يشكل محمد حمدان دقلو (حميدتي) رقما صعبا في المعادلتين الداخلية  السودانية والإقليمية الأفروعربية، ذلك أنه إنطلاقا من  توظيفه في المعادلة السياسية الداخلية في السودان، صعد إلى منصة المعادلات الإقليمية وذلك على خلفية نجاحه في حماية النظام السياسي لعمر البشير من المهددات الدارفورية، ولكن مع الأحداث الأخيرة في كريندت بدارفور تثور الأسئلة بشأن مدى قدرة حميدتي وقواته في القيام بوظيفتهم الأصلية وذلك في تحجيم المهددات بدارفور وإسناد مؤسسة الدولة الهشة في السودان، خصوصا بعد امتناعه عن حضور مجلس الأمن والدفاع السوداني بهذا الشأن رغم كونه نائب رئيس المجلس السيادي السوداني!!.

وقبل محاولة تقييم تداعيات موقف حميدتي يجدر التعرض لآليات صعوده الصاروخي في المعادلة الداخلية السودانية والتي ترتب عليها أدوار إقليمية باتت مؤثرة علي مستقبل دولة السودان بل وعافيتها.

إعتبارا من ٢٠٠٣ بزغ نجم حميدتي علي خلفية أخطاء سياسية مارسها عمه موسي هلال ذراع البشير ضد الحركات المسلحة المناوئة له في دارفور، وأصبح حميدتي قائدا لما يسمي قوات الدعم السريع، وذلك بقرار جمهوري من البشير، ومع اندلاع الحرب في اليمن عام ٢٠١٥ برزت أدوار الرجل الإقليمية، حيث تم الاعتماد على قوات حميدتي (الدعم السريع) في إسناد القدرات البشرية لقوات التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين ومن ورائهم إيران والتزم السودان بتقديم يقدر بنحو 10000 جندي لدعم التحالف العربي جلهم تقريبا من المشاة، وذلك مقابل دفع رواتب الجنود ، والودائع المباشرة لخزينة الدولة السودانية، فضلا عن دعم السلع الأساسية. وبحلول عام 2018، قدر المسؤولون الإماراتيون أنهم ضخوا حوالي 7 مليارات دولار في الاقتصاد السوداني.

ومن هنا سمحت العلاقات الخليجية لحميدتي بتأسيس دورا ونفوذا يتجاوز السودان من ناحية، ويشكل تهديدا لمؤسسة الدولة السودانية بسماتها التقليدية من ناحية أخرى، ليفتح الباب إما لانهيار كامل لهذه الدولة أو تحولها للنموذج اللبناني الذي يملك فيه حزب الله وزنا وتأثيرا قائدا يحول دون إحتكار القوي الصلبة (الجيش) للسلاح، ويؤثر في علاقات وتفاعلات لبنان مع الإقليم والعالم.

من هذه الزوايا جميعا فإن اهتمام المنصات الأكاديمية والميديا الغربية بحميدتي وقواته ودورهما في معادلة الإستقرار الإقليمي تبدو كبيرة، خصوصا وأنها مرتبطة على نحو ما بالسياسات الخليجية في المنطقة بوجه عام وسياسات دولة الإمارات على نحو خاص.

وربما يكون من الجدير ذكره هنا أن حميدتي وقوات الدعم السريع كان لهما دورا في تشكيل سياسيات البشير تحت مظلة الإنقسام الخليجي حيث توقعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تنحاز لهما الخرطوم ضد كل من قطر وإيران، مستخدمين في ذلك حميدتي عبر علاقات موازية للعلاقات مع البشير. ومن المحتمل أن يكون هذا الضغط الداخلي هو السبب في قرار البشير في يونيو 2017 بالبقاء على الحياد في أزمة قطر، مما أثار غضب الإمارات والسعودية ومع الغضب تم قطع رواتب الجنود السودانيين مرحليا  ولكن ذلك لم يمنع البشير من الاستمرار في ممارسة الإنتهازية السياسية بين الفريقين الخليجيين ففي مارس2018، تلقى دعمًا إماراتيًا وقرضًا بقيمة 2 مليار دولار من قطر في ذات التوقيت وهو ما أقنع  المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بأن البشير غير موثوق به، وربما يكونا قد ساهمتا ضمن عوامل في إسقاطه بطرق غير مباشرة، حيث إنه قبيل ثورة ديسمبر 2018، أوقفت دولة الإمارات شحنات الوقود إلى السودان وذلك بالتوازي مع نقص حاد في النقد الأجنبي، مما اضطر البشير لقطع دعمه للخبز، وهو الأمر الذي كان معطى مهم في التحرك الجماهيري السوداني ضد البشير وخلعه في أبريل ٢٠١٩.

هذا التغيير الجذري في النظام السياسي سمح بصعود كبير لحميدتي فمن ناحية يملك الرجل علاقات مباشرة خصوصا مع دولة الإمارات عبر عدد من المسارات المتوازية منها دور قواته في كل من اليمن ضد الحوثيين وليبيا وذلك في دعم حفتر. أما علي الصعيد الإقتصادي فإنه يتم الاعتماد عليه في الحصول على الذهب انطلاقا من سيطرته على معظم  مناطق الذهب السوداني.

وقد أجرت بعض المنصات السودانية والجهات الدولية تحقيقات فيما يتعلق بالعلاقات المالية بين حميدتي ودولة الإمارات وشركة استغلال الذهب أجناد، وأوردت  أن  الموقف المالي للشركة قد تحول من وجود مديونية على وقت البشير إلى تحقيق أرباح بعد الثورة السودانية، وأن  هناك مدفوعات إمارتية للشركة، وأن حميدتي هو رئيس مجلس إدارة الشركة بعضوية أخويه وأن شركات الذهب تلعب دورا رئيسا في تمويل قوات الدعم السريع التي استولت على مناطق تعدين الذهب بالقوة اعتبارا من نوفمبر ٢٠١٧ في منطقة جبل عامر بدارفور، كما مارست  هجوما مسلحا في بلدة تلودي بجنوب كردفان لنفس الغرض، كما تتحدث هذه الجهات عن مدفوعات من جانب دولة الإمارات في تحت مظلة هذه الشركة.

الذهب سمح لحميدتي بتأسيس إمبرطورية اقتصادية تتوسع في امتلاك العقارات حاليا بمناطق وسط الخرطوم، بينما سمحت له بتمويل البنك المركزي السوداني أكثر من مرة كان أولها بحوالي مليار دولار بعد الثورة السودانية مباشرة.

طبقا لهذا المشهد الإجمالي يمكن القول أن الأدوار السياسية التي لعبها حميدتي لدعم الثورة السودانية ضمن عوامل أخرى قد وفرت دعما ماليا خليجيا مقدراه ٢٠٠ مليون دولار شهريا إمتد لحكومة حمدوك الأولى، ولم يكن ذلك إلا انعكاسا لسياسات الإمارات في دعم المكون العسكري مع إعطاء وزن أكبر لحميدتي في المعادلة خصوصا مع الضغط كي يقود مفاوضات جوبا مع الحركات المسلحة بما يعني دعما لوزنه السياسي على حساب رئيس الوزراء وقت ذاك، كما ضغطت أبو ظبي طبقا لدراسات أمريكية أنجزتها مدرسة إليوت بجامعة جورج واشنطن  في أن يقود حميدتي الملف الاقتصادي بالسودان.

تموضع حميدتي بهذا الشكل في المعادلة الداخلية السودانية  نتيجة دعم دولة الإمارات خلق تناقضات ثانوية بين الترويكا العربية الداعمة للسودان فبينما انسحبت السعودية جزئيا اعتبارا من مطلع ٢٠٢٠ فإن مصر تدعم عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي باعتباره ممثلا للمؤسسة العسكرية الرسمية، رفضا لفكرة الصعود الميليشاوي للقدرات العسكرية في السودان، بما يشكله من تهديد لمؤسسة الدولة السودانية من ناحية وتقزيما لصورة السودان على الصعيد الدولي من ناحية أخرى، وهو ما يجعل القاهرة تقوم بدور مباشر في القيام ببعض أدوار الدولة السودانية ومنها تصدير الكهرباء للسودان في محاولة لتخفيف وطأة شلل الدولة وغياب الحكومة المركزية كنتيجة للشلل السياسي.

الجديد في المشهد هو أن المعطيات التي بموجبها دعمت الإمارات حميدتي في طريقها حاليا للتراجع، فمن ناحية انسحبت الإمارات جزئيا من ملف اليمني الذي يتجه نحو بلورة تسوية سياسية ما، ويبدو في تفاعلات الملف الليبي المؤثر الدولي فيها أعلى من المؤثرات الإقليمية، كما يشكل دعم حميدتي للمعارضين أن لمحمد إدريس ديبي سببا في الضغط عليه من جانب تشاد.

أما الأهم من كل ذلك فهو مجريات الوضع الداخلي السوداني، حيث  خلقت حالة الصراع علي الموارد في دارفور كمتغير حديث دورا في تراجع ولاء قوات الدعم السريع لحميدتي، ودخل جنجويد دول غرب أفريقيا علي خط الصراع الدارفوري دعما لقوات الدعم السريع ولكن هذه المرة لحسابهم الخاص وليس لحساب محمد حمدان دقلو وذلك  طمعا في الذهب السوداني.

ولكن يبقى أن لحميدتي روافع أخرى منها قدراته الشخصية وذكاءه السياسي في بلورة التحالفات السياسية وكذلك وإمبرطوريته العقارية والمالية، وكلها مؤهلات تمنحه لقب أمير الحرب في حالة انهيار الدولة السودانية، وقد تمنحه دورا سياسيا مستقبليا إذا اختار في هذه اللحظة ألا يكون مهددا لمؤسسة الدولة السودانية التي باتت مهددة بعنف تحت وطأة صراعات داخلية يلعب فيها  حميدتي نفسه دورا رئيسا.