قبل أكثر من 120 عامًا، سجل التاريخ أول إضراب عمالي في مصر، احتجاجًا على أوضاعهم غير الإنسانية. وبعد نحو 53 عامًا، ادعت ثورة يوليو 1925 أنه قامت لأجل الحفاظ على حقوق العمال. ووصفت نفسها بـ”ثورة العمال والفلاحين”؛ لكن وبعد مرور عام واحد أعدمت الثورة اثنين من العاملين بمصانع كفر الدوار للغزل والنسيج.

مرت السنوات، لكن محنة العمال المصريين لم تنتهي، قبل عامين، تسببت أزمة فيروس كورونا في تهديد الملايين بفقدان أعمالهم. ولم تكد تمر تلك الأزمة حتى لاحقتها أزمة اقتصادية كبرى، يُعاني الاقتصاد المصري آثارها حتى اليوم وغدًا.

يقول محمد عامر، عامل بمصنع بلاط بمدينة 6 أكتوبر، إن راتبه قبل جائحة فيروس كورونا بلغ 2000 جنيهًا. لكنه بضغط الأزمة انخفض إلى 1800 جنيهًا، حيث تم خصم 200 جنيه مساهمة في عدم دخول المصنع حالة ركود. لكن وبعد مرور أكثر من عامين، لم يُعيد صاحب المصنع الـ200 جنيه التي خُصمت منه.

العمال يخسرون 30% من رواتبهم في 2022

في عام 2020، كان معدل التضخم يبلغ 5.1%، قفز خلال شهر أبريل الماضي إلى 12.1%، وفقًا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. وإذا أضفنا معدل تراجع الجنيه بعد خفض سعره أمام الدولار في نهاية مارس الماضي “18%”. فإن راتب العامل محمد عامر قد فقد نحو 30.1%.

 أرقام العمل في مصر

29.35    مليون حجم قوة العمل

2.1        مليون متعطل

72.6%    نسبة المشتغلين بأجر نقدي

3.8%     أصحاب عمل أو يُديرونه

18.5%    يعملون لحسابهم الخاص

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

6 ساعات زيادة

إلى ذلك، يُضيف أحمد محروس، عامل بإحدى شركات البلاستيك بالمدينة الصناعية بـ6 أكتوبر. أنه قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة، كان راتبه البالغ 3450 جنيهًا، يكفي لإعاشته وأسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين.

ويقول لمصر 360، إن صاحب المصنع يضغط عليهم للعمل لأكثر من 10 ساعات يوميًا وأحيانًا 12. وأنه مضطرين لموافقته، خوفًا من فقدان وظائفهم، بسبب ضغط الحاجة.. شارحًا ذلك بقوله :”مصانع كتيرة قفلت وعمال اتشردت، وأنا خايف أبقى واحد منهم”.

ويُحدد قانون العمل المصري رقم 12 في مادته رقم 80، عدد ساعات العمل بـ8 ساعات يوميًا أو 48 ساعة أسبوعيًا. ولاتدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام أو الراحة. مع جواز أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة. وأن يراعى في تحديد هذه الفترة ألا يعمل العامل أكثر من خمس ساعات متصلة.

لكن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. تكشف زيادة أن العامل يعمل بمعدل 6 ساعات زيادة أسبوعيًا عن المعدل المنصوص عليه في القانون.

عدد ساعات العمل أسبوعيًا آخر 5 سنوات

2020   54 ساعة

2019   53 ساعة

2018   52 ساعة

2017   53 ساعة

2016   54 ساعة

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

عمال القطاع الخاص

إلى ذلك، يقول شعبان خليفة، رئيس ما يُعرف بـ”نقابة العاملين بالقطاع الخاص”. إن العاملين بالقطاع الخاص تأثروا خلال أزمة جائحة كورونا، بشكل كبير بسبب تراجع حركة الأسواق، مما هدد الكثيرين في قوت يومهم.

ويُضيف لمصر 360، أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة أيضًا التي عانت منها مصر أجبرت العاملين على أخذ إجراءات تقشفية. بسبب تدني حجم الأجور، بسبب عجز أصحاب الأعمال عن الالتزامات المادية خاصة العلاوات أو الأجور المتفق عليها.

كما أن تخفيض قيمة الجنيه خلال الفترة الماضية، أفقده نحو 20% من قيمته. مع ثبات قيمة الأجر الذي يحصل عليه العامل، تسبب في نقص القوة الشرائية للأجر بنفس النسبة تقريباً. خاصة مع عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة عند 2700 جنيه “146 دولارًا”، بحسب خليفة.

ويُتابع، أن بعض العاملين باتوا غير قادرين على تلبية احتياجات أسرهم من السلع والخدمات، خاصة مع تراكم المصروفات بسبب موسم رمضان وامتحانات نهاية الفصل الدراسي لأبنائهم، لافتًا إلى معاناة العاملين من أزمة اقتصادية خانقة.

عدم تنفيذ الحد الأدنى للأجور

ويُوضح رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، أن الحكومة أقرت الحد الأدنى للأجور عند 2700 جنيه. لكنها لم تُعمم ذلك على بقية قطاعات العمل الخاص، ومن ثم ألزمت القطاع الخاص بأن يكون الحد الأدنى 2400 جنيه “130 دولارً”.

ويُضيف، أن العاملين بالقطاع الخاص يخضعون لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003. والمنوط عن تحديد الأجر الوظيفي هو المجلس القومي للأجور. الذي خرج الأسبوع الماضي ليُعلن أنه مايزال يدرس تنفيذ الشركات المتعثرة للحد الأدنى.

وكان المجلس القومي للأجور أعلن يوم 22 أبريل الماضي. تلقيه نحو 3028 طلبًا استثنائيًا من شركات ومؤسسات خاصة تطلب إعفاءها من تنفيذ الحد الأدنى للأجور “2400 جنيه”. وأنه حتى الآن تم فحص 1159 طلبًا فقط بنسبة 38% من الطلبات المقدمة من المنشآت الخاصة.

قواعد تنظيم الأجر والعلاوة بالقطاع الخاص طبقًا للقانون رقم 12:

الأجر: هو كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله ثابتاً كان أو متغيرا.

الحد الأدنى للعلاوات السنوية الدورية بما لا يقل عن 7% من الأجر الأساسي.

حق العامل الحصول على إجازة سنوية مدتها 15 يوماً، منها 6 أيام متصلة على الأقل.

لا يجوز استقطاع أو حجز أو النزول عن الأجر المستحق للعامل لأداء أي دين إلا في حدود 25% من الأجر.

الدستور والحد الأدنى للأجور

ويقول خليفة، إن الدستور المصري في مادتيه 17 و27، والمادة 2 و34 من قانون العمل. وقرار المجلس القومي للأجور رقم 57 الذي نُشر بالجريدة الرسمية في سبتمبر الماضي. أجمعوا على إقرار الحد الأدنى للأجور في كل المنشآت بمصر على المستوى القومي. في جميع القطاعات؛ إلا إن المجلس القومي للأجور خالف ذلك بفتح باب الاستثناء أمام أصحاب القطاع الخاص.

ليس هذا فقط، لكن أيضًا نصت المادة الثانية من القرار رقم 57 الخاص بتعميم الحد الأدنى للأجور. على أنه على الشركات والمنشآت تقديم ما يُثبت تعثرها وعدم قدرتها على دفع الحد الأدنى للأجور قبل 31 ديسمبر 2021. وبالتالي فإنه كان من المفترض إقرار وتنفيذ الحد الأدنى للأجور بداية من 1 يناير الماضي. لكن ذلك لم يُنفذ، بحسب رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص.

ويرى، أن عدم إلزام المنشآت الخاصة بدفع الحد الأدنى للأجور. قرار يتسبب في ظلم 25 مليون عامل من قوة العمل المصرية. يعملون في نحو 3 مليون 742 ألف منشأة. ويختم حديثه بأن انتهاك مواد القانون والدستور والعبث بحقوق العاملين بالقطاع الخاص أمر مخزي.

القطاع الأعلى في معدلات التشغيل

يكشف تقرير صادر عن حلول للسياسات البديلة، أن معدلات التشغيل في مصر خلال السنوات العشر الماضية. لم تتزحزح عن 45%، معتبرًا ذلك المعدل بطئ جدًا. ويُوضح التقرير. أن الشركات الصغيرة والمتوسطة “التي تُوظف أقل من 100 عامل”. هي المحرك الأساسي لعملية التشغيل.

 

وتُقدر نسبة مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في مستويات التشغيل بنحو 75%. بينما حصة الـ25% المُتبقية تعود للشركات الكبيرة “قوامها أكبر من 100 عامل”. بحسب تقرير حلول للسياسات البديلة، مضيفًا أن قطاع الصناعات التحويلية هي الأعلى في معدلات التشغيل بعدد موظفين يتراوح بين 20 إلى 99. وذلك مقارنة بقطاع الخدمات الذي يعد الأقل من حيث مستويات التوظيف.

تهرب أصحاب الأعمال من إصابات العمل

خلال السنوات الماضية، تراجع عدد إصابات العمل. فبعدما وصل إلى بلغ إجمالي عدد حالات إصابات العمل في مصر نحو 14 ألف و331 حالة عام 2019. انخفض إلى نحو 10 آلاف و255 إصابة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021. وفقًا لنشرة إصابات العمال الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2020.

ويُوضح محمد فؤاد، محام بالاستئناف العالي ومجلس الدولة. أن أصحاب الأعمال يلجئون إلى عدد من الثغرات القانونية للهروب من الإصابات التي تقع على العاملين. وأبرز تلك الطرق هي عدم التأمين على العمال، أو إثباتهم دفتريًا على قوة العمل، سواء من خلال عقد أو تعيين.

حجم إصابات العمل سنويًا

2015    15911 حالة إصابة

2016    13620 حالة إصابة

2017    13541 حالة إصابة

2018     14368 حالة إصابة

2019    14331 حالة إصابة

2020   11510 حالة إصابة

2021   10255 حالة إصابة