وسط الإضرابات التي سادت الأجواء العالمية منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية. والتغييرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. تشهد أزمة سد النهضة الإثيوبي عدة تطورات متسارعة. قد تؤدي إلى عرقلة المفاوضات مرة أخرى بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا.

ففي وقت فشلت فيه المفاوضات الثلاثية بشأن هذه القضية، التي عقدت على فترات متقطعة منذ عقد من الزمن. تطالب دولتا المصب -مصر والسودان- أديس أبابا بالامتناع عن أي إجراءات أحادية الجانب. فيما يتعلق بملء أو تشغيل بحيرة السد، قبل إبرام اتفاق ملزم، خوفًا من تأثر حصتهما المائية من نهر النيل. بدأت إثيوبيا تشييد الخرسانة على جسم السد قبل الملء الثالث للخزان، والمقرر في يوليو/تموز.

فشلت الجولة الأخيرة من المحادثات التي عقدت في أبريل/نيسان 2021 في كينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية. في التوصل إلى اتفاق بين الأطراف. رفضت أديس أبابا المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية تقودها الكونغو -التي ترأس الاتحاد الأفريقي- للتوسط بين الدول الثلاث. وكذلك المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيدتها السودان

وفي فبراير/شباط 2022 أعلنت إثيوبيا تشغيل أول توربينين في السد لتوليد الكهرباء. ووصفت مصر هذه الخطوة بأنها “انتهاك آخر من جانب إثيوبيا لالتزاماتها بموجب إعلان المبادئ لعام 2015″.. لكن، تخطط إثيوبيا لإتمام التعبئة الثالثة خلال موسم الأمطار الإثيوبي الرئيسي. الذي يبدأ في يونيو/حزيران، ويستمر حتى سبتمبر / أيلول.

اقرأ أيضا: مفاوضات عشر سنوات عجاف.. تسلسل زمني لأزمة سد النهضة

ليست خطوة مفاجئة

في 22 أبريل/ نيسان، قال وزير الموارد المائية والري السابق محمد نصر علام. لصحيفة عكاظ السعودية. إن أديس أبابا أكملت أعمال رفع يصل ارتفاعها إلى 570 مترًا في الممر الأوسط، وتستهدف الوصول إلى 595 مترًا. بينما القاهرة أنفقت خلال السنوات الماضية ما يقرب من 180 مليار جنيه على معالجة الصرف الزراعي والصناعي. لاستخدام جزء من تلك المياه في الزراعة. بخلاف تكاليف تحلية المياه على الشواطئ الساحلية، في الإسكندرية ومرسى مطروح والبحر الأحمر.

وفي 25 أبريل/نيسان، نشر موقع القاهرة 24 عن مصادر خاصة صور أقمار صناعية. تؤكد أن أديس أبابا بدأت في رفع الممر الأوسط للسد الذي يتم بناؤه على النيل الأزرق. بعد أن جفت هذا الممر في مارس/أذار، لتهيئته لإنشاءات جديدة. تمهيدا للملء الثالث.

وأظهرت صور خاصة ملتقطة من قمر Sentinel-2 بدء إثيوبيا لعملية تعلية الممر الأوسط بسد النهضة. حيث أظهرت الصور وجود أعمال بالممر الأوسط خلال أيام 14 و19 أبريل/نيسان. وقد بدأت خلال منتصف مارس في تجفيف الممر الأوسط، عقب تشغيل ممرين الاستخدامات. وأول توربين منخفض لتنفيذ تلك العملية. حيث كانت المياه تمر من الممر الأوسط بمعدل بسيط جدا يوم 15 مارس/أذار. ويظهر فيها تشغيل ممر الاستخدامات وأول توربين منخفض.

لم ير ويليام دافيسون، كبير المحللين في إثيوبيا في Crisis Group. مفاجآت في التحركات الإثيوبية. قال إن دول المصب اعترضت بالطبع على الملء الأول والثاني لخزان السد. دون التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد هذا الملء والتشغيل من قبل أديس أبابا. بالتالي “إثيوبيا تعلن عن تعبئة للعام الثالث. نتوقع من مصر والسودان تقديم نفس الاعتراضات. سيتهمون إثيوبيا بالتصرف من جانب واحد وانتهاك إعلان المبادئ لعام 2015 “.

صور خاصة ملتقطة من قمر Sentinel-2 بدء إثيوبيا لعملية تعلية الممر الأوسط بسد النهضة

الدعوة لاستئناف مفاوضات السد

في 15 سبتمبر/أيلول 2021 ، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الدول الثلاث إلى استئناف مفاوضاتها تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ، الذي سعى منذ ذلك الحين دون جدوى إلى استئناف المفاوضات.

وجاء في بيان صادر عن رئيس المجلس -وافق عليه جميع الأعضاء الخمسة عشر خلال جلسة مفتوحة- أن المفاوضات يجب أن تستأنف بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي “للانتهاء على وجه السرعة من نص الاتفاق المقبول والملزم للطرفين. بشأن ملء وتشغيل السد، في غضون فترة زمنية معقولة “. دون تحديد موعد نهائي.

وتابع البيان أن مجلس الأمن “يدعو الدول الثلاث إلى المضي قدما في عملية المفاوضات. التي يقودها الاتحاد الأفريقي بطريقة بناءة وتعاونية”.

أشار دافيسون في حديث لـ Al-Monitor إلى أنه “يمكننا أن نتوقع أن تمضي إثيوبيا قدما في عملية الملء بغض النظر عن اعتراضات مصر والسودان. ستدعي أنه يحق لها القيام بذلك، وتدحض أن هذا ينتهك إعلان المبادئ أو أي التزامات قانونية دولية أخرى. في خضم كل ذلك، لا ينبغي أن يكون لهذا الملء تأثير سلبي كبير على المفاوضات بين الأطراف الثلاثة. خاصة وأن هذه الخطوة لا تشكل مفاجأة “.

يعتقد المحلل البارز أن الظروف السياسية والاقتصادية في الدول الثلاث ستلقي بظلالها على مستقبل المفاوضات المتوقفة. قال: أعتقد أن الظروف الداخلية في الدول الثلاث المتنازعة ستؤثر بالتأكيد على مصير المفاوضات. وسط التحديات السياسية والاقتصادية العديدة التي تواجهها حكوماتهم. هذا من شأنه أن يقلل -على الأرجح- من فرص قادتهم في اتخاذ القرارات الجريئة اللازمة لتقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق. لكن على أي حال، هذا لا يعني أن المفاوضات لا يمكن أن تستمر.

الملء الثالث وموسم الأمطار

مع ذلك، نقل الباحث أحمد جمعة عن كاميرون هدسون، الزميل غير المقيم في مركز أفريقيا التابع للمجلس الأطلسي. قوله إن استمرار بناء السد يجعل استئناف المفاوضات النهائية أمرًا صعبًا للغاية. حيث “لا تنوي إثيوبيا تأخير البناء النهائي. أو وقف الملء الثالث لخزان السد خلال الأسابيع القليلة القادمة”.

وأشار المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية إلى أنه مع ذلك، فإن الملء الثالث لن ينهي الآمال في التوصل إلى اتفاق. قائل: “يعتمد الملء على هطول الأمطار. في العامين الماضيين، كانت مياه الأمطار وفيرة، مما حال دون تقويض تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر. إذا استمر هطول الأمطار بنفس الوتيرة، فلن يكون هناك سبب للاعتقاد بأنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث”.

وأضاف هدسون أن المخاوف ترجع أساسًا إلى سنوات الجفاف. وحذر من أن عام الجفاف “سيزيد من حدة التوترات ويجعل التوصل إلى اتفاق نهائي أكثر صعوبة”.