لم يشغل استطلاع هلال عيد الفطر المبارك المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي. عن صورة “نيفين صبحي” مع الصيدلي “علي أبو سعدة” الذي تعدى عليها في صيدليته بأحد قرى مركز أشمون بالمنوفية. صفعاً على وجهها وذلك لأنها تضع مساحيق التجميل في نهار رمضان.

 نيفين منكسة الرأس عقب جلسة قضاء عرفي

صورة نيفين التي التقطت عقب نهاية جلسة عرفية عقدت بكنيستها بالقرية وبحضور قيادات محلية وكاهن الكنيسة. تنضح بانكسار الضحية التي ارتضت بنتائج الجلسة فلم تطلب من النيابة اتخاذ إجراءاتها تجاه المشكو بحقه. وهو الأمر الذي يعيد إلى النقاش دور الجلسات العرفية في مثل تلك الوقائع. لاسيما التي تتعلق بطرفين من المسلمين والأقباط.

نيفين في معادلة القوة عند فوكو

صورة نيفين منكسة الرأس في جلسة عرفية فرضت عليها قسرًا من سلطة القوي إلى الحلقة الأضعف. فهي سيدة وقبطية بكل ما تحمله هاتين الصفتين من دلالات ضعف في معادلة اجتماعية يفندها العالم الشهير ميشيل فوكو. الذي تبنى نظرية فريديك نيتشه للسلطة التي تتألف من تنافس قوى بحيث أن كل قوّة ترتبط بالأخرى. عن طريق محاولتها لجلبها لسيطرتها ونفوذها (بدءاً من النشاطات اللطيفة، كتعليم شخص ما كيفية عمل شيء معين. وانتهاءً بأفعال مؤذية تتضمن الإجبار والإكراه).

ووفقا لفوكو فعندما يُثبت أن قوة ما أضعف من أُخرى، سوف تكون القوة الأكبر قادرة على توجيه سلوك القوة الأضعف “بنسق ثابت تماماً و بيقين معقول”. بالإضافة إلى أن القوة الأعظم سوف تشكل هويّة القوة الأضعف. وبما أن السلطة تُمارس بكل مكان، أصرّ فوكو على أن الصراع هو أيضاً كليّ الوجود. المجتمع إذاً يتشكل من “صراع دائم ومتعدد الأشكال” لأن “علاقات السلطة لا محالة تحث وتحرض وتدعو بشكل ثابت لاحتمالية المقاومة”.

نيفين هنا كسيدة مسيحية في مجتمع قروي ذكوري غالبيته من المسلمين هي الحلقة الأضعف. التي يتم توجيه سلوكها من قبل القوة الأعظم فهي التي أجبرتها على قبول نتائج جلسة صلح عرفية. رغم شعورها بالقهر الاجتماعي والثقافي كما تنضح صورتها.

 الجلسات العرفية .. علاقة معقدة بمؤسسات الدولة

أما الجلسات العرفية التي تم فرضها كبديل للقضاء العام في دولة حديثة فقد حظيت باهتمام بحثي لاسيما في مصر فيقول نيلسن في دراسة نشرت عام 2006 ، إن بعض المجتمعات تعاني من عدم الثقة بتطبيق القانون في بعض مناطق الشرق الأوسط أو إن القضاء العرفي لا يزال فاعلا في بعض المناطق التي يعيش سكانها على هامش حركة تطور المجتمع

نيلسن يشير إلى إن القضاء العرفي يبدو وكأنه بديل لمؤسسات إنفاذ القانون ولكنه في مصر على سبيل المثال يعمل بوساطة ورعاية تلك المؤسسات وكأنه حلقة وصل أو حلقة وسطى بين القانون الرسمي وبين انعدام تطبيق العدالة إلا إن تقريرا قد صدر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حمل عنوان “في عرف من؟” قد رصد حالات الصلح العرفي التي تمت في مصر ما بين عامي 2011 و 2014 في 13 محافظة ليكشف إن 48٪ تقريبا من تلك الحالات وقعت في صعيد مصر حيث احتلت محافظة المنيا نصيب الأسد بإجمالي 15 حالة أي ما يقرب من 33٪ من الحالات التي تم رصدها.

التقرير بَين إن غالبية الحالات قد تمت بسبب ممارسة شعائر دينية من قبل مسيحيين في منازل أو بيوت نظرًا لصعوبة بناء كنائس في تلك الفترة مما تسبب في نزاع بين السكان ومسيحيي القرية استلزم جلسة عرفية، بينما السبب الثاني لتلك الجلسات فهو العلاقات العاطفية التي تحدث بين طرفين من دينين مختلفين تتسبب في اشتباكات أو تداعيات طائفية.

إسحق إبراهيم الباحث المتخصص في شئون الأقليات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية يقول: مؤسسات الدولة ظلمت نيفين صبحي التي تعرضت للضرب من “على سعدة” داخل صيدليته بسبب ملابسها مرتين، واحدة بسبب عدم الاهتمام بالمحضر الذي حررته وذكر وقائع على خلاف الحقيقة لمساعدة المعتدي على الإفلات من العقاب، ومرة ثانية بالمشاركة والقبول بالصلح العرفي الذي تم غالبا تحت ضغوط اجتماعية، مضيفا: صورة الصلح معبرة في حين يهتم المشاركون باللقطة تظهر السيدة وحدها في لحظة انكسار. 

 الجلسات العرفية.. ثقوب في ثوب العدالة

الجلسة العرفية التي عقدت في حالة نيفين صبحي وصيدلي أشمون قد عقدت بمقر الكنيسة القبطية التي تنتمي إليها نيفين وهو الأمر الذي يعكس علاقة الأقباط بكنيستهم التي تحل بديلًا عن علاقة المواطن بدولته في بعض الأحيان فيتحول المواطنين الأقباط إلى رعايا الكنيسة تتولى إدارة شئونهم وعلاقتهم بالمجال العام ففيها عقدت الجلسة العرفية وبوساطة أحد كهنتها تم التواصل مع الصيدلي المعتدي والقيادات المحلية للقرية مما اضطر المجني عليها لتغيير أقوالها في النيابة والتوقيع على محضر صلح عرفي تم فيه تغريم الجاني ١٠٠ ألف جنيه يقول الحاضرون إنها لم تحصل عليهم نظير تنازلها عن المحضر.

صورة نيفين التي تصدرت نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي قد استدعت أيضًا نقاشًا جندريًا حول الاعتداء على الحقوق الفردية للنساء خاصة وأن الصيدلي قد ظن امتلاكه الحق في توجيه سلوك نساء قريته وهو الأمر الذي أثارته نهاد أبو القمصان المدافعة عن حقوق النساء.

تبذل الدولة المصرية جهودًا واضحة في مجال حقوق المرأة وفي ملف المواطنة إذ تم تغليظ عقوبات التحرش في السنوات الأخيرة أثر فتح نقاش مجتمعي واسع حوله كذلك فإن قضايا المواطنة قد استحوذت على اهتمام القيادة السياسية التي أصدرت عدة توجيهات تم ترجمتها لقوانين إلا أن صورة نيفين صبحي منكسرة في جلسة قضاء عرفي تشكل نكوصا عما قد تم إنجازه في الملفين.