.
خلق الخروج الأمريكي من الشرق الأوسط فراغًا أمنيًا. وتزايدت لدى كل القوى العنف والعدوانية والتسارع لملء الفراغ. كما أثار النفوذ الإيراني المزدهر، والتراجع الأمريكي غير اللائق. ذعر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. بل، ودفع البعض إلى التجمع معًا بطرق لم يكن من الممكن تصورها من قبل. مثلما انضمت البحرين، والمغرب، والسودان، والإمارات. إلى مصر والأردن، من خلال التوقيع على اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل. والمرجح أن تحذو السعودية حذوهم.
يقول بولاك: احتفل الكثيرون بهذه الصداقة الجديدة باعتبارها نهاية للصراع العربي الإسرائيلي. حتى لو وضعنا جانباً البؤس الذي لم يتم حله للفلسطينيين، فإن مثل هذا المنظور يتجاهل حقيقة أن هذا تحالف عسكري في طور التكوين، وهدفه النهائي هو القتال وليس السلم. في غضون ذلك، تجمع قطر وتركيا ونصف ليبيا معًا بدافع التعاطف المتبادل مع جماعة الإخوان المسلمين. الذين وصفهم المحلل الأمريكي بأنهم “خلد الماء الغريب”.
اقرأ أيضا: من اتفاقيات إبراهيم إلى الحرب في اليمن: الإمارات والتهديد الإيراني
من يُسيطر على الشرق الأوسط؟
يرى المحللون في الغرب أنه في أعقاب وداع الولايات المتحدة، تتشاجر دول المنطقة في كثير من الأحيان. ويتوقع معظمهم أن يصبح ذلك الوضع الطبيعي الجديد.
السعوديون والإماراتيون -على سبيل المثال- تدخلوا في الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015 لمنع توسع النفوذ الإيراني. على الرغم من أن تدخلهم تسبب في التهديد ذاته الذي سعوا إلى استبعاده، إلا أنهم اتخذوا إجراءً صريحًا. لأن الولايات المتحدة لم تفعل شيئًا حيال مكاسب إيران الإقليمية، ولم تفعل ذلك إلا بعد مطالبة إدارة أوباما مرارًا وتكرارًا بالتصرف بدلاً منها.
كذلك، قصفت إسرائيل أهدافًا إيرانية في سوريا مئات المرات على مدار العقد الماضي. وحولت انتباهها مؤخرًا إلى الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق. تشترك إيران وإسرائيل في حرب سيبرانية. تصاعدت الآن لتشمل الهجمات الإيرانية على المستشفيات الإسرائيلية، والهجمات الإسرائيلية على محطات الغاز الإيرانية. وتقاتل القوات التركية وكلاء روس وإماراتيين في ليبيا، والنظام السوري، والقوات الإيرانية في سوريا. بينما يقوم الجيش المصري بتنويع وزيادة تسليحه، في وقت يزداد فيه نشر قوات الجيش لتأمين النقاط الحدودية الملتهبة.
أما الإرهاب، الشغل الشاغل لواشنطن منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط. أصبح أيضًا مشكلة ثانوية بشكل تدريجي. بعد أن اتسعت نطاقات الحرب الأهلية بين شعوب المنطقة.
الآن، يبدو أن انسحاب الولايات المتحدة يطلق العنان لصراع يمكن التنبؤ به بين دول الشرق الأوسط. حول من سيأخذ مكان الولايات المتحدة على رأس المنطقة. البعض على استعداد للقتال بجد للفوز بهذا التاج، والبعض الآخر على استعداد للقتال بنفس القدر من القوة لمنع شخص آخر -أو أي شخص- من المطالبة به.
يقول بولاك: حتى لو فشل كل شيء، فإن العملية ستكون دموية ومزعزعة للاستقرار. قد تطول أيضًا المناطق المجاورة، إن لم تحرقها على الأرض.