عمقت العملية الفدائية التي نفذها فلسطينيان في مدينة “إلعاد” بوسط إسرائيل، مساء الخميس الماضي. من أزمات رئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت. والذي حاول جاهدا الحفاظ على ائتلافه الحكومي، وسط تتابع العمليات الفدائية الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي.
وبينما يُكافح بينيت لإنقاذ حكومته، تسعى مصر إلى احتواء التصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين. محاولة وقف التصعيد الذي قد يصل -في حالة انفلات الأعصاب- إلى حرب جديدة على قطاع غزة. أو هجمات على مدن الضفة الغربية.
جاء الهجوم الأخير تزامنا مع إحياء ما تسميه إسرائيل بـ«ذكرى الاستقلال»، ومرور 74 عاماً على تأسيس دولة الاحتلال. حيث نفذ مواطنان فلسطينيان -يُعتقد أنهما من مدينة جنين بالضفة الغربية- هجوما على مستوطنين إسرائيليين. ينتمي جميعهم إلى طائفة الحريديم اليهودية المتشددة. بمدينة “إلعاد” شرقي تل أبيب. استخدما فيها الأسلحة البيضاء، وأسفرت العملية عن مقتل 4 وإصابة 3 بجروح خطيرة.
وخلال الشهرين الماضيين، نفذ فلسطينيون من الضفة الغربية ومدن الداخل عدد من العمليات في المدن الإسرائيلية. قتل فيها نحو 18 إسرائيليا، بينهم 3 من أفراد الشرطة وحارس أمن. وهو ما وضع الحكومة الإسرائيلية في حرج وضاعف من هجوم المعارضة عليها.
اقرأ أيضا: حكومة بينيت تواجه الانهيار: هل تذهب “إسرائيل” إلى انتخابات جديدة؟
عملية «إلعاد» تبرز الفشل الأمني الإسرائيلي
العملية الأخيرة جاءت بعد سلسلة اقتحامات، نفذها مستوطنون متشددون في حراسة الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى. خلال شهر رمضان، وأيام عيد الفطر. منعوا فيها المصليين المسلمين من أداء شعائرهم. وعبر بينيت عن مخاوف حكومته من تصاعد هذه العمليات، لافتا إلى أن منفذي العملية «خرجوا في حملة لقتلنا، وهدفهم كسر روحنا».
وبعد اجتماع للتقييم الوضع الأمني شارك فيه بينيت، وجانتس. ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، وقادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. تقرر إعادة البحث في سياسة التعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية. وصدر قرار عقب الاجتماع بتمديد إغلاق معابر الضفة الغربية وقطاع غزة. كعقاب جماعي للفلسطينيين، بمنعهم من التنقل، أو مغادرة بلداتهم، إلى حين انتهاء جلسات تقييم أخرى للوضع.
بدا الخوف في الداخل الإسرائيلي ممزوجًا بالغضب. إلى حد أن طالب نواب بـ«الكنيست» باغتيال زعيم حركة حماس يحيى السنوار. الذي دعا إلى قتال الاحتلال الإسرائيلي بـ«الفأس والساطور والبلطة»، وهي الأدوات التي استخدمت في العملية الأخيرة. فيما دعا آخرون إلى تنفيذ عملية واسعة في غزة، لتصفية قادة حماس.
في الوقت نفسه، اتهم مراقبون إسرائيليون حكومة بينيت والأجهزة الاستخباراتية بالفشل. رغم «تأكيدات مسؤولي الاستخبارات بالسيطرة على الوضع الأمني بعد العمليات الأخيرة، وزيادة القيود والإغلاق والتفتيشات المشددة، وإحكام جدار الفصل العنصري، إلا أن الفلسطينيون تمكنوا من تنفيذ عملية إلعاد».
وبعد ساعات من تنفيذ العملية، قدّر مقربون من رئيس الحكومة أنه تبقى قرابة شهر من عُمر حكومة بينيت. وأشاروا إلى أن سقوطها “ليس متعلقا بإذا كانت ستسقط أو متى ستسقط، وإنما بكيف ستسقط”. وفق ما ذكر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر، في تقرير له صباح الجمعة.
ونقل فيرتر تصريحات لرئيس الوزراء. قال فيها إنه حتى بعد ألف سنة لم يكن سيفكر بإمكانية تشكيل حكومة كالحكومة الحالية. التي انضم إليها أحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إلى جانب القائمة الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية). ووفقا للصحيفة، فإن هناك من فسر تصريح بينيت، على أنه بداية الانفصال بين هذه الأحزاب.
الانشقاق عن الائتلاف
بعد انشقاق عضوي الكنيست من «يمينا»، عاميحاي شيكلي وعيديت سيلمان، عن الائتلاف. يسعى بينيت إلى التأكد بشكل متواصل من عدم وجود نية لدى عضوي كنيست آخرين من حزبه. وهما أفير كارا ونير أورباخ، للانشقاق عن الائتلاف أيضا. إثر استمرار تعرضهما لضغوط كبيرة من أحزاب اليمين في المعارضة، وخاصة الليكود، ومن محيطهما القريب.
وأشارت الصحيفة إلى أن بينيت «مطمئن نسبيا» حيال عدم انشقاق شريكته في قيادة الحزب ووزيرة الداخلية، أييليت شاكيد.
ويؤكد رئيس القائمة الموحدة، منصور عباس، على أنه لن يبادر إلى إسقاط الحكومة. بالرغم من عدوانيتها وقمعها تجاه الفلسطينيين وعنصريتها تجاه المواطنين العرب وتخلفها عن الإيفاء بوعودها لهذه القائمة في إطار الاتفاق الائتلافي، إلا أن الصحيفة أشارت إلى سيطرة عباس على قائمته «جزئية». وأنه توجد خصومة بينه وبين النائب وليد طه، الذي هدد مرارا بالانسحاب من الائتلاف.
وأضافت الصحيفة أن النائب عن القائمة الموحدة مازن غنايم، الذي هدد مرارا هو الآخر بالانسحاب من الائتلاف، سيتخذ قرارا كهذا عندما يعتبر أن انسحابه سيحسن احتمالات عودته إلى رئاسة بلدية سخنين، في الانتخابات المحلية بعد نحو سنة ونصف السنة.
وليس من المتوقع أن يبت الكنيست في مقترح يدرس حزب الليكود تقديمه. بحل المجلس بعد عودته من العطل نهاية الأسبوع الجاري. لكن، من الصعب أيضا أن تستمر ولاية الحكومة حتى عطلة الكنيست الصيفية.
وأشارت «هآرتس» إلى أن حكومة بينيت ستتأثر بأي هزة سياسية أو أمنية. كما أنه يصعب حاليا توقع تأثير عملية الطعن في بلدة إلعاد، على الحكومة. أو إذا تواصلت العمليات التي ينفذها فلسطينيون.
اقرأ أيضا: حكومة بينيت العالقة بين المقاومة والمعارضة
فرصة نتانياهو بعد «إلعاد»
رغم كل هذه الظروف والانشقاقات المحتملة، لا يعني سقوط الحكومة عودة رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، إلى الحكم بالضرورة. فالاتفاق الائتلافي ينص على أنه في حال سقطت الحكومة، سيتولى وزير الخارجية، يائير لبيد، رئاسة الحكومة الانتقالية لمدة أربعة أو خمسة أشهر، تشمل إجراء انتخابات ومفاوضات بين الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة.
وبتصاعد المأزق السياسي في إسرائيل، فإن فترة الحكومة الانتقالية قد تستمر فترة أطول. وليس مستبعدا التوجه إلى انتخابات أخرى وربما أكثر، يبقى لبيد رئيسا لحكومة انتقالية، مثلما حدث في العامين 2019 – 2020 عندما بقي نتنياهو رئيسا لحكومة انتقالية طوال سنتين تقريبا.
لكن في حال أيد حزب أو أعضاء كنيست من «كتلة لبيد» حل الكنيست، فإنه في هذه الحالة سيبقى بينيت في منصبه. ويتسبب هذا الاحتمال بشكوك متبادلة وتوتر بين بينيت ولبيد، فلكل منهما مصلحة في أن يسقط الآخر الحكومة.
وكان نتنياهو قد أكد قبل أيام إن انهيار الحكومة الإسرائيلية الحالية مسألة وقت. مُنتقدًا اعتمادها على القائمة الموحدة، الذراع السياسية للحركة الإسلامية الجنوبية في إسرائيل. وأضاف زعيم حزب الليكود، في مقابلة مع شبكة «آي إل تي في» الإعلامية الإسرائيلية، أنه يصعب على حكومة بينيت أن تواجه موجة العنف الحالية وهي تعتمد على الحركة الإسلامية الجنوبية وعلى حزب ميرتس وأقصى اليسار الإسرائيلي.
وصرح نتنياهو بأن الحكومة الحالية غير متماسكة «لهذا لا تستطيع منع عودة القوى العالمية مع الاتفاق النووي المعيب مع إيران». مشيرا إلى أن الحكومة الحالية فقدت ثقة الرأي العام الإسرائيلي وفقدت شرعيتها. «أقصد هنا شرعيتها الأدبية وليس موقفها القانوني كونها لم تحقق ما تعهدت به إلى ناخبيها».
وبسؤاله عما إذا كان حزب الليكود قادرا على تشكيل حكومة إذا أجريت الانتخابات. إذ أظهر أحدث استطلاع للرأي أن الليكود يزداد قوة ولكنه لن يكون قادرا على تشكيل الحكومة. قال نتنياهو «الأمر لا يتعلق بناخبي الليكود فحسب بل الناخبين المحتملين، فهم من سيرجحون كفة الليكود. وعندما يتعلق الأمر بالناخبين المحتملين فسيملك معسكر الليكود ما يزيد على 60 مقعدًا في الكنيست. وسيتمكن من تشكيل الحكومة».
وساطة مصرية وخلافات إسرائيلية/فلسطينية
كان أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد رافي سميث الإسرائيلي ونشر نتائجه الأسبوع الماضي. قد أشار إلى أن اذا أجريت انتخابات الآن في إسرائيل فسوف يحصل حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 36 مقعدا، فيما سيحصل حزب «هناك مستقبل» الذي يترأسه وزير الخارجية يائير لابيد على 20 مقعدًا. ويحصل حزب الصهيونية الدينية و«شاس» على 8 مقاعد، وكل من «يهدوت هتورات» و«أزرق وأبيض» و«العمل» على 7 مقاعد. على أن يحصل كل من «إسرائيل بيتنا» و«القائمة المشتركة» على 6 مقاعد. وبين الاستطلاع أن كلا من أحزاب «يمينا» الذي يترأسه بينيت و«القائمة الموحدة» و«ميرتس». سيحصل كل منها على 5 مقاعد.
بالتوازي، تسعى مصر خلال الأسابيع الأخيرة إلى تهدئة الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإعادة المسار التفاوضي الذي بدأ العام الماضي عقب عملية «سيف القدس» والتي انتهت في 21 مايو/أيار العام الماضي بهدنة طرحتها القاهرة.
وعقب أسابيع من تفعيل الهدنة استقبلت مصر وفود من قادة فصائل المقاومة الفلسطينية وممثلين عن أجهزة الأمن الإسرائيلية. واستمع قادة الأجهزة الأمنية المصرية إلى مقترحات الطرفين للوصول إلى هدنة طويلة الأمد. إلا أن الخلافات (الفلسطينية/ الفلسطينية)، وهشاشة التحالف الحكومي الإسرائيلي. وعدم توافق الجانبين (الإسرائيلي/ الفلسطيني) على ملف تبادل الأسرى أدى إلى عدم الوصول إلى اتفاق نهائي.
وزار وفد أمني مصري تل أبيب في الأيام الأخيرة من شهر رمضان لاحتواء التصعيد بين الجانبين بعد مواجهات المسجد الأقصى والعمليات الفدائية الفلسطينية المتوالية في الداخل الفلسطيني، بحسب مصادر مطلعة.
محاولة مصرية للحفاظ على التهدئة
أشارت المصادر إلى أن اشتعال الأمور مجددا في فلسطين قد ينسف كل الجهود التي قامت بها مصر خلال الشهور الماضية، كما من شأنه ضرب المصالح والاستثمارات المصرية في قطاع غزة، وهو ما يؤثر على مصالح القاهرة في القطاع.
كانت مصر قد بدأت عبر شركات حكومية وخاصة عملية لإعادة إعمار غزة، ضخت فيها ملايين الدولارات، وذلك بعد تعهدات إسرائيلية بعدم شن هجمات على القطاع، مقابل وعود مصر بالضغط على الفصائل الفلسطينية للوصول إلى هدنة طويلة الأجل مع دولة الاحتلال، لكن يبدو أن مساعي مصر معرضة لاختبار صعب نتيجة الاقتحامات الإسرائيلية المتوالية للمسجد الأقصى من جهة والعمليات الفدائية الفلسطينية من جهة أخرى.
وليس من مصلحة مصر، بحسب ذات المصادر، سقوط الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بقيادة بينيت، الذي توطدت علاقاته مع الحكومة المصرية منذ انتخابه رئيسا لوزراء إسرائيل في يونيو الماضي، وذلك على خلاف سلفه نتينياهو والذي شابت لم تكن علاقاته مع القاهرة جيدة بل شابها توترا ملحوظا حتى رحيله.