تحركات لافتة يتخذها علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، تجاه الرئيس إبراهيم رئيسي. إذ يتبع المرشد تيمة جديدة في التعامل مع الرجل، خلافًا لما تعوده الشارع الإيراني في السنوات الماضية، من صدامات متتالية بين المرشد ورؤساء البلاد. الأمر الذي كان يصل حد اتهامهم بالخضوع للغرب والتفريط في مبادئ الثورة وخطوطها الحمراء.

رئيسي على وجه التحديد يحظى بدعم المرشد في كل الملفات. وهو يسوّق بطريقة لافتة لدوره الثوري وتاريخه الجهادي كلما أمكن. كما يقف حائط صد مانع للضربات التي تلاحقه من المعارضة وخصومه السياسيين. وفي ذلك تعزيز للتكهنات التي تشير إلى سعي خامنئي بكل قوة لترسية خلافته في منصب الإرشاد على الرئيس الإيراني الحالي.

"<yoastmark

في دعاية خامنئي لرئيسي.. ماذا قال عنه؟

يعرف علي خامنئي أن إبراهيم رئيسي هو أقرب اللاعبين السياسيين حرصًا على مشروع خامنئي السياسي والديني. وقد كان له طوال تاريخه دورًا في ترسيخ أفكار المرشد وقناعاته والدفاع عنها.

عمل الرئيس الحالي طوال تاريخه السياسي محاربًا أيدلوجيًا بشكل فعال لتطوير الهياكل التي من شأنها أن تسمح بإبقاء النظام الحالي على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة. ولهذا لم يكن مستغربًا الدعاية المكثفة التي انخرط فيها خامنئي للدفاع عن قرارات رئيسي. لاسيما نتائج الوفد الذي شكله للتفاوض مع الغرب على الملف النووي. ذلك رغم عدم توصلهم إلى نتائج ملموسة إلى الآن.

كان قد تمسك رئيسي بشدة بضرورة شطب الحرس الثوري الإسلامي ـ أقوى ذراع لخامنئي ـ من قائمة الحكومة الأمريكية للجماعات الإرهابية الذي كان دائمًا من أهم أسباب الخلافات القوية بين إيران وأمريكا. كذلك يتمسك رئيسي بضرورة معاقبة من أعطى قرار تصفية واغتيال قاسم سليماني الرئيس السابق للحرس الثوري. وقد نجح الرئيس الإيراني ووفده في التمسك بهذه الشروط. كما رفض كل الضغوط للتخلي عنها. وهذا بالنسبة لخامنئي لحظة لا تنسى في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في حفل تخرج ضباط الحرس الثوري في 2015. (مكتب المرشد الأعلى الإيراني عبر AP)
المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في حفل تخرج ضباط الحرس الثوري في 2015. (مكتب المرشد الأعلى الإيراني عبر AP)

خامنئي ومطالب المعارضة

ويبدو أنه ليس مهمًا للمرشد تحقيق أي نجاح آخر تراه المعارضة ممكنًا، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العالم. وتطالب المعارضة باستغلال هذه الظروف للتفاوض على ضخ مليارات شهرية من الغرب ،تعويضًا عن توقف المشروع النووي. ذلك بغرض إنعاش خزينة البلاد.

وتطالب أيضًا بضرورة الحصول على ضمانات حقوقية تلزم الإدارات الأمريكية اللاحقة بالاستمرار في الاتفاقية. ذلك حتى لا يحدث ما جرى مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي تنكر لالتزامات إدارة سلفه باراك أوباما، وقرر التصعيد لأقصى درجة مع إيران.

أفلت الرئيس الإيراني -الذي ترشحه أغلب التحليلات المعنية بالحالة الإيرانية لوراثة منصب المرشد- وباتقانه الخطوط الحمراء للمرشد، من الفخاخ المتتالية التي ينصبها له خصومه السياسيين، سواء إصلاحيين أو أصوليين، وفي القلب منهم الدبلوماسي الأصولي علي باقري كاني، نائب وزير الخارجية السابق ورئيس وفد التفاوض الفني على الملف نفسه في فيينا. ذلك إلى جانب مجموعة من أبرز أعضاء مجلس الشورى الإسلامي ـ البرلمان ـ الذين هاجموا الرئيس وقللوا من نجاحاته التي لايراها إلا المرشد وأجنحته في السلطة.

وقد انخرط المرشد في الصراع بنفسه وهاجمهم بشدة. كما مرّر عبارات تعتبر بين السطور ما يفعلونه ـ طعنة في الظهر ـ لقائد يعمل وسط الميدان ويقف على خط المواجهة. وهي نبرة مختلفة كليًا عن تعامله مع الرؤساء السابقين لإيران. لا سيما الرئيس السابق حسن روحاني، الذي يتهمه إلى الآن في إشارات مبطنة بالخضوع لما أسماها “الغطرسة الأمريكية”. ما يشير بالفعل إلى علاقة خاصة للغاية للمرشد مع إبراهيم رئيسي.

خصوصية علاقة إبراهيم رئيسي بخامنئي

خلال الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها إبراهيم رئيسي، عمل المرشد وأجهزته على استبعاد أقوى المنافسين له. لاسيما الإصلاحي علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق. وقد أطاح به مجلسه الموالي لخامنئي، بسبب علاقته الوطيدة بالرئيس السابق حسن روحاني.

بعد ذلك ظهر تسريب صوتي ـ مجهول المصدر ـ لوزير الخارجية السابق، وأقوى الوجوه الإصلاحية المقبولة دوليًا وصاحب الشعبية الطاغية في البلاد محمد جواد ظريف وهو ينتقد الحرس الثوري بشدة. ما تسبب في اندلاع عاصفة سياسية في إيران، خرج على إثرها المرشد يوبخ ظريف ويهاجمه بعنف، لينتهي الموقف بضياع مستقبل ظريف السياسي، وفرصه في تولي المنصب خلفًا لروحاني.

يقول أرشيف إبراهيم رئيسي الذي تخطى الستين من عمره، أنه منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو أهم الوجوه المرتبطة أيدلوجيًا بمشروع الثورة الإيرانية والعداء لأمريكا والغرب. إذ كان له دور حاسم في القضاء على “حركة مجاهدي خلق”. وقد كادت تقضى على مشروع الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية وأسلافه من بعده، قبل أن يتم بترها تمامًا وإنهاء خطرها.

وفي عام 2016 عيّن خامنئي إبراهيم رئيسي في منصب هام وله دلالة دينية وسياسية كبيرة في البلاد. إذ أصبح الوصي على مؤسسة العتبة الرضوية المقدسة. وهي مجموعة دينية تستثمر في مليارات الدولارات. كما أن لها هيمنة على الأوقاف، وتشرف على الضريح الشيعي المقدس للإمام الرضا، ثامن الأئمة الاثنا عشر والملقب بغريب الغرباء.

"<yoastmark

استمر تصعيد رئيسي ليترشح للرئاسة في عام 2017 وخسر أمام حسن روحاني. لكن المرشد أصر على إبقاء إبراهيم في دائرة الأضواء حتى يملك أفضلية على روحاني في النزال القادم. وأصدر قرارًا عام 2019 بتعيينه رئيسًا للقضاء. وهو أحد أقوى المناصب داخل المؤسسة الإيرانية. ومنذ ذلك التوقيت ووسائل الإعلام الحكومية تضع رئيسي في صورة ذهنية لافتة باعتباره المحارب الأول للفساد في إيران. وكان لذلك دورًا كبير في انتزاع منصب الرئاسة من روحاني في الانتخابات التي جرت في 2021.

هل يملك مقومات منصب مرشد إيران؟

عدة مقومات تجعل فرص إبراهيم رئيسي هي الأقوى لخلافة خامنئي في منصب المرشد. إذ يملك أهلية دينية وثورية وسياسية ويتمسك بالتقاليد المتوارثة لهذا المنصب، وهو أكثر المخلصين للمرشد الأعلى الحالي آية الله خامنئي، إلى جانب أنه ينحدر من مدينة مشهد مسقط رأسه وينتمي إلى معهدها الشهير، وفي سيرته الخاصة ما يدعم فرصه، فهو متزوج من ابنة آية الله علم الهدى، رجل الدين المتشدد الذي يعمل ممثلًا لخامنئي في محافظة رضوي خراسان الشرقية موطن ضريح الإمام الرضا.

يملك رئيسي أيضًا علاقة وثيقة جدًا مع الحرس الثوري الإسلامي، الشريك الأيديولوجي والاقتصادي للمرشد، وأقوى الأذرع التي تدعم وجوده وبقاء الجمهورية الإسلامية وعدم التمرد أو الانقلاب ضدها. وبخلاف ذلك ينتمي إبراهيم رئيسي إلى المعسكر الأصولي ويؤيد السياسات المتشددة في كل من الشؤون الداخلية والخارجية، وله تحالفات قوية مع رجال الدين. وقد تمكن مؤخرًا بمساعدة المرشد من بناء شبكة واسعة من المناصرين له ولسياسته بجميع أنحاء البلاد.

يعزز فرص إبراهيم رئيسي في الفوز بالمنصب دعمه لسياسات خامنئي على المستوى الإقليمي والدولي. إذ يؤيد مدّ المشروع الإيراني في الإقليم وتقوية ما يسمى بـ “محور المقاومة” الذي يسعى لنشر أفكار وأيدلوجيا الثورة الإيرانية في الإقليم. وهذه جملة المؤهلات التي تجعله الوريث المحتمل والأكثر صلاحية لممارسة دور منصب المرشد، المخول له بحكم الدستور الإيراني، قيادة القوات المسلحة، والحرس الثوري، إلى جانب عدد من الصلاحيات التنفيذية واسعة النطاق التي تتدخل في أدق التفاصيل.

كما أن الجمهورية الإيرانية ودستورها وتقاليدها منذ نهاية السبعينيات تعتبره العين الساهرة على تطبيق الأحكام الدينية والقضائية والإعلامية ومراجعة القرارات السياسية وتمريرها أو وقفها. ولا يبدو لخامنئي والدوائر المقربة منه أن هناك من يصلح لهذه التركة إلا رئيسي.