تعتبر معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في مصر من أدنى المعدلات في العالم إذ تبلغ قرابة 22.5%. وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أقل من ربع طاقة العمل.

ويعود تراجع حجم مشاركة النساء في سوق العمل إلى سوء الظروف وعدم توفير برامج وضمانات حمائية للنساء في بيئة العمل. وعدم مراعاة النوع الاجتماعي في مكان العمل. ومنها مدى ملائمة ظروف السلامة والصحة لحماية النساء الحوامل والأمهات اللاتي يرضعن. أو اتخاذ إجراءات قانونية لمكافحة التحرش الجنسي أو التمييز في مكان العمل.

وطبقا لآليات العمل المتاحة فإن حصول المرأة على إجازات الحمل والإنجاب ورعاية طفل تقلل من فرص العمل أمام المرأة مقارنة بالرجل. أو الحصول على نفس الأجر وفرص الترقي الوظيفي.

وتُلزم “اتفاقية السيداو” التي وقعت عليها مصر في المادة 11 منها  الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل والمساواة في الحقوق. وتنص الاتفاقية على أن تلتزم الدول بوضع تدابير لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة ضماناً لحقها الفعلي في العمل.

وطبقاً للنظام القانوني المصري، فإن اتفاقية “السيداو” تعد جزءاً من النظام القانوني المصري. ولها قوة القانون الواجب التنفيذ من كافة سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وفي القطاع الخاص. لكن تنفيذ هذه الاتفاقيات تواجه تحديًا كبيرًا في التطبيق علي أرض الواقع.

وتواجه النساء في قطاع العمل بمصر العديد من المشكلات المتعلقة بالنوع يأتي على رأسها استبعادها من الدخول في مجالات عديدة. ورفض قطاع عريض من أرباب العمل قبول النساء لأشياء متعلقة بطبية الجنس. إذ تختص المرأة بالحمل والرضاعة، وما يترتب على ذلك من استقطاعات من مدة العمل في شكل إجازات خاصة بالولادة ورعاية الطفل. أيضا غياب شروط الأمان والحماية الصحية في أماكن العمل الشاقة وساعات العمل الليلة. أيضا تعرضهن للتحرش والعنف والابتزاز.

الأعراف والقوانين 

كانت هناك بعض الوظائف لا تزال من الناحية الواقعية حكراً على الرجل دون المرأة أو دخلتها حديثا، فلا يستند هذا الاستبعاد إلى نصوص قانونية تحظر عملها. وإنما تستند إلى ثقافة المجتمع والعادات والتقاليد أو اعتبارات الملائمة السياسية أو الإدارية. مثل العمل بالقضاء العادي وفي وظائف العمد والمشايخ ووظيفة المأذون.

وترى انتصار السعيد رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن المرأة في قطاع العمل في مصر. لم تحصل على مكاسب حقوقية وشروط أمان تتعلق بطبيعة جنسها. مازالت الإجراءات مجرد حبر على ورق لم يتم تنفيذها مثل قرار وزارة القوى العاملة رقم 43 لسنة 2021. بشأن تحديد الأعمال التي لا يجوز تشغيل النساء فيها كالأعمال الشاقة.

ينص القرار على أنه “لا يجوز تشغيل النساء في العمل تحت سطح الأرض وفي المناجم والمحاجر أيا كان نوعها. وأن ذلك لا يخل بحقها في الالتحاق بأي وظيفة أو مهنة مراعاة لمبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة بين الجنسين وعدم التمييز في العمل”.

كما ينص القرار رقم 44 لسنة 2021، بشأن تنظيم تشغيل النساء ليلا، على أن تتخذ بشأنهن التدابير اللازمة لتجنب المشاكل الصحية المرتبطة بالعمل. ويلتزم صاحب العمل بتوفير عمل نهاري بديل عن العمل الليلي للمرأة العاملة في عدة حالات. خلال فترة 16 أسبوعا على الأقل قبل وبعد الوضع منها ثمانية أسابيع على الأقل قبل التاريخ المرجح للوضع.

كما يلتزم صاحب العمل بتوفير وسائل نقل للعاملين أثناء فترات الليل وتوفير الانتقال الآمن للنساء العاملات. وتوفير الإسعافات الأولية بما فيها نقلهن عند الضرورة إلى أماكن تقديم العلاج اللازم. كما يلتزم بتوفير كافة اشتراطات السلامة والصحة المهنية.

أنواع التمييز

تؤكد السعيد أنه مازال هناك  أشكال عديدة من التمييز بين النساء والرجال في أماكن العمل فيما يتعلق بالأجور. بذريعة أن الرجال مسؤولون عن أسر أو أنهم يأخذون أوقات عمل إضافية فيحصلون على أجر إضافي عكس النساء.

أيضا فيما يتعلق بالترقي الوظيفي يتم ترقية الذكور لاعتبارات اجتماعية وعرفية مارسها المجتمع وأصبحت راسخة. ليست متعلقة بالكفاءة في بعض القطاعات وفقا لانتصار السعيد. كما تتعرض النساء إلى بعض أشكال العنف مثل التحرش والذي يحدث غالبا من المدير مستغلا موقعه القيادي أو سلطته الوظيفية عليها.

ووفقا لانتصار تقع المرأة في هذه الحالة بين خيارين كلاهما مر أما أن تشتكي وتتعرض للفصل أو تقبل التنكيل بها. خاصة إذا كانت هي عائل الأسرة الوحيد او تعول نفسها وهذا العمل مصدر رزقها الوحيد.

نصيب النساء من العمل

تبلغ نسبة النساء المؤهلات للالتحاق بسوق العمل (29,3%)، رغم ذلك فإن  قرابة 60% من خريجات الجامعة في مصر عاطلات عن العمل لمدة تزيد عن ثلاث سنوات. وعندما تعمل النساء اتضح أنهن في الأغلب ومقارنة بالرجال يعملن في أشكال للعمل تتسم بالخطورة وعدم الأمان كما يعملن في القطاع غير الرسمي. وزاد كذلك نصيب النساء العاملات في وظائف هشة في السنوات الأخيرة.

يبلغ عدد الأسر التى ترأسها سيدات (3.3) مليون أسرة فى تعداد 2017، وكانت نسبة الأميات منها 59.1% من إجمالى الإناث رؤساء الأسر. يليها الحاصلات على مؤهل متوسط 17.6%، ثم الحاصلات على مؤهل جامعى بنسبة 8.5%. وتعد معظم الإناث رؤساء الأسر في تعداد 2017 من الأرامل. حيث بلغت النسبة 70.3% من إجمالى الإناث رؤساء الأسر على مستوى إجمالى الجمهورية. يليها المتزوجات بنسبة 16.6% ثم المطلقات 7.1%، مما يدفعهم إلي قبول ظروف عمل أقل أمانا وأقل حقوقا وأجر لتوفير احتياجات أسرهم.

وطبقا لماجدة عبد البديع رئيس الجمعية المصرية لتمكين المرأة، فإن قطاعات العمل في مصر غير مهيأة للمرأة. وتفضل الرجال على النساء بسبب استقطاعات إجازات الوضع والظروف الاجتماعية. حيث يقع عليها عبء رعاية الأسرة وتدبير شؤونها ورعاية الأطفال عكس الرجل يكون متفرغ تماما للعمل. وفي الغالب لا يشارك في أعمال المنزل لذلك يرفض أرباب العمل من وجهة نظرها تشغيل النساء ويفضلون الرجال.

وأشارت إلى أن كثير من قطاعات العمل في الغالب لا توفر شروط الرعاية والأمان والمساعدة لتمكينها من استمرار وانجاز العمل بما يتناسب مع طبيعتها. مثل  توفير دور رعاية للأطفال قريبة من قطاعات الأعمال “حضانات” لذلك تضطر المرأة في أحيانا كثير إلى التخلي عن العمل مقابل رعاية الأبناء.

في رأي ماجدة عبد البديع هذه الشروط المجحفة لا تضر بالمرأة فقط إنما تضر بالأسرة فقط. لأن المرأة العاملة تشارك في زيادة الدخل وتحسين الأوضاع الاقتصادية بالمساهمة في الإنفاق إذا كانت متزوجة وتعول أسرة أو تعول نفسها.

نصوص غير مفعلة

ينص قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، على المساواة بين الرجل والمرأة في أحكام التشغيل. دون تمييز بينهم متى تماثلت أوضاع عملهم أن تعمل المرأة في جميع الأعمال دون تمييز طبقا للمادة 88.

ويأخذ القانون بمبدأ التمييز الإيجابي لصالح المرأة، فيحظر تشغيل النساء في الأعمال الضارة بهن صحياً أو أخلاقياً. وكذلك بعض الأعمال الأخرى التي لا يجوز تشغيل النساء فيها مطلقاً.

وتنص المادة 95 من قانون العمل على أنه “يجب على صاحب العمل في حالة تشغيله خمس عاملات فأكثر أن يعلق في أمكنة العمل أو تجمع العمال نسخة من نظام تشغيل النساء”.

لكن القانون في المادة 97 منه استثنى العاملات في الزراعة (أي زراعة الأرض وجني المحصول) من تطبيق أحكام الفصل الخاص بتشغيل النساء. ويعني هذا الاستثناء أن العاملات في قطاع الزراعة يحرمن من التمتع بالحقوق والضمانات الواردة في الفصل الخاص بتشغيل النساء في قانون العمل.

المشكلة تبدأ من القانون

ناهد مرزوق الأمين العام للنقابة العامة للكيماويات سابقا تبين أن القانون لا يساوي بين الرجل والمرأة في كل الحالات في الأجر. فالإعانة الاجتماعية للآنسة في القانون تبلغ  4 جنيهات عندما تتزوج تصبح 6 جنيهات بينما الرجل تضاف 10 جنيهات. كما أن علاوة الأبناء لا تضاف للسيدة العاملة بينما تضاف للرجال فقط على اعتبار أن الأطفال ينتسبون للرجل. علما بأنه يتم خصم نفس الاستقطاعات المالية التي يتم خصمها من الرجل من راتبها.

مشيرة إلى وجود شبهة اضطهاد داخل مؤسسات العمل في الدرجات الوظيفية التي تحصل عليها. وأرجعت ذلك إلي الثقافة الذكورية بالمجتمع فعندما تكون هناك فرص متساوية بين الرجل والمرأة تذهب الفرصة للرجل ولا تعطي للسيدة.

واعتبرت ناهد ذلك نوع من العنف ضد المرأة يمارس بطرق مختلفة داخل مؤسسات العمل وتصل نسبته إلي 60%. لذلك ترى ضرورة أن تقوم وزارة القوة العاملة والمجلس القومي للمرأة بتشكيل لجان للتفشتيش على قطاعات العمل والتأكد من التزامهم بتطبيق القوانين واللوائح الداخلية. ومراجعة شروط الحماية والأمان والتمكين بالنسبة للنساء العاملات، والتأكد من أنها تحصل على الإجازات الخاصة بطبيعة جنسها وإنها لا تضار بها حيث يتم الاستغناء عنها خاصة لمن يعملون بعقود مؤقتة واستبدالهم بعمال جدد.

ظروف العمل من سيء لأسوأ

ناني عبد اللطيف مدير إحدى القنوات الفضائية باتحاد الإذاعة والتلفزيون ترى أن أوضاع العمل في مصر الخاصة بالنساء تسير من سيء إلى أسوأ. مشيرة إلي عملية القبض التي تتم على النساء بسبب اعتراضهم على أوضاع العمل السيئة داخل ماسبيرو.

وأضافت ناني أن هناك أوضاع أكثر ظلما في قطاع العمل للنساء اللواتي يعملن في أعمال شاقة متعلقة بقطاع المقاولات. يحملن طوب على رؤوسهن في ساعات متأخرة من الليل بمصانع الطوب بدون أي حماية تأمينية أو اجتماعية لتوفير احتياجات أسرهن.

وترى أن قطاع عريض من هؤلاء  محرومات من التمتع بالحياة لأنها تعمل داخل المنزل وخارجه تحت زعم أن الست المصرية يجب أن تساعد زوجها. فتشاركه في العمل للمساهمة في الإنفاق بينما لا يشارك الرجل في أعمال المنزل فتتحمل ساعات عمل مضاعفة بالمقارنة بالرجال. وإذا احتسب ذلك من ناحية القيمة الاقتصادية فإن النساء لا يحصلن على أي أجر مقابل الأعمال المنزلية. معتبرة ذلك عبء نفسي واجتماعي تتعرض له النساء مما ينتهي بها إلى أنها تفقد هويتها الأنثوية.

إرث ثقافي ثقيل

يقف المورث الثقافي للرجل في تولي المرأة مواقع قيادية حائل في الترقي الوظيفي وترى ناني عبد اللطيف ضرورة أن يتخلص المجتمع من القيود التي تحول دون تمكينها قياديًا. كنظرة المجتمع للمرأة وعدم أهليتها للولاية وأنَّها مقتصرة فقط على الرجال. بالإضافة إلى الصورة الاجتماعية لمحدودية الوظائف التي يتوجَّب على المرأة الالتحاق بها واستبعادها من مجالات معينة.

وأرجعت جزء كبير من هذه القيود إلي ثقافة الرجل الشرقي الذي لا يقبل رئاسة المرأة له فيحول بكل الطرق لإقصائها من أي مواقع قيادية. بالحط منها ومن قدراتها على النجاح.

وقالت إن ذلك لا يحتاج إلى قوانين ولوائح فهي موجودة ولا تطبق إنما نحتاج إلى تغيير ثقافة وتعديل مكونات المجتمع.