أثار شراء البنك المركزي المصري، كميات ضخمة من الذهب خلال الربع الأول من العام الحالي تساؤلات عالمية وليس محلية فقط. خاصة في ظل عدم الإعلان محليا وتراجع الاحتياطي النقدي في الفترة ذاتها.

ارتفعت كمية احتياطي الذهب لدى المركزي المصري بنحو 55%، بعد شرائه 44.4 طن من الذهب خلال فبراير/شباط الماضي. ليصبح أكبر مشتر للمعدن الأصفر بين البنوك المركزية العالمية خلال الربع الأول من 2022. ليبلغ إجمالي احتياطيه من الذهب 125.3 طن، تعادل 19.4% من إجمالي احتياطيات العملة الأجنبية، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.

الخطوة التي انتهجها البنك المركزي أثارت جدلاً بين الخبراء متسائلين عن الأسباب والدلالات. فبعضهم اعتبرها تحوطية جيدة، والبعض الآخر حذر من إمكانية حدوث هبوط للذهب مع سياسة رفع الفائدة الأمريكية التي تدفع معها قيمة الدولار نحو الارتفاع.

لكن تحرك “المركزي” جاء متماشيا مع الطلب العالمي على المعدن الأصفر من البنوك المركزية إذ زاد صافي الحيازات. بمقدار 83.8 طنًا في الربع الأول من 2022 الذي شهد اضطراباً وأزمات جيوسياسية وتضخم متصاعد.

كانت تركيا من كبار المشترين في الفترة ذاتها بعدما اشترت 37 طنًا من الذهب لتمتلك حاليا أكثر من 430 طناً تمثل 28٪ من أصولها الاحتياطية. بينما اشترت الهند ستة أطنان أخرى، وأيرلندا طنين إضافيين لتبلغ مشترياتها 4 أطنان منذ النصف الثاني من العام الماضي.

الجميع في انتظار رقم الاحتياطي النقدي لشهر ابريل

لم يعلن البنك المركزي المصري، رسميا، عن مشترياته من الذهب وسط ترقب داخل الأسواق لإعلان قيمة الاحتياطي النقدي في أبريل/نيسان الماضي خلال ساعات. لكن يمكن استشفاف السبب من تعليقات المركزي الأيرلندي الذي رفض هو الأخر الكشف عن سبب مشتريات الذهب. قائلاً “إنها معاملات حساسة تجاريًا ولا يمكن الإدلاء بتعليقات حولها في الوقت الحالي”.

لكن التكهنات تشير إلى أن البنك المركزي الأيرلندي يرفع احتياطياته الذهبية بسبب مخاوف التضخم. فغبريال مخلوف محافظ البنك اللإيرلندي المولود في مصر ويحمل الجنسية البريطانية. قال في الشهر الماضي إنه “قلق” بشأن ارتفاع التضخم، وتأثيره على الأسر في جميع أنحاء البلاد.

خلال الربع الأول، كانت موضة شراء الذهب عالمية، فالإكوادور أضافت 3 أطنان إلى احتياطيها بالشراء من صغار المنتجين المحليين. وغانا اشترت 600 كيلوجرام من برنامج الشراء المحلي الذي تم إطلاقه يونيو/حزيران 2021. وتخطط لزيادة احتياطياتها من الذهب من 9 أطنان إلى ما يقرب من 17 طنًا بحلول عام 2026

في المقابل، كانت كازاخستان أكبر بائع إذ خفضت احتياطياتها من الذهب بمقدار 34 طنًا، وأوزبكستان بنحو 25 طناً. لكن الذهب لا يزال يشكل 60٪ من إجمالي الاحتياطيات الأوزبكية، كما باعت بولندا ما يزيد قليلاً عن طنين خلال الربع ذاته.

التوجه العالمي نحو الذهب تحسبا لحرب العملات

يتوقع مجلس الذهب العالمي أن تظل البنوك المركزية مشتريًا صافًا للذهب عام 2022 لتقليل التعرض للمخاطر وسط حالة عدم اليقين المتزايدة بشأن الاقتصاد العالمي. وربما كان ذلك الوازع وراء إضافة البنوك المركزية 463 طنًا من الذهب، إلى الاحتياطيات العالمية عام 2021.

واصلت روسيا التي تحتل المرتبة الخامسة عالميا بنحو 2292.2 طن ذهب الشراء أيضا في خضم العقوبات الدولية. لكنها لاتزال بعيدة عن الولايات المتحدة التي تتصدر احتياطيات العالم بـ 8133.5 طن. تليها ألمانيا بنحو 3359.1 طن، ثم إيطاليا 2451.8 طن، وبعدها فرنسا بنحو 2436.3 طن، بينما تحتل الصين المرتبة السادسة بنحو 1948.3 طن.

يرجح خبراء أن تكون مشتريات الذهب المصرية المستورد تمت في نطاق 1800 دولار للأوقية. وهو أقل بنحو 84 دولارا للأوقية من آخر جلسات تداول الذهب في البورصة العالمية.

تحركات البنك المركزي هدفها التحوط من تذبذب العملات خاصة بعد توجه دول مثل روسيا والسعودية والصين نحو التبادل التجاري بعملات غير الدولار. وحال حدوث واستمرار تلك العمليات فسيتأثر حجم التبادل بالدولار.

وتراجع الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي بقيمة 3.9 مليار دولار خلال مارس/آذار الماضي ليسجل 37 مليار دولار تقريبًا جراء الأزمة الروسية الأوكرانية. واستخدام جزء من احتياطي النقد الأجنبي لتغطية احتياجات السوق وتغطية خروج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية. وضمان استيراد سلع استراتيجية، إضافة إلى سداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة.

 

ومن المعروف أن الذهب وسيلة تحوط أساسية ضد المخاطر لكنه يرتبط بعلاقة عكسية مع الدولار. ما آثار تخوف من إمكانية تراجع قيمة المعدن الأصفر مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة التي ترتفع معها قيمة الدولار.

تتماشى تلك التحركات مع اعتماد روسيا كوسيلة التبادل التجاري مع الدول الصديقة لها حال عجزها عن توفير الروبل. والتي ربما تتيح لمصر مرونة في الاستيراد من موسكو خاصة فيما يتعلق بملف القمح.

رغم تلميح مجلس الذهب العالمي بأن مشتريات الذهب المصرية لم تأت من مصدر داخلي. لكن جزء منها ورد محليا وفقًا لاتفاقية 2017 بين البنك المركزي وشركة سنتامين، صاحبة امتياز منجم السكري.

بموجب الاتفاقية يشتري البنك المركزي بقيمة 50 مليون جنيه شهريا ذهبا من الشركة، وهي نسبة بين 50 و60 كيلوجراما. كما قلصَ المركزي التصدير للخارج أيضا بعد فرض وزارة المالية 1% رسوم تثمين على الذهب الخام المعد للتصدير في 2021 لتقليص التصدير.

مشتريات دولية للذهب أم السكريوكسر السوق 

يرجح خبراء أن تكون كميات كبيرة من الذهب تم شرائه محليا، خاصة أن المصريين سجلوا مبيعات كبيرة خلال الشهور الأخيرة. متوقعين أن تتزايد النسبة أكثر بعد بيع المصريين كميات من المعدن النفيس لشراء شهادات الـ ١٨٪. وهي خطوة شديدة الذكاء بتحويل العملة المحلية ممثلة في الجنيه إلى عملة دولية ممثلة في الذهب والتي ستظهر بشكل أكثر وضوحا في بيانات أبريل/نيسان.

في هذه الحالة، لن يشتري المركزي المشغولات ولكن السبائك الخام أو الذهب الكسر القديم أو الذي أثر عليه الاستخدام الطويل ولا يصلح للاستخدام لأغراض الزينة. ويتم شراؤه من قبل الأفراد على حالته للاحتفاظ بالقيمة فقط. لكن في حالة المركزي سيتم إعادة سكه في سبائك بحجم يتراوح بين ١٠٠ و٥٠٠ جرام.

يقدر حجم إنتاج المشغولات الذهبية المدموغة في مصر من قبل مصلحة الدمغة والموازين بوزارة التموين. بنحو 65 طنًا في العام بجانب كميات أخرى متداولة غير مدموغة، و20% من حجم الذهب في مصر مستورد والباقي إنتاج محلي.

الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، يقول إن الاحتياطي النقدي هو سلة من العملات والأصول التي نستخدمها عند الضرورة والاحتياج والأزمات. وهذه الأصول المعتمدة من صندوق النقد تتغير من دولة لأخرى على حسب عمليات التبادل التجاري التي تجريها وشركائها التجاريين.

يضيف أن إدارة الاحتياطي بمصر مرنة تتسم بتغيير مستمر في العملات والاحتياطي الذهبي وفقا للحاجة. وقبل خمس سنوات كان هناك توجها من الحكومة المصرية نحو الذهب بالاتفاق بين المركزي وشركة سنتامين. بشراء حصة من الذهب المستخرج من منجم السكري بالعملة المحلية.

يضيف أن توقيت الشراء كان استباقية للحرب “الروسية- الأوكرانية” التي اندلعت في الأيام الأربعة الأخيرة من فبراير/شباط الماضي. ما يعني أن المركزي لديه رؤية مستقبلية حول إمكانية أن تتضمن المعركة حرب عملات يكون الذهب فيها هو الملاذ الآمن. وحال تغير الظروف من الممكن أن يغير البنك المركزي توجهات بالقليل من أحد مكونات الاحتياطي وزيادة مكونات أخرى.