توقفت قليلا –على طريقة المعلق الخليجي المشهور– أمام خبر أعلنه زملاء في صحيفة مصرية بالتوقف عن تغطية أي جنازات. وعلى الرغم من أن الإعلان كان مقتضبا، لم يوضح إذا ماكان القرار ناجما عن تقدير حرمة الموت التي أساء إليها تكالب المراسلين صحفيين إلى درجة الشجار في جنازات عديدة، أم أن القرار رد فعل على إساءات مقابلة وجهها بعض ذوي المتوفين إلى الصحفيين الحاضرين إلى درجة طردهم من الجنازات ومقرات العزاء في بعض الحالات، وعلى كل حال فإن الحديث تكرر، في ظل عالم الصحافة الحديثة الذي أصبح فيه كل صحفي حاملا لكاميرا/ هاتف محمول، وتكاثر فيه البث “اللايف”، وتنافست فيه المواقع على نقل “لحظة انهيار فلان في جنازة والدته”، ولم يصل النقاش إلى نتيجة مفيدة، بين حق الأهل المكلومين في الحفاظ على أجواء تليق بلحظة الوداع المهيبة، وحق الصحافة في القيام بعملها، وهو عمل ضاقت مساحاته كثيرا في السنوات الماضية، ولم يتبق له من أجل جذب الجمهور سوى سبل قليلة، أحدها صناعة الميلودراما الفاقعة من أخبار الموت.

ومن سبل صناعة تلك الميلودراما، التوسع في تغطية أخبار الموت الخاصة بالمحيطين بالمشاهير، فلم يعد الخبر – كما كان في الماضي- هو وفاة الفنان فلان أو الفنانة فلانة، بل صارت وفاة أي من أفراد أسرته خبرا بدورها، وصار لذلك النوع من الأخبار عنوان مستحدث يبدأ بعبارة “الموت يفجع.. ثم اسم الفنان المشهور المقصود بالخبر”. هكذا صار ممكنا مضاعفة خبر الموت الخاص بالشخص الشهير، إلى أخبار بعدد أفراد أسرته. وإذا ضربنا الرقم الأخير في عدد المشاهير من كل المجالات، يضمن الموقع الصحفي أو الجريدة خبرا جنائزيا يوميا على الأقل، وكأنه صفحة وفيات.

وبالطبع فإنه لا هذا التوسع في تغطية الموت من أصول الصحافة، ولا الامتناع تماما عن تغطية الجنازات كذلك، فهل كان يمكن للصحافة أن تمتنع عن تغطية جنازة أم كلثوم أو سعاد حسني أو أنور السادات؟ وهل يجوز، في المقابل، أن تمتد كاميرات الصحفيين لتلتقط دموع الفنان الشهير على وفاة أمه أو شقيقته؟

إن مكان نشر الوفاة العادية للشخص العادي – حتى لو كان من أقارب شخص مشهور- هو صفحة الوفيات إلا لو كانت الوفاة نفسها غير عادية، كما في جرائم القتل أو الحوادث. أما المشاهير فتغطية وفاتهم بالطبع ضرورة صحفية تماما كما كانت حياتهم، ولا يجوز التخلي عنها تحت ضغط الأقارب أو تحت مسمى احترام الموت.

غير أن ذلك ليس السبيل الوحيد الذي تاجرت فيه بعض الصحف والمواقع الصحفية بأخبار الموت، وصنعت منها ميلودراما في غير مكانها، وأحد أشهر تلك السبل هو – بطبيعة الحال – ذلك الذي يستغل المزاج الديني للشعب المصري، فلا تخلو تلك المواقع من أخبار وفاة أشخاص عاديين – أي من غير المشاهير- منشورة بصيغة “مات صائما”، أو “مات وهو عائد من صلاة الفجر”ـ، أو “مات وهو يصلي”..إلخ. حتى يكاد المرء، إذا تابع تلك المواقع لفترة كافية، أن يعتقد أن أحدا لم يعد يموت بطريقة عادية. وكان من عادة البسطاء في الأزمنة  السابقة، أن يتلمسوا البركة في وفاة أحبائهم الراحلين في توقيتات معينة، فيقولون أن فلانا توفي ليلة الخميس أو في نصف شعبان، أو في ليلة القدر. لكن أهالينا هؤلاء لم يكونوا صحافيين، وكانوا يبحثون عن الرحمة والسلوان وليس عن الترافيك.