لا شك أن مصر تتضررت في نواح عدة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت يومها الـ 68. ولعل من بين أكثر القطاعات المصرية تأثرًا بهذه الحرب قطاع السياحة. ولإدراك مدى الضرر الذي أصاب هذا الجانب المهم في الاقتصاد المصري ويمثل 12% من الناتج المحلي، تكفي الإشارة إلى عدد العاملين بالسياحة، والذي قُدر بنحو 8.1 مليون عامل في العام 2014. وهو ما يمثل قرابة 5.9 من إجمالي العمالة المصرية. ذلك في وقت فقدت مصر بفعل الحرب السوقين الروسي والأوكراني. ويمثلان وحدهما 40% من السياحة الوافدة إلى مصر.
السياحة والسنوات العشر الجعاف
منذ سنوات عشر وقطاع السياحة يتلقى الضربة تلو الأخرى. وفي موسم 2010/2011، انخفضت السياحة الوافدة بنسبة 13.3%. بينما تقلص العائد بنسبة 8.6% بسبب ثورة 25 يناير. وقد تكرر الأمر مع ثورة 30 يونيو التي خفضت إعداد السياح في 2013/2014 بنسبة 34.8%، وهبط العائد 48%. وفي 2015/2016، حظرت بعض الدول سفر مواطنيها لمصر بعد حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء. وذلك لتنخفض السياحة الوافدة بنسبة 32.6% وتقلص العائد بنسبة تناهز 49%.
وقد وجهت جائحة كورونا ضربة كبرى للقطاع السياحي، وتسببت في تخفيض العائد السياحي للفترة من مارس ـ أغسطس 2020 لنحو 7.7 مليار دولار. ذلك بخسارة ما يعادل 43% من الإيرادات السياحية المتوقع تحقيقها للعام 2019/2020. وقد تم تعليق رحلات الطيران بين مصر والعديد من دول العالم، وغابت حجوزات سياحية جديدة. تزامنًا مع إعلان حظر التجول بمصر والعديد من الدول الأخرى.
وخلال الفترة من النصف الأول (يناير/يونيو من عام 2020) انخفضت الإيرادات السياحية بنحو 55% مقارنة بالفترة المناظرة عام 2019. أغلبيتها كان في الربع الثاني (أبريل/يونيو). ذلك حين انخفضت بنحو 87%، مقارنة بالربع السابق وبنحو 90% مقارنة بالربع المناظر من عام 2019.
استراتيجية السياحة.. هل الحملات الترويجية كافية؟
وضعت وزارة السياحة لكل الأزمات استراتيجية واحدة كررتها مع كل انخفاض في أعداد السياح. وقد تمثلت في تكثيف الحملات الترويجية والتسويقية بالخارج. فضلًا عن تعزيز التعاون مع منظمي الرحلات. وكذا اقتحام أسواق جديدة، واستخدام أساليب غير تقليدية لجذب السائحين، في إطار خطط قصيرة الأجل. ذلك بالتوازي مع الاستراتيجية العامة للوزارة.
كما اعتمدت الوزارة في كل الأزمات سياسة تحفيز الطيران العارض لشركات الطيران الجديدة بالمقصد المصري. وأيضًا ركزت على السوق العربية التي تعد بالنسبة لمصر مهمة جدًا. ذلك رغم أنها لا تمثل إلا 14%. وهي نسبة لم تستطع تطويرها رغم اللغة والعادات والتقاليد المشتركة التي تجمع مصر بهده الجاليات.
التأشيرة.. آلية جديدة لإنقاذ السياحة من السنوات العجاف
الأرقام والخسائر المتواصلة في قطاع السياحة إلى الآن يبدو أنها تظهر عدم نجاعة السياسات القديمة التي لم تكن كافية لإيقاف نزيف الخسائر. خاصة مع اشتعال الأزمة الأوكرانية. وهو أمر دفع إلى ضرورة البحث في آليات جديدة.
ويستهدف التوجه الجديد تسهيل الحصول على تأشيرة الدخول إلى البلاد. ليبلغ عدد الجنسيات التي يمكنها الحصول على التأشيرة السياحية بمنافذ الوصول المصرية أكثر من 180 جنسية. ذلك شريطة وجود تأشيرة سارية ومستخدمة لدول كل من إنجلترا – أمريكا – تشينجن (الاتحاد الأوروبي)- اليابان – نيوزيلاندا- كندا- أستراليا على جواز السفر.
أيضًا، تم تحديد 78 جنسية حول العالم يمكنها الحصول على التأشيرة السياحية الاضطرارية بالمنافذ المصرية أو إلكترونيًا. مع وجود تسهيلات أخرى خاصة لبعض الجنسيات الإضافية، حال الوصول المباشر لمدينتي شرم الشيخ وطابا. ذلك شريطة أن تكون مع المسافر تذكرة ذهاب وعودة وحجز للإقامة وبطاقة ائتمانية، أو ما يغطي إقامته في مصر.
وقد منحت الوزارة تيسيرات للقادمين إلى موانئ ومطارات محافظة جنوب سيناء للحصول على تأشيرة سياحية لمدة 15 يومًا، تسمح بالتواجد في شرم الشيخ وطابا ودهب ونويبع وسانت كاترين من قبل رعايا عدد 6 دول “تركيا، باكستان، الهند، الصين، المغرب، الجزائر”. ذلك شريطة تقديم تذكرة وصول وعودة، وحجز فندقي مؤكد، وحمل نقد كافي بما لا يقل عن ألفي دولار أو بطاقة ائتمانية.
اللعب على وتر المعايير الصحية
تحاول وزارة السياحة أيضًا اللعب على وتر معايير الصحة والسلامة في قطاعها. ذلك بإعادة تقييم الفنادق المصرية وفقًا لمعايير التصنيف الجديدة، للتأكد من ملائمة تصنيفها مع الخدمات التي تقدمها.
كما مدت الحكومة برنامج تحفيز الطيران الحالي حتى نهاية موسم شتاء 2022 -2023 في 30 أبريل 2023. مع دراسة تقديم حزمة تحفيزية مخصوصة لشرم الشيخ لزيادة تدفق الحركة السياحية إليها.
السياحة تبحث عن فرصة في الأسواق الأخرى
لا تزال الأسواق العربية بعيدة عن القطاع السياحي المصري. كما لا تزال على قائمة أولوية وزارة السياحة. وقد أطلقت -في محاولة لتنشيطها- حملتين في الأسواق الرئيسية المصدرة للسياحة إلى مصر في السعودية والإمارات والكويت. ذلك تحت عنوان “إجازتك عندنا”، والتعريف بالتسهيلات الجديدة في إجراءات الحصول على التأشيرة.
المؤكد أن سياسة وضع مستهدفات السياحة في سلة واحدة أمر أظهر خطورته مع الأزمات المتكررة. تحاول الوزارة حاليًا في استهداف أسواق صغيرة الحجم، مثل فنلندا وأستونيا وجنوب أفريقيا وكازاخستان وأذربيجان وجورجيا وأرمينيا ورومانيا. وهي أسواق واعدة حتى لو كان عدد القادمين منها أقل من سوق روسيا وحدها.
وبحسب مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أمام مصر عدة أسواق مرشحة لجذب سائحيها. وهي تتضمن البرازيل والهند وباكستان. هذا فضلًا عن ضرورة التوجه إلى الأسواق العربية في دول مثل المغرب والجزائر وقطر والكويت.
التحرر من السائح منخفض الإنفاق
المعادلة تكمن في العلاقة الطردية بين عدد السياح وتكلفة العائد منهم. ففي الحالة الأوكرانية والروسية تعالج أعداد السياح الكبيرة انخفاض إنفاقهم ومن هنا تتبدى أهميتهم. بينما في حال كانت الأعداد منخفضة فإنه يجب التركيز على السائح مرتفع الإنفاق. ومن هنا بدأ سعي مصر نحو التحرر من السائح منخفض النفقات الذي ينفق ما بين 25 و250 دولارًا.
وضمن وسائل استهداف السائح ذو التكلفة المرتفعة، نظمت مصر عددًا من البرامج السياحية والترويج لمراكز الغوص بمدنها السياحية المطلة على البحر الأحمر. وقد شاركت وزارة السياحة في أبريل بالمعرض السياحي الدولي المتخصص في سياحة الغوص Eudi show بإيطاليا. ذلك في إطار خطة الترويج للمنتجات السياحية المتنوعة التي تتميز بها مصر، ومنها سياحة الغوص التي تجذب السائحين ذوي الإنفاق المرتفع، بحسب ماجد أبو سديرة، رئيس الإدارة المركزية للمكاتب السياحية بالهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي.
السياحة المحلية.. إنقاذ موقف
تظل السياحة المحلية هي المنقذ للموسم السياحي، فرغم استقبال مطار الغردقة الدولي عددًا من رحلات الطيران المنتظمة والشارتر القادمة من مختلف المطارات الأوروبية 81 رحلة أوروبية ورحلتين من روسيا، وقد استقبل مطار مرسى علم الدولي 14 رحلة طيران دولية أوروبية، إلا أن الفنادق والقرى السياحية بالبحر الأحمر شهدت ارتفاعا في نسب الإشغالات بسبب الحجوزات المحلية.
وكشفت غرفة المنشآت الفندقية -في تقرير لها- عن زيادة معدلات حجوزات الأسر المصرية خلال إجازة عيد الفطر المبارك، التي تدور حول أسبوع بالفنادق والقرى السياحية، بنسبة 20% عن العام الماضي. ذلك نظرًا لبدء انحسار جائحة كورونا. خاصة شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم والعين السخنة.
ويرى علاء عاقل، رئيس لجنة تسيير أعمال غرفة المنشآت الفندقية، أن المصريين دائمًا المنقذ للموسم السياحي. ففي فترة كورونا كانوا كلمة السر في بقاء الفنادق المصرية عاملة، بنسب تواجد بالمدن السياحية خلال العامين الماضيين بلغت نحو 3 أضعاف أعداد السياح الأجانب الذين زاروا مصر خلال الفترة نفسها.
وهو يوضح أن الحد الأدنى لإقامة الفرد سواء المصري أو الأجنبي في غرفة مزدوجة بفندق 5 نجوم هي 40 دولارًا في الليلة، أو ما يعادلها بالجنيه المصري. بينما يبلغ سعر إقامة الفرد في غرفة مزدوجة بفندق فئة 4 نجوم هو 28 دولارًا في اليوم. مضيفًا أن المصريين تغيرت ثقافتهم في السنوات الأخيرة وباتوا عنصرًا أساسيًا يمكن الاعتماد عليه في زيادة نسب التشغيل.
لكن إنقاذ السياحة المصرية لا يجب أن يكون فقط بحل مشكلة نقص الوصول. وإنما يكمن حل المشكلة في تعدد الجهات التي يتعامل معها المستثمر، وتصل إلى 27 جهة. ما يتطلب أن تكون وزارة السياحة جهة الولاية للقطاع وتفعيل الشباك الواحد الذي ينهى المعاناة التي يواجهها المستثمر في استصدار التراخيص بسبب البيروقراطية والروتين.