مرحلة جديدة بلغتها الدعوة التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي مؤخرًا لحوار سياسي وطني مع كافة القوى دون استثناء ولا تمييز. ذلك في ظل حالة من الحراك والمشاورات المتواصلة بين مكونات ما يمكن تسميته بتيار المعارضة من أجل الوصول لرؤية موحدة تضمن عدم تفريغ تلك الدعوة من مضمونها، واستثمارها في تحقيق أكبر قدر من المكاسب، التي تعود على الحياة السياسية.
عبر مجموعة من الاجتماعات بين ممثلي أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، وعدد من الشخصيات العامة التي كانت هدفا لدعوة الرئيس مؤخرا، إذ تم التوصل إلى صيغة موحدة، تتضمن إطار عمل، وضوابط ومطالب من شأنها إدارة حوار جاد وحقيقي ينتهي لنتائج عملية توضع مباشرة موضع التنفيذ.
إجراءات ضامنة للحوار السياسي
فبعد مخاض عسير أعلنت 6 أحزاب، هي الدستور والكرامة، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والوفاق القومي، والمحافظين، والعيش والحرية “تحت التأسيس”، بيانا بمثابة وثيقة سياسية تتضمن المطالب والضوابط الإجرائية والموضوعية التي تساعد على جعل الدعوة الرئاسية وسيلة لإنقاذ الوطن وحل مشكلاته لا مجرد تجميل للواجهة فقط.
أول المطالب التي تضمنتها الوثيقة الحزبية، والتي وجهتها المعارضة للسلطة الحاكمة، أن يكون الحوار تحت مظلة مؤسسة الرئاسة باعتبار أن الواقع العملي يؤكد أنها الجهة الوحيدة القادرة على تنفيذ ما يمكن أن يتم الاتفاق عليه خلال الحوار.
اقرأ أيضًا: دعوة لحوار وطني يستهدف بناء مجال سیاسي شرعي آمِنٍ ومستقر
ثاني المحددات تتمثل في أن يجري الحوار في جميع الجلسات وكل المحاور بين عدد متساوٍ ممن يمثلون “السلطة بكل مكوناتها باعتبارها المسؤولة عن صنع السياسات العامة واتخاذ القرارات الهامة وتنفيذها منذ ٨ سنوات”، و”المعارضة التي لم تكن جزءًا من تلك السلطة ولا شريكًا لها وعبرت بوضوح خلال السنوات الماضية عن رفضها للسياسات المتبعة والإجراءات المتخذة وطلبت علنًا تغييرها واقترحت في سبيل ذلك البدائل كما طالبت في مناسبات عديدة أن يكون السبيل لذلك هو الحوار بين شركاء متكافئين بلا مصادرة ولا مكايدة ولا تخوين”.
ثالث المحددات يتضمن أن يجري الحوار تحت سمع وبصر الشعب عبر بث الجلسات من خلال وسائل الإعلام المتنوعة، مشددين على ضرورة تحرر تلك الوسائل من سيطرة السلطة السياسية لتصبح هي ذاتها السلطة الشعبية التي يحكمها في أداء عملها فقط القواعد المهنية ومواثيق الشرف الصحفية والإعلامية.
محاور ستة للحوار السياسي
لا تتوقف الضمانات المطلوبة من جانب الأحزاب والقوى السياسية لضمان حوار جاد، عند حد التغطية الإعلامية فقط، ولكن تشمل أيضا ضرورة إطلاع الرأي العام عبر بيانات دورية على مخرجات الحوار وجلساته، وتشكيل أمانة عامة، من عشرة من الخبراء الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتجرد، يتم تسميتهم مناصفة من قبل طرفي الحوار (السلطة والمعارضة).
كما حددت الأحزاب والقوى المستهدفة بالحوار، 6 محاور للحوار، تتمثل في “الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي”، “الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية”، “الإصلاح التشريعي والمؤسسي”، “حقوق الإنسان والحريات العامة”، و”الأمن القومي والمصالح الوطنية”، و”تعميق المواطنة ومكافحة التمييز”.
وحتى لا يكون الحوار مجرد مناقشات، لا تفضي إلى عمل حقيقي، اشترطت الأحزاب والقوى المعارضة، حضور الحكومة ورؤساء الهيئات البرلمانية لجلسات الحوار، والمشاركة بالرأي وتقديم المعلومات التي تُطلب منها من قبل المتحاورين بشكل واضح وشفاف حتى يكون اتخاذ القرارات من جانب أطراف الحوار مبني على قاعدة من المعرفة الصحيحة، وكذا حتى إذا ما تم الاتفاق على التوصيات النهائية في صورة تعديلات تشريعية أو إجراءات تنفيذية كان ذلك بمشاركتهما كجهتي اختصاص ما يعني التزامًا أدبيًا بالتنفيذ الأمين لما تم التوافق بشأنه.
خلافات حول المطالب
الوثيقة التي جاءت مزيلة بتوقيع ممثلي ورؤساء الأحزاب الستة وشخصيات عامة، تضمنت تأكيدات واضحة لا لبس فيها، على مسؤولية السلطة الحاكمة في الوقت الراهن في رفع الظلم عن جميع سجناء الرأي باعتبار أن ذلك حق لهم، فضلًا عن أنه إشارة لازمة على الجدية في اعتبار “الحوار السياسي” مقدمة لفتح صفحة جديدة تليق بمصر.
وفي بداية الوثيقة أكد الموقعون حسن نواياهم، بالموافقة المبدئية على الحوار، الذي يأتي إدراكًا لحجم الأزمة الكبرى التي تمثل تهديدًا خطيرًا لحاضر البلد ومستقبله، وسعيًا للوصول إلى خطة وطنية شاملة تضع مصر على الطريق الصحيح، على أمل اكتشاف فرص التوافق، وتحسين شروط الحياة الاجتماعية والسياسية في الوطن.
اقرأ أيضًا: أسئلة الحوار السياسي الثمانية في مصر
أهمية الوثيقة الصادرة عن الأحزاب والشخصيات العامة تكمن في أنها جاءت بعد مخاض عسير من النقاشات، والتي كان آخرها اجتماعا شهد خلافات حادة بشأن المشاركة في الحوار، في وقت غالى فيه آخرون في المطالب التي يجب توافرها قبل الدخول في حوار مع السلطة السياسية.
الشرط التعجيزي والاجتماع العاصف حول الحوار السياسي
ووفقا لأحد المصادر السياسية التي اطلعت على تفاصيل الاجتماع العاصف الذي شهد استعراض كافة وجهات النظر بشأن الدعوة الرئاسية، فإن عددا من حضور اللقاء اقترحوا مطالب تعجيزية لقبول الدخول في حوار مع النظام من بينها التراجع عن التعديلات الدستورية التي جرى تمريرها في أبريل 2019، ومن ثم حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة دون وصاية أو تدخل من أجهزة الدولة وتشكيل حكومة تعبر عن الأوزان النسبية للقوى السياسية في البرلمان الجديد، بدلا من حكومة الدكتور مصطفى مدبولي.
وبعد طرح بعض الأحزاب لتلك المطالب، أقنع بعض الحضور وعلى رأسهم حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق المشاركين بالنزول بسقف مطالبهم وطموحاتهم، باعتبار أن البلد في أزمة والسلطة تحتاج إلى الاستماع إلى صوت آخر لعبور تلك الأزمة، وأنهم سيدخلون إلى الحوار بسقف مطالب معقولة ومنطقية لأن البديل سيكون استمرار الأوضاع على ما هي عليه أو صناعة حوار بين السلطة ومؤيديها كما حدث من قبل، وهي خسارة لكل الأطراف بحسب ما نقل المصدر عن بعض الحضور.
وانتهى المشاركون إلى قبول الحوار على قاعدة البنود التي ذكروها في وثيقتهم، وفي حال عدم التعاطي مع تلك البنود من جانب السلطة تتوجه المعارضة إلى الرأي العام باعتباره المعني الأول بأي تحرك سياسي في البلاد لإطلاعه على ما دار.
مدحت الزاهد: لا شروط وإنما بناء الثقة
من جانبه يرى مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن الوثيقة لا تمثل مطالب يتم تنفيذها دفعة واحدة لإجراء الحوار، وإنما الهدف الأساسي هو بناء الثقة المفقودة منذ فترة، مؤكدا أن الدعوة للحوار في حد ذاتها تمثل دلالة على رغبة في فتح المجال العام بعيدا عن التفتيش في النوايا الرسمية.
اقرأ أيضًا: الحوار السياسي.. ورسائل “الجماعة” المرفوضة
وحول ما يثار بشأن جدية الدعوة، ومدى توافر الرغبة الحقيقية بشأن إصلاح الحياة السياسية، أوضح الزاهد في حديثه مع “مصر 360″، أنه شخصيا لا يتوقف كثيرا عند النوايا، ولكن ما يشغله هو دواعي الدعوة التي تتمثل في مرور البلد بأزمة اقتصادية حقيقية، يمكن أن تهدد بانفجار شعبي.
الزاهد، ذهب للتأكيد على أنه لا أحد من قوى المعارضة الوطنية، يرغب في حدوث انفجار أو انقلاب، مؤكدا أن التجاوب مع دعوة الحوار الوطني الأخيرة التي أطلقها الرئيس، هدفه الدفع نحو مسار سلمي للإصلاح الذي يراعي مصالح البلد، مؤكدا: “خلال الفترة الماضية كان مطلبنا الرئيسي فتح المجال العام ورفع القيود، ونعتبر في الوقت الحالي أن الدعوة الرئاسية فرصة لتحقيق هذا الهدف، ونتعامل معها بجدية في هذا السياق”.
الزاهد: لم نناقش مسألة الحبس الاحتياطي فقط
وحول مخاوف البعض من أن تتوقف العطايا الرسمية للقوى السياسية عند حد إطلاق سراح النشطاء، يقول الزاهد إن الجميع بات يدرك أن مسألة الحبس الاحتياطي، لم تعد مجالا للنقاش وأنها أمر مفروغ منه، لافتا إلى أن الاجتماع الأخير الذي أسفر عن الوثيقة الحزبية، تضمن نقاشات بشأن موضوعات جوهرية، مثل إلغاء القوانين المتعارضة مع نصوص دستورية، وكذلك إعادة النظر في التعديلات الدستورية التي يرون أنها تتعارض مع حرية تداول السلطة.
ويؤكد الزاهد عدم التكافؤ في القوة بين المعارضة والسلطة الحاكمة في الوقت الراهن، وهو ما يستدعي الاستعانة بالكتلة الأكبر وهي الشعب والرأي العام من جانب المعارضة ليكونوا مشاركين ومطلعين على مسار الحوار، وذلك يكون عبر الطرق الممارسة الديمقراطية، مؤكدا على التمسك بحصة متكافئة في وسائل الإعلام الرسمية، المدفوعة من أموال الضرائب، مع إعادة النظر في أمر المواقع الإخبارية المحجوبة والتي كانت تمثل نافذة لعرض مواقف القوى المعارضة.