هجوم جديد وحلقة في سلسلة ممتدة للإرهاب في مصر. لكن هذه المرة كانت ضد البنية التحتية ومشروعاتها. إذ أعلن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة إحباط هجوم إرهابي على إحدى محطات رفع المياه بمنطقة شرق القناة. وقد نفذته مجموعة من العناصر التكفيرية، حيث تم الاشتباك والتصدي لها من رجال الأمن المكلفين بالعمل فى النقطة.
المواجهة أسفرت عن استشهاد ضابط و10 جنود وإصابة 5 أفراد، ارتقوا في سبيل الوطن. وقد نعى الرئيس السيسي في بيان رسمي شهداء الوطن. بينما أكد أن أبناء الوطن من المخلصين يلبون نداء وطنهم بكل الشجاعة والتضحية، مستمرين في إنكار فريد للذات وإيمان لن يتزعزع بعقيدة صون الوطن. مؤكدًا أن العمليات الإرهابية الغادرة لن تنال من عزيمة وإصرار أبناء هذا الوطن وقواته المسلحة في استكمال اقتلاع جذور الإرهاب.
كما أدانت العديد من الدول العربية والغربية والكثير من المنظمات العربية والإسلامية والدولية الهجوم. ذلك في وقت أكد فيه المتحدث العسكري العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ، استمرار مطاردة العناصر الإرهابية ومحاصرتهم فى إحدى المناطق المنعزلة فى سيناء.
هجوم سيناء.. لمصلحة من استهداف المشروعات القومية؟
على مدار سنوات روج الإعلام الدعائي لجماعة الإخوان ومعها تيارات الإسلام السياسي المنضوية تحت عباءتها بشدة لاستهداف الجيش أهالي سيناء وترويعهم ومحاصرتهم. بينما الوقائع تكشف أن أنصار التطرف والعنف هم الذين يستهدفون كل وسائل الحياة في هذه المنطقة وآخرها الهجوم الأخير الذي حاولوا من خلاله تدمير محطة رفع مياه.
تعتبر نقطة التأمين التي استهدفتها العناصر الإرهابية، واحدة من أهم النقاط المكلفة بتأمين محطات المياه، وحماية معدات الإنشاء والعمال المستخدمة في تمهيد التربة والحفر والتسوية ورفع وإنزال المواسير، وتخدم جميعها مشروع التنمية الضخم المقرر من خلاله زراعة نحو نصف مليون فدان بمناطق وسط وشمال سيناء بواسطة مياه محطة معالجة بحر البقر. ما يعني أن إبقاء المنطقة لا تصلح إلا للإرهاب هو الهدف الأكبر لهذه الجماعات.
ما يدعم هذه الرؤية أن الجماعات الإرهابية استهدفت خلال السنوات الماضية العديد من مشروعات التنمية بشمال ووسط سيناء ومنها مشروعات طرق ومحاور جديدة، ونفس الأمر في مدينة رفح الجديدة، بخلاف المحاولات الدائمة لاستهداف البنية التحتية الأساسية القائمة بشمال سيناء من خطوط غاز وكهرباء ومحطات مياه.
ولم يتوقف استهداف العناصر الإرهابية على رجال الجيش في الكمائن الثابتة والمتحركة، بل استهدفوا أيضًا المدنيين العاملين بتلك المشروعات التنموية بشمال ووسط سيناء، وألقوا في طريقهم منشورات عدة تحذرهم من استمرار العمل بالمشروعات القومية، كما كتبت على الجدران المختلفة الواقعة في مرمى نظر العاملين في المشروعات الجديدة لا سيما مشروع مدينة رفح الجديدة تهددهم من استكمال هذه المشروعات.
من المسئول عن هجوم سيناء؟
حتى الآن لم تعلن أي جهة من الجماعات الإرهابية المعروفة بالعمل في هذا النطاق مسئوليتها عن الحادث، لكن من خلال طريقة كتابة التحذيرات السابقة، لن تخرج هذه العملية عن نطاق تنظيم داعش الإرهابي، الذي يتعامل مع الدولة المصرية بأسلوب الحرب الصفرية ونظرية حرق الأرض ومن عليها.
عمرو فاروق الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإرهابية قدم تحليلًا عن الأسباب التي ترجح اتهام تنظيم داعش بتنفيذ هذه العملية الإجرامية، مؤكدًا أن فلول التنظيم تقف خلف العملية بعد أن قضى الجيش المصري على تمركزاتهم في مثلث رفح والعريش والشيخ زويد شرقًا، وجفف تحركاتهم بمنطقة بئر العبد الواقعة في أقصى الشمال الغربي من خلال العملية الشاملة في سيناء 2018، التي أجهضت البنية التنظيمية للمكون الداعشي.
أشار فاروق إلى أن عملية محطة المياه الهدف منها الضغط على الدولة المصرية سياسيًا في ما يخص تحركاتها وملفاتها الخارجية، خاصة أن العملية استهدفت تمركز حيوي استيراتيجي في الجانب الغربي من الوسط السيناوي بعيدًا عن عمليات التمشيط التي ينفذها الآن اتحاد قبائل سيناء بالتنسيق مع القوات المسلحة في مناطق الاتجاه الشرقي.
ويقوم الجيش المصري بحركة تنشيط زادت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، كما تجري عملية تطهير نهائي للأوكار الداعشية وبقايا العبوات الناسفة التي تمت زراعتها خلال السنوات الماضية على أيدي العناصر التكفيرية، في قرى ومدن الشرق والوسط السيناوي لإعلان سيناء خالية من الإرهاب، اتساقًا مع تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في إفطار الأسرة المصرية، لكن كل هذا ليس كافيا للتنظيم الإرهابي للقيام بهذه العملية بحسب الباحث في شئون الجماعات الإرهابية.
يوضح فاروق أن تنفيذ مثل هذه العملية في المرحلة الراهنة محاولة لاستغلال التعبئة المتزايدة في الشارع المصري جراء الظروف الاقتصادية التي تعتبر جزءا أصيلًا من الأزمة العالمية، إذ يسعى التنظيم لإرباك المشهد الداخلي وإرسال رسائل خارجية عن ضعف قدرة الدولة على بسط الأمن في كل ربوع البلاد، ما يمثل دافعًا قويا للنيل من استقرارها في ظل التشابكات على الساحة السياسية الدولية في المرحلة الراهنة، على حد قوله.
وعن موارد التنظيم البشرية، فبالرغم من الحصار الشديد عليه منذ سنوات، ونجاح الجيش بصورة كبيرة في قطع طرق الإمداد المالي واللوجيستي عن العناصر التكفيرية وما يؤكد ذلك الوصول بمؤشر العمليات المسلحة إلى الدرجة صفر تقريبًا خلال الفترة الماضية، قال فاروق إن المورد الأساسي للتنظيم بجانب بعض العناصر المسلحة المدربة التي تنجح أحيانا في التسرب داخل البلاد، ما أسماها “السلفية الغزاوية” وهي المورد الأساسي لفلول التنظيم الداعشي في العمق السيناوي، على حد قوله.
لماذا غير داعش تكتيكاته واستهدف مظاهر التنمية؟
نشأ تنظيم داعش في عام 2011 تحت اسم أنصار بيت المقدس، قبل أن يبايع تنظيم الدولة ـ داعش ـ في عام 2014 ويصبح ولاية سيناء، وعلى الرغم من أن الهدف المعلن لهذه الجماعة هو القتال لآخر قطرة دماء من أجل إقامة الخلافة الإسلامية لكن شواهد تحركاتها وعملياتها تؤكد أنها لاتعمل إلا من أجل هدف أساسي واستراتيجي وهو إبعاد القوات المسلحة المصرية كليا من من شمال سيناء على وجه التحديد.
سّخر التنظيم إصداراته المرئية التي تعتبر الذراع المعنوي له لإرهاب الجنود وأهالي سيناء، لكن جهود ما يزيد عن ست سنوات من النشاط المستمر للجيشين الميدانيين الثاني والثالث للقوات المسلحة المصرية والعمليات العسكرية المستمرة في إطار العملية الشاملة للقوات المسلحة المصرية سيناء 2018 والتي تتضمن بعضها عمليات مشتركة مع قوات وزارة الداخلية نجحت في الحد بدرجة غير مسبوقة من قدرات داعش وأنصاره من التنظيمات الإجرامية وتحييد الشخصيات القيادية الرئيسية في التنظيم.
أدى الوجود المكثف للقوات المسلحة والعمليات المستمرة فضلاً عن القيود المفروضة على الحركة إلى داخل المحافظة وخارجها وما حولها ــ يحاول الإعلام الإخواني بناء مظلومية عليها حتى الآن ـ في الحد من قدرة داعش على التوسع لتصبح قوة قادرة على الاحتفاظ بأرض مثل نظيراتها في أماكن أخرى من المنطقة.
نجح الجيش أيضا في تحييد وحصار فلول التنظيم حتى في عز أزمة كورونا، كما أظهر نجاحا جديدا طالما لعبت عليه داعش والإعلام الإخواني وهو تعزيز وتوثيق التعاون القوي مع سكان وعوائل سيناء الذي زاد وتعمق بمشروعات الاستثمار في مشروعات التنمية غير المسبوقة في المنطقة، إذ كانت مظالم أهل سيناء تمثل أهم ارتكازات داعش للاختباء والتمدد وسط الأهالي وتحريضهم على القوات المسلحة.
ولهذا حوّل فلول التنظيم أنظارهم إلى جهود التنمية لإجهاضها، في محاولة لضرب التعاون بين الجيش والقبائل وإحباط الأمل في نفوس السيناويين، وهو المخطط الذي يواجهه الجيش حتى الآن وينجح في إحباطه بالاستمرار في تنفيذ الخطة المعدة للانتهاء من المشروعات القومية في أوقاتها المحددة، وإطباق المزيد من الحصار على فلول التنظيم بالمضى قدما في تنفيذ الخطة العسكرية التي تهدف إلى تطهير سيناء تماما من التنظيمات الإرهابية وأنصارها.