خلال أبريل/نيسان الماضي، شهد اليمن تطورات سياسية متلاحقة. بدأت بتنحي الرئيس عبد ربه منصور هادي عن منصبه في 7 أبريل/نيسان. ثم تولى المجلس الرئاسي المؤلف من 8 أعضاء، مهامه بعد 12 يومًا من التنحي وفي جلسة برلمانية نادرة بالعاصمة المؤقتة عدن.

حاليًا، يتمتع اليمن باتفاقية هدنة لمدة شهرين بوساطة الأمم المتحدة. وهو ما يمثل أول وقف إطلاق نار منذ ست سنوات. الأمر الذي يرفع الآمال في الحد من العنف. وتحسين الأزمة الإنسانية الرهيبة في البلاد، التي تفاقمت بسبب التداعيات العالمية للأزمة المستمرة في أوكرانيا.

يشكل التحول من التنافس العنيف إلى المفاوضات السياسية في اليمن اختباراً لفرضيتين بشأن المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء، منذ عام 2014. الفرضية الأولى، تقول إن أنصار الحوثي عبارة عن تنظيم متطرف تابع لإيران وغير قادر على الانخراط أو تقديم التنازلات المطلوبة لإنهاء الحرب.

أما الفرضية الثانية، فتقول إن الحوثيين سيتوجهون إلى طاولة المفاوضات. إذا قُدم لهم المزيج المناسب من الحوافز والمقترحات الواقعية لتحقيق السلام. في كل الأحوال، فإن الحقيقة هي أن الحرب لن تنتهي دون رغبة الحوثيين. لذلك، ينبغي على الأطراف اللاعبة في الأزمة التواصل مع الحوثيين للحصول على موافقتهم للمشاركة في مفاوضات يمنية- يمنية شاملة تهدف إلى وضع حدٍ للصراع.

اقرأ أيضا: خلف الهدنة اليمنية وإعلان المجلس الرئاسي (1-2)

الطريق إلى الهدنة في اليمن

في بداية العام الجاري، كان الحوثيون يشغلون عناوين الأخبار بإعلان مسؤوليتهم عن الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على الإمارات. رداً على المكاسب التي حققتها القوات المعادية للحوثيين والمدعومة إماراتياً في ميدان المعركة. شكلت الضربات تذكيراً بأنه -بعد سقوط أكثر من 100.000 قتيل- فإن الحرب ما تزال تشكل تهديداً لحياة ملايين الناس داخل اليمن وأيضاً لاستقرار منطقة الخليج.

كذلك، أعادت الحرب إثارة نقاش بشأن طبيعة التيار الحوثي. فبينما يقول الموالون للتحالف العربي إن التيار وكيلًا لإيران يقوده رجال الدين ويحكم من خلال الخوف وإن لديه تطلعات توسعية. يصور الحوثيون أنفسهم على أنهم ثوريين ومستضعفين شجعان يقاومون عدوانًا سعودية. ويدّعون أنهم صادقين في جهودهم لإنهاء الحرب، وأنهم طرحوا شروطهم بوضوح، لكن المقترحات المقابلة التي يتقدم بها خصومهم غير واقعية.

أعلنت الأمم المتحدة أنها كانت قد توسطت للتوصل إلى الهدنة في 1 نيسان/أبريل بين الحوثيين -الذين يطلق عليهم اسم أنصار الله- والحكومة المعترف بها دوليًا. وقعها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي. وأيدها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات. حيث تشمل تجميد ضربات التحالف الجوية -وهو شرط أساسي للحوثيين لوقف القتال- بعدها، في 7 أبريل/نيسان. سلّم هادي صلاحياته إلى مجلس رئاسي، صار مسؤولاً عن إنفاذ شروط الهدنة من جانب الحكومة.

في تحليل لـ Crisis Group. تظهر التحولات الجارية على الأرض ما يشبه التوازن العسكري للمرة الأولى منذ سنوات. بعد أقل من أسبوع، رتبت السعودية تنحية الرئيس عبد ربه منصور هادي. الذي كان قد تحول على مدى مسار الصراع “من حاضن لشرعية الدولة. إلى عقبة تحول في الوقت نفسه دون متابعة الحرب. وأيضاً دون إيجاد السبل المفضية إلى السلام”.

جاء استبدال هادي بمجلس رئاسي يتكون جزئياً من قادة ضالعين في محاربة الحوثيين، إضافة إلى نخب سياسية مقربة من الرياض وأبو ظبي. وهو ما قدم للحوثيين تأكيداً للنفوذ السعودي. بعد أيام من تعيين المجلس، زار مبعوث الأمم المتحدة، هانز جروندبرج، صنعاء في محاولة لتمديد الهدنة وتحضير الأرضية للمفاوضات السياسية.

لا أحد يسرد الحقيقة

وفق المراقب الأمريكي بيتر ساليزبيري. تحدد الهدنة المعلنة حديثًا بعض الإجراءات الهامة لبناء الثقة. حيث ستخفف الحكومة اليمنية وقوات التحالف الحظر المفروض على دخول 18 شحنة وقود إلى ميناء الحديدة. الواقع على البحر الأحمر، وكذلك السماح برحلات جوية تجارية من وإلى العاصمة صنعاء -التي يسيطر عليها الحوثي- أسبوعيا من وجهتين: القاهرة وعمان.  وذلك لأول مرة منذ عام 2016. كما التزمت الأطراف. لإعادة فتح المحادثات حول الوصول البري إلى مدينة تعز الواقعة في وسط اليمن. والتي حاصرها الحوثيون منذ عام 2016، وأجزاء أخرى من البلاد.

يقول: كان هناك الكثير من الأسباب للتشاؤم من أن جهود التفاوض التي تقودها الأمم المتحدة ستنجح. كانت الخطوط العريضة للاتفاق هي: وقف القتال، والسماح بدخول سفن الوقود إلى الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء. في صميم جهود وساطة الأمم المتحدة منذ أوائل عام 2020. وسعى المبعوث الدولي مارتن جريفيث -سلف جروندبرج- إلى التوسط في وقف إطلاق النار حول هذه العناصر في كل من 2020 و2021. حتى الآن، تناوبت الحكومة والحوثيون على عرقلة مثل هذا الاتفاق.

بعد أن ساد الهدوء نسبيًا. لا تقدم أي من السرديتين اللتين قدمتهما Crisis Group صورة كاملة للحوثيين أو للحياة في المناطق التي يسيطرون عليها. حيث يروي الحوثيون قصة لثورة ذات نوايا ديمقراطية أحبطتها الضربات الجوية التي تقودها السعودية والإمارات. لكنهم لا يذكرون أن الكثير من اليمنيين ليسوا إلى جانبهم، وأن أولئك الذين يقاتلون ضدهم على الأرض يقاومون حكمهم وليسوا مجرد بنادق مستأجرة.

أما الواقفين إلى جانب السعودية والإمارات، يقولون إن الجماعة عازمة على تأسيس نظام يحكمه رجال الدين. ويشيرون إلى هجمات الحوثيين على المناطق المأهولة بالسكان. لكنهم يقللون من خسائرهم، وتجاوزات القادة المحليين في المناطق الخاضعة للسيطرة الاسمية للحكومة.

أما داعموهم، السعودية والإمارات. فيركزون على هجمات الحوثيين العابرة للحدود، ويطالبون بأن تساعدهم الولايات المتحدة على وضع حد للتهديد الحوثي -والإيراني حسب قولهم- لأمن الخليج. لكنهم يسعون أيضاً للحصول على تبرئة من المذابح التي تسبب فيها قصفهم.

اقرأ أيضا: هل حرب اليمن قريبة من نهايتها؟

اعتبارات رئيسية للحوثيين

يرى المحللون أنه ينبغي على الجهود الرامية لإنهاء الحرب أن تعالج أربعة اعتبارات رئيسية ترتبط بالحوثيين. يتمثل الأول في حقيقة أنه -وحتى مطلع عام 2022- بدا وكأنهم يكسبون في الحرب الرامية إلى السيطرة على المرتفعات الشمالية في اليمن. وأنهم ما يزالون القوة المهيمنة في المناطق الأكثر كثافة سكانية في البلاد، بما في ذلك صنعاء.

الاعتبار الثاني هو أن المخاطرة في حدوث المزيد من الضربات الحوثية للسعودية والإمارات -والتهديد الذي تتعرض له التجارة البحرية حول اليمن- ستبقى ماثلة طالما ظلت الحرب مستمرة. والاعتبار الثالث هو أنه حتى لو كانت الحرب صراعاً متعدد الأطراف. يمكن إنهاؤه من خلال عملية سلام أوسع وحسب، فإنه لا يمكن إنهاء الحرب دون التوصل إلى تفاهم بين السعودية والحوثيين. حيث إن السعودية لا تقبل بتسوية تترك للتنظيم السيطرة المطلقة. وأن يظل متحالفاً على نحو وثيق مع إيران، ومسلحاً بأسلحة متوسطة وطويلة المدى.

العامل الرابع والأخير هو أن خصوم الحوثيين يرفضون فكرة العيش في دولة يهيمن عليها الحوثيون. وفي كثير من الحالات، تعهدوا بالاستمرار في القتال في حال لم تعالج التسوية هواجسهم. حتى أكثر اليمنيين تشدداً في معاداة الحوثيين يدركون أنه قريباً قد لا يكون أمامهم خيار سوى التوصل إلى نوع من التسوية معهم تحافظ على الوضع القائم.

بالنظر إلى أنه من المفهوم على نطاق واسع أن الرياض عازمة على إيجاد مخرج من الصراع. لكن، في غياب تحول في التكتيكات العسكرية والسياسية للحوثيين، فإن كثيرين في هذا المعسكر يتوقعون أنه بدلاً من أن يفضي التوصل إلى نوع من التسوية المؤقتة إلى عملية سلام. فإنه لن يتعدى كونه مقدمة إلى مرحلة جديدة من الحرب.

أهمية إقناع الحوثيين بالتفاوض

يقول التحليل: بعبارة أخرى، فإن نهاية المرحلة الراهنة من الحرب قد تكون في المتناول، لكن ليس بالضرورة نهاية الحرب الأهلية في اليمن. ولذلك، سيتعين على الجهات الفاعلة الخارجية أن تستخدم الحوافز والضغوط على حد سواء لإحضار جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات. لكن من الصعب رؤية كيف يمكن إقناع الحوثيين -بوجه خاص- بالتفاوض دون إنهاء ما يرون فيه حصاراً تقوده السعودية للمناطق التي يسيطرون عليها.

لكن، مع تخفيف هذه القيود مؤقتاً الآن -كجزء من الهدنة- ينبغي على الوسطاء القيام بحشد دبلوماسي على صنعاء. لضمان أن يشعر التنظيم بأنه تم الاستماع إلى هواجسه. وأيضاً لإبلاغه بتوقعات العالم الخارجي منه.