لا تزال قرارات البنك المركزي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في كافة العمليات الاستيرادية. والعمل بالاعتمادات المستندية، تحدث ارتباكاً داخل الأسواق. وسط شكاوى مستمرة من تسببها في بطء توفير السلع الوسيطة للمصانع. وتعنت البنوك في توفيرها إلا للسلع الأساسية فقط.

البنك المركزي اعتبر القرار متماشيًا مع توجيهات مجلس الوزراء. بشأن تفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات. التي بدأ تطبيقها بصورة إلزامية على الموانئ البحرية، اعتبارا من بداية مارس/أذار الماضي. وسيتم تطبيقها إلزامياً بالموانئ الجوية تجريبيًا، منتصف مايو/ أيار المقبل. على أن يبدأ التشغيل الإلزامي في الأول من أكتوبر/تشرين الثاني 2022.

تسجيل الشحنات

التسجيل المًسبق للشحنات هو نظام جمركي جديد. يعتمد على إتاحة بيانات ومستندات الشحنة (الفاتورة التجارية وبوليصة الشحن النهائية أو المبدئية). قبل الشحن بـ 48 ساعة على الأقل. لتتمكن الجهات المعنية من رصد أي خطر على البلاد، من خلال نظام إدارة المخاطر. حيث تضع الدولة المصرية أولوية قصوى لضمان أمن مواطنيها.

استثنى البنك المركزي من الاعتمادات المستندية عددًا من السلع الأساسية. في مقدمتها الأدوية، والأمصال، والكيماويات الخاصة بها. والسلع الغذائية الأساسية. مثل الشاي، واللحوم البيضاء، والحمراء، والأسماك، والأقماح، والزيوت، وألبان الأطفال. والبقوليات مثل الفول والعدس. وهي السلع التي يتحدث المستوردون أن لها الأولوية في فتح الاعتمادات حاليًا.

يتحدث المهندس متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية. عن صعوبات كبيرة يعاني منها المستوردون، سواء في مستلزمات الإنتاج، أو السلع تامة الصنع. نتيجة للبطء الشديد في فتح الاعتمادات المستندية الخاصة بالعمليات الاستيرادية. مضيفًا أن الموانئ تشهد حاليًا تكدسًا بسبب صعوبة عمليات الإفراج الجمركي.

السلع الوسيطة وبقاء السوق والصناعة المصرية

تعتمد الغالبية العظمى من المصانع المصرية. على السلع الوسيطة والمكونات المستوردة من الخارج. خاصة من الصين التي تمثل وحدها نحو 14 مليار دولار. وبالتالي فإن تباطؤ الحصول على تلك المستلزمات. من شأنها تقليص عمل المصانع، وبالتالي تقليل المنتجات التي تطرحها للأسواق أو التي تصدرها للخارج.

يؤكد أن الصناعة تعتمد بشكل أساسي علي الاستيراد. وأكبر الدول المصنعة والمصدرة هي نفسها أكبر الدول المستوردة مثل الصين وأمريكا، ما يتطلب بحوار بين الحكومة والمستوردين لإيجاد حلول مناسبة لمواجهة توفير مستلزمات الإنتاج والإفراج عن البضائع، وتقييم المتغيرات العالمية خاصة بعد حدوث خلل واضح في سلاسل الإمداد والتوريد على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من تأثيرات طالت كل دول العالم ومصر جزء منها.

تصدرّت السلع الهندسية قائمة المنتجات الأكثر استيراداً في مصر خلال العام الماضي، وأظهرت بيانات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات أنَّ مصر استوردت سلع هندسية، بقيمة بلغت 22 مليار دولار، ومواد البناء في المركز الثاني ضمن قائمة الواردات المصرية بإجمالي واردات بلغ 11.4 مليار دولار.

شكاوى المستوردين

تشكو لجنة التجارة الخارجية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية من أن الأولوية لفتح الاعتمادات المستندية بالبنوك للسلع الأساسية، أما بالنسبة للسلع الأخرى فهناك تأخيرات في فتح الاعتماد المستندي لشحناتها، حتى مستلزمات إنتاج السلع الغذائية الوسيطة، كما أن تأخير فتح الاعتمادات المستندية سيسبب توقفًا لبعض خطوط الإنتاج بعدد من المصانع خلال الفترة الحالية، مع الارتفاع الكبير في أسعار المعادن بالبورصات العالمية، لكنه توقع أن تحدث انفراجة في فتح الاعتمادات المستندية خلال الفترة المقبلة.

تأتي شكاوي المستوردين رغم عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء اجتماعا؛ لاستعراض السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج ذات الأولوية، بهدف تيسير إجراءات استيرادها مع البنك المركزي المصري، وذلك بحضور نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، والمهندس محمد السويدي، رئيس اتحاد الصناعات.

ضبط سوق ومنظومة الاستيراد

الخبير المصرفي محمد عبدالعال يقول إن قرار فتح الاعتمادات المستندية جاء في توقيت مثالي لضبط منظومة الاستيراد الذي كان يتم عبر طريق بوالص التصدير بين مستورد محلي ومُصدر بشكل غبر مباشر عبر وسطاء دون سوابق خبرة عبر وسطاء الشحن، لكن النظم المعمول بها الان ومتطلبات الرقابة العالمية قضت على هذه الطريقة.

أضاف أن نظام الاعتمادات المستندية يجعل جميع أطراف الحلقة متصلين وشركاء سواء المستورد أو المصدر أو البنك الذي يقتصر دوره في بوالص الاستيراد على دور “وسيط”، كما يقضي على ظاهرة التلاعب في قيمة الفواتير من قبل بعض المستوردين ما يجعل الاقتصاد بقيمته الحقيقية أقل أمام المؤسسات الدولية.

ووضعت وزارة التجارة والصناعة قائمة بمستلزمات الإنتاج الأساسية، وأخرى تم استثناؤها من البنك المركزي بقائمة السلع الأساسية والمستلزمات الرئيسية، وتم ضم الأدوية والأمصال كما تم الانتهاء من إعداد القائمة التفصيلية لمستلزمات الإنتاج، بهدف مراجعة الأولويات الخاصة بالسلع ومستلزمات الإنتاج التي سيتم استيرادها، لكن مجلس الوزراء وعد بوضع قائمة تفصيلية سيتم إرسالها للبنك المركزي المصري، حتى يتسنى التنسيق معه لتيسير إجراءات إتاحتها.

عدلت الحكومة بعض فئات التعريفة الجمركية خفضًا للرسوم الجمركية بنسب تزيد علي 50% من مستوياتها الحالية علي بعض مكونات صناعات الأثاث والبتروكيماويات والأجهزة الكهربائية المعمرة مثل الثلاجات والتليفزيونات، وأيضًا لسيارات النقل الجماعي بجانب محطات تموين المركبات بالطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي.

منحت التعديلات إعفاءً جمركيًا أيضًا على خام ثاني كلوريد الإثيلين التي تستخدم علي نطاق واسع في الصناعات البتروكيماوية مع فرض ضريبة بنسبة 2% علي المنتج الكامل وهو البولي فينيل كلوريد؛ تشجيعًا للاستثمارات التي تعتمد عليه.

ضرورة الترشيد

نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن أزمة الاعتمادات المستندية لا يجب حصرها عند مشكلة الاستيراد، ولا يجب إجراء نقاش أوسع حول مشكلاتها فقط ولكن توسعة الأمر ليشمل معالجة نقص إنتاج السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج في مصر والاعتماد على الخارج فيها

بحسب خبراء اقتصاد، فإن قرارا ترشيد الاستيراد ضرورية لمواجهة الأزمة الدولارية التي تعاني منها مصر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي قلصت ن عائدات السياحة ورفعت أعباء استيراد القمح والبترول لأعلى مستوى لها ما يضغط على الاحتياطي النقدي.

أضاف عزام أن المشكلات الاقتصادية يجب أن يتم حلها من جذورها والبدء بسرعة في حصر قائمة السلع الوسيطة والعمل على وضع خطة لإنتاج جزء منها محليا مع يفتح المجال أمام الحفاظ على العملة الصعبة وتوفير المزيد من فرص العمل وتقليل البطالة.