يواجه الإعلام الرسمي بالهيئة الوطنية للإعلام “ماسبيرو” أزمة طاحنة تعصف بالعديد من العاملين به، منذ أن بدأت عملية التطوير. التي أسندت للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتحديث المحتوى الإعلامي المملوك للدولة. والذي يواجه تحديات كبيرة، أمام القنوات الفضائية.

اعتبر العديد من العاملين بالهيئة إسناد الهيكلة والتطوير لإحدى الشركات الخاصة عودة للخلف وعملية تصفية متعمدة للقنوات الرسمية. لحساب القنوات المملوكة للشركة (دي ام سي، سي بي سي، اون تي في، والحياة). حيث اعتمدت الشركة على إبراز الصورة الإعلامية للخطاب الرسمي أكثر من خلال هذه القنوات وسحبها من القنوات الرسمية. وفي نفس الوقت تسعي فيه الشركة لتحويل العديد من القنوات الفضائية التابعة للدولة إلى البث الأرضي. وهو ما أثار اعتراض العديد منهم واعتبره سياسة هدم لا إصلاح.

تصاعدت حدة التوترات بين الطرفين الهيئة الوطنية للإعلام من جهة والإعلاميين والموظفون بالقطاعات المختلفة من جهة أخرى. اعتراضا على خطة الهيكلة ودخلوا في حالة احتجاج منذ شهر يناير الماضي. معلنين رفضهم هذه الممارسات والمطالبة بإضافة العلاوات المتأخرة والدرجات الوظيفية وصرف والحوافز. والمستحقات المالية للمحالين على المعاش.

 بداية الأزمة

بدأت الأزمة في التصاعد عندما شرعت الهيئة في هيكلة قطاع القنوات الإقليمية والذي يضم 6 قنوات وتحويلهم من البث الفضائي إلى البث الأرضي. ونقل العاملين به إلى وزارة الصحة والتعليم وهو ما اعتبر سياسة تصفية  للعاملين بدأت بقرار الهيئة بتوقيع البصمة في الحضور والانصراف. فاضطروا للاعتصام داخل المبنى وانضم إليهم عدد كبير من القطاعات الأخرى تضامنا مع العاملين بمجلة الإذاعة والتليفزيون والقنوات العامة والمتخصصة. بينهم الصحفية صفاء الكوربيجي والمذيعة هالة فهمي اللواتي تم القبض عليهن على خلفية الاعتصام.

عودة للخلف

اعتبر العاملون في قطاع القنوات الإقليمية تحويل البث لقنواتهم من الفضائي للأرضي  نوع من السير عكس الاتجاه مغاير لعملية الدجتلة والرقمنة. التي تتجه إليها كل مؤسسات الدولة حاليا وعودة للخلف. ووفقا لناني عبد اللطيف رئيس تحرير برنامج صباح الخير في قناة الدلتا، فأن القنوات الإقليمية قيمة إعلامية يجب استمرارها. لوجود عناصر إعلامية لا تقل كفاءة عن القنوات العامة والخاصة.

كما لم يعد هناك أي مشاهدين يتابعون قنوات تبث على المحطات الأرضية.  موضحة أن المشكلة تكمن في ضعف الإمكانيات المادية الموجه لهذه القنوات  والتي تصل لحد الندرة. وتدفع معدي البرامج والمخرجين إلى استكمال ديكور البرامج على نفقتهم الخاصة لعرضه.

بيئة فقيرة

وقالت عبد الطيف لــ360 إن العاملون في القنوات الإقليمية يعملون في بيئة إعلامية فقيرة الإمكانيات. حيث لا يتوافر لهم أدوات العمل من استوديوهات كاميرات للتصوير الخارجي وأجهزة البث المباشر إضافة إلي ضعف ميزانية إعداد البرامج.

كما أن تفاوت المرتبات بين العاملين بماسبيرو لنفس الدرجات الوظيفية والمسمى الوظيفي عامل أساسي في زيادة حدة الاحتقان. ففي الوقت الذي يتقاضي فيه المخرج أو مقدم البرامج في القنوات العامة والمتخصصة راتب ما بين 100 ألف إلى 200 ألف جنيه شهريا. فإن نظيرة في الإقليمية والقطاعات الأخرى يتقاضى 3 آلاف جنيه فقط مما جعل الحاجة ملحة لوضع لائحة موحدة للأجور لكل القطاعات وهو ما ماطلت الهيئة في تنفيذه حتي انفجر الوضع الإداري بالمبنى.

وتروي ناني أن الغالبية العظمة من العاملين بالقنوات الإقليمية يشعرون بأنهم أقل مرتبة من زملائهم بالقنوات العامة في التلفزيون الرسمي. لعدة أسباب اجملتها ناني أولا: تفاوت الأجور بشكل رهيب  عدم وجود لائحة موحدة للأجور والميزانية بالقطاعات المتخصصة والإقليمية والتليفزيون. مؤكدة أنهم طالبوا رئيس الهيئة حسين زين مرارا بعمل لائحة موحدة لكنهم يرفضون لضمان استمرار نظام التمييز. للضغط عليهم لترك مواقعهم حسب قولها.

ثانيا: عدم التقدير المادي والمعنوي للعاملين ففي الوقت الذي يعملون فيه بأقل الإمكانيات لدرجة أن الهيئة لا توفر بطاريات لشحن الميكرفون. وترفض كل مقترحات تحديث البرامج أو تطويرها، بحجة عدم وجود موارد مالية. ومع ذلك يتم إلقاء المسؤولية على العاملين في القطاع في تراجع نسب المشاهدة والخسائر. في الوقت الذي لم ينجح الإدارة وفي رأيها في تجديد أبراج الإرسال المتهالكة في المحطات الأرضية التي يرغبون في تحويل القنوات عليها.

 

سقوط ممنهج لإعلام الدولة

وتقول عبد اللطيف: “نعيش على المعونات والشحاتة ونحارب من أجل خروج محتوى برامج جيد”. واعتبرت ما يحدث سقوط ممنهج لإعلام الدولة يطالبونا بالعمل بطريقة تعجيزية في ظروف غاية في السوء، ومرتباتنا لم تتحرك جنيها واحدا من 2011 حتى الآن.

مؤكدة أن هناك ضغوط كبيرة تمارس من رؤساء القنوات الإقليمية في القناة الرابعة والسادسة لإنهاء الاعتصام والتنازل عن مطالبهم. منددة بما اعتبرته حالة صمت من الدولة فيما يتعلق بالأزمة.

ليسوا ضد التطوير

كانت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بدأت تفكر في الخروج من الأزمات التى يعانى منها “ماسبيرو” منذ سنوات. فقامت بعقد بروتوكول تعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام، بهدف إتاحة تراث التليفزيون والاستفادة ماديا على .”watch it”

واستطاعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من خلال التطبيق أن تحافظ على تنظيم المحتوى سواء على القنوات الفضائية أو على المنصات الإلكترونية المختلفة. حتى تسهل الأمر على المشاهدين في الاطلاع على المحتوى الذي يبحثون عنه دون عناء وبذل جهد كبير. هذا بالإضافة إلى إعادة ترميم بعض الأعمال مع مرور الوقت، التي تمتلكها الشركة، لحفظ المحتوى.

علاء اللبيدي معد برامج قال لــ360  لسنا ضد التطوير وسياسة الشركة المتحدة، لكنه ضد سياسة الهدم للإعلام الرسمي. وقال “لا يوجد إبداع ولا حرية، في ظل سياسية عدم الشفافية وتهميش وسلخ للإعلام عن الواقع والأحدث في الشارع والحيلولة دون التحامه بالقضايا الجماهيرية”.

وطالب بهيكلة كاملة له وتوحيد نظام الأجور في كل القطاعات وخضوعهم للائحة عمل موحدة  والتخلي عن سياسة التنكيل ومعاقبة المعترضين على سوء الإدارة في ماسبيرو. لافتا إلى أنه تم وقفه عن العمل لمدة ثلاث شهور بدون تحقيق معه.

وتحت ذريعة الهيكلة تم تصفية العاملين وتقليص الأعداد من 41 ألف 31 ألف عامل ومع تفاقم الأزمة عجزت الهيئة عن تدبير مرتبات العاملين. الأمر الذي دفع وزير المالية محمد معيط للتدخل بمنح الهيئة 220 مليون جنيه شهريا لتغطية مرتبات العاملين الذين لم يصلوا للعاملين وفقا للبيدي.

مبينا أنهم يحصلوا على العلاوات من 2015 والترقيات الوظفية حتي لا يتم تحريك المرتبات بعد إضافة الدرجة. كما لا يوجد صندوق تكافل اجتماعي، أيضا لم تصرف مكافة نهاية الخدمة من 2018  لــ 10 آلاف محال على المعاش ولا رصيد أجازاتهم ومستحقاتهم المالية.

 لماذا يرفض العاملون نظام التوقيع بالبصمة

كانت نظام التوقيع البصمة القشة التي قسمت ظهر البعير حيث زاد من حالة الاحتقان وتسببت في مواجهة مباشرة بين الإدارة والعاملين. بدأت الاحتجاجات، ثم تبعه اعتصام الموظفين وانضم إليهم العاملين بكل القطاعات بسبب الامتناع التوقيع بالبصمة.

نظام التوقيع بالبصمة هو أحد وسائل الضغط التي انتهجتها الإدارة لتصفية العاملين عن ووفقا لناني عبد اللطيف. التي تري أنه لا يجوز عمل بصمة في الوظائف النوعية للبرامجيين لأنهم غير مطالبين بالتواجد اليومي. لكونهم يقدمون محتوى علي الشاشة يحتاج تصوير وتقارير خارجية عمل اسكربت لا علاقة لها بالحضور اليومي.

ملاحقات أمنية وجزاءات

كانت الهيئة قد أوقفت 9 من العاملين بماسبيرو عن العمل لمدة ثلاث شهور على خلفية الأحداث واتهامهم بالتحريض علي الاعتصام هم (ناني عبد اللطيف، علاء اللبيدي، طلال محمد عبد العال مقدم برامج، عبير سيد مندوب أخبار، وهالة فهمي مذيعة، وإبراهيم أبو زينة كبير مقدمي البرامج). وتم فصل صفاء الكوربيجي وصرف نصف مرتباتهم بدون تحقيق.

 

تقول ناني: نقف حائط صد ضد سياسة البيع وطالبا بالتحقيق في النيابة الإدارية ووزارة العدل في الوقائع المنسوبة للإدارة من مخالفات. وحتى الآن لم تسفر الشكوى عن أي شئ نحن في انتظار مذبحة القلة للعاملين في أي وقت. حيث تم منعنا من الدخول للمبنى وغلق الأبواب وتحريض الأمن للاعتداء علينا لكننا مستمرون حتى تحقيق مطالبنا.

ب

وأردفت ناني نرفض بيع إعلام مصر ووصفته بأنه هرم مصر الرابع ذاكرة الأمة وكشفت عن وجود خطة لبيع ماسبيرو. بدأت ببيع الجراج لشركة قطرية لعمل عمارات على النيل. إضافة إلى تحويل القنوات الإقليمية إلى البث الأرض وتحويل العاملين بالقطاع إلى وزارة الصحة والتعليم لتفريغ المبنى. بهدف بيع إعلام الدولة لصالح الخاص.

أزمة المعتقلين  

تعرضت هالة فهمي المذيعة بالتلفزيون المصري بالقناة الثانية لملاحقات أمنية على خلفية اشتراكها في اعتصام العاملين بماسبيرو. وإلقاء القبض عليها عقب نشرها استمارة لسحب الثقة من الرئيس على صفحتها الشخصية اعتراضا على ما وصفته تجاهل لازمة ماسبيرو. ووجهت نيابة أمن الدولة طوارئ لها تهمة التخابر مع جهات أجنبية في القضية 441 وتم حبسها 15 على ذمة التحقيقات.

كما تعرضت صفاء الكوربيجي الصحفية بمجلة الإذاعة والتلفزيون للفصل من عملها. ورغم كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة ألقي القبض عليها من منزلها بالمقطم الساعة 3 صباحا. وفقا للمحامي علي أيوب واقتياضها لمكان مجهول. اختفت صفاء قسريا في 20 أبريل الماضي لمدة 72 ساعة عقب نشرها مجموعة من الفديوهات على صفحتا تنتقد الحكومة. ووجهت لها نيابة أمن الدولة اتهامات بنشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة محظورة تم عرضها على نيابة أمن الدولة العليا سراً على ذمة القضية 441 لسنة 2022.

حجم الخسائر

تساهم الهيئة الوطنية للإعلام بنسبة 40% من أسهم شركة نايل سات  للخدمات الإعلامية. ووفقا للجهاز المركزي للمحاسبات فإن إجمالي حجم الخسائر وصل 70 مليون دولار منها 13 مليون دولار مستحقة السداد للشركة. خلال ثلاث شهور فقط من ديسمبر 2021 إلى مارس 2022 بسبب عدم التزام العملاء في تسديد المستحقات نظير الخدمات الإعلامية لبعض الجهات. مثل إدارة المرور وزارة الثقافة وغيرها في الوقت الذي يتم فيه هدم قلاع إعلامية حسب وصف ناني بحجة عدم وجود ميزانية.

ويعاني المبني العريق الذي يضم 31 إلف من العاملين من نزيف الخسائر منذ سنوات حالت هذه الأمور بينه وبين التطوير وإعادة الهيكلة.

يذكر أن إضافة العلاوات بنسبة 10% يكلف الهيئة 20 مليون من سنة 2016 حتي سنة 2019  والمعاشات تتكلف 25 مليون.

وعود بحل الأزمة

تسعى الهيئة لتنفيذ الهيكل للهيئة والتي لا تزال تعمل حتى الآن بنفس مسميات اتحاد الإذاعة والتليفزيون. الذي جرى إلغاء وجوده منذ عام 2016 حتى أن الختم الخاص بالمكاتبات في الوطنية للإعلام لم يتم تغييره حتى الآن.

ومن جانبه أعلن حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام تطبيق اللائحة المالية الموحدة للأجور خلال الأشهر القليلة المقبلة. بما يضمن المساواة بين العاملين في الدرجات الوظيفية والمسميات المختلفة داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون وتوحيد المبالغ المالية للإداريين في شتى القطاعات. وكذلك منح البرامجيين نفس النسب المالية في جميع القطاعات، وصرف مستحقات المحالين علي المعاش بداية من مايو الجاري.

وهو معتبره المعتصمون مجرد مسكنات لفض الاعتصام  وتشتيت جهودهم.  فلم يصدر قرار رسمي بهذه الوعود تبين عدد المسحقين للمكافأة نهاية الخدمة وعلى أي سنوات سيتم صرفها. كما لم تتضمن وعود رئيس الهيئة إضافة العلاوة وفارق رصيد الإجازات.

من جانبه اعتبر محمد الفايق مخرج برامج تصريح رئيس الهيئة مجرد تجميل للوجه أمام الإعلام. في الوقت الذي يتم فيه إجراء خصومات من مرتبات العاملين بدون وجه حق حيث تم خصم 130 جنيه من راتبه هذا الشهر. مؤكدا أنهم مستمرون في استكمال اعتصامهم حتى تنفيذ مطالبهم بتوحيد لائحة الأجور. فلا يعقل من وجهة نظره أن يتقاضي مخرج راتب شهرى 3 ألاف جنيه ونظيره في نفس الدرجة يحصل على 15 ألف جنيه في قناة أخرى.

وأكدت سحر زين عملية الخصومات واستقطاع مبالغ من مرتباتهم متفاوتة بدون مبرر. حيث خصم من راتبها هذا الشهر مبلغ 400 جنيه.