شهد الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني تصعيدًا حادًا خلال الأسابيع المنصرمة. ورغم العنف، حقق التصعيد -الذي ينسبه الإسرائيليون إلى حركة حماس وحدها- إنجازات في ثلاثة مجالات، فقد عادت القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء. كما عادت معظم الدول العربية -بما فيها تلك التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل- إلى انتقاد ممارسات الاحتلال. كما تم تسليط الضوء على ضعف السلطة الفلسطينية، وانهيار وشيك قد يحدث لحركة فتح.

يلفت خبراء إسرائيليون إلى أنه -كدرس من الصراع الذي دار في مايو/أيار 2021- سعت حماس إلى استخدام الأماكن المقدسة في القدس الشرقية لإثارة احتجاج جماهيري. من شأنه أن يحشد مرة أخرى التضامن الفلسطيني في القدس، وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، وإسرائيل.

السؤال الذي يسود الأوساط الإسرائيلية حاليًا. هو: هل من الصواب الاستمرار في التفكير في إجراءات عقابية ضد حماس تستهدف الردع؟ وهل التحركات الهادفة إلى تحسين حياة السكان في قطاع غزة والضفة الغربية هي أفكار تضعف السلطة الفلسطينية وتعطي حماس قوة إضافية؟ وبعد ذلك، هل عدم الجدوى السياسية للتسوية يبرر الافتقار إلى التفكير -من الناحية السياسية- في سبل وقف التدهور في مكانة السلطة الفلسطينية؟

اقرأ أيضا: 34 عاما على انطلاقة “حماس”: اختلاف على الحكم واتفاق على “المقاومة”

سياسة العصا والجزرة

بعد انتهاء الجيش الإسرائيلي من عملية “حارس الأسوار” على قطاع غزة في مايو/ أيار 2021. أعلنت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت عن سلسلة من التسهيلات الإنسانية، والاقتصادية لسكان قطاع غزة. وكشف وزير الخارجية يائير لبيد، في سبتمبر/ أيلول 2021، عن خطة حكومته لإدارة الصراع مع غزة. ضمن معادلة “الاقتصاد مقابل الهدوء”. أي محاولة تحقيق الهدوء الأمني على الحدود الإسرائيلية مع غزة، إضافة إلى منع تعاظم قوة حماس العسكرية، مقابل تقديم تسهيلات اقتصادية للغزيين، وإعادة الإعمار.

تلفت ريهام عودة، وهي كاتبة ومحللة سياسية فلسطينية مقيمة في غزة. إلى أن حكومة بينيت تسعى لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار الأمني في الجنوب. لضمان استقرارها، وليتسنى لها التفرغ للملف النووي الإيراني. الذي يشغل أولوية أمنية كبرى، واحتل أجندة الاجتماع الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأمريكي بايدن.

تقول عودة: تحاول حكومة بينيت من حينٍ لآخر استخدام سياسة “العصا والجزرة، أو أسلوب “العقاب والثواب” لضبط سلوك حماس. فمثلاً، فعندما تُطلق الفصائل الفلسطينية بغزة رشقة من الصواريخ على المدن الإسرائيلية. يُلوح الجيش الإسرائيلي على الفور بالعصا المتمثلة بقصف جوي للمواقع العسكرية لحماس، أو التهديد بشن عملية عسكرية. أو إغلاق معبر كرم أبو سالم، ومنع إدخال البضائع، أو منع الصيادين من الصيد ببحر غزة.

جاءت بداية التصعيد على الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية خلال الأسابيع الستة الماضية. عبر عمليتين في مدينتي بئر سبع في 22 مارس/ أذار، والخضيرة 28 مارس/ آذار. واللذان نفذهما مواطنون عرب في إسرائيل. الأول ادعت إسرائيل أنه يتبع حزب الله، بينما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته عن الثاني. بعدها، وقع هجومان آخران، في بني براك وتل أبيب. شنهما فلسطينيون من جنين. وأعقبهما في نهاية شهر رمضان هجوم إطلاق نار في مدينة أرييل نفذه فلسطينيون من قرية مجاورة. وجاء الهجوم الأحدث أثناء الاحتفال بذكرى إعلان دولة إسرائيل في إلعاد.

لكن، تظل أهم نقاط الاحتكاك المستمر هي الأماكن المقدسة في القدس الشرقية ومحيطها. سواء جنين، أو الحرم الابراهيمي في الخليل، وأماكن أخرى في الضفة الغربية.

مخطط تصاعدي لحماس

يرى يونان تزوريف، الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. أن التصعيد هو نتاج مخطط لحملة تقودها حركة حماس بالتعاون مع الجهاد الإسلامي الفلسطيني والجبهة الشعبية. يقول: جيل الشباب له دور فيه لكنه لا يقوده. ويجد بشكل أساسي في مبادرة حماس وفي أجواء التصعيد أنها تخلق متنفسا لإطلاق البخار المتراكم منذ فترة طويلة. بعبارة أخرى، لا يجب أن يستنتج من مشاركة جيل الشباب في التصعيد أن هناك إجماعًا بينه وبين المنظمات الإسلامية. فيما يتعلق بالتعامل مع إسرائيل وحل النزاع.

يُضيف: في وقت مبكر من يناير/ كانون الثاني 2022. بدأت حماس في إرساء الأسس للتصعيد في رمضان. وحذرت من الاعتداء الإسرائيلي على المسجد الأقصى أو اقتحامه. وتوسيع حرية العبادة اليهودية، وصعود اليهود إلى الحرم القدسي، وتكرار ترتيب الحرم الإبراهيمي في المسجد. ففي أعقاب مذبحة باروخ جولدشتاين 1994. تم إنشاء نظام جديد بجدول زمني منفصل لصلاة اليهود والمسلمين، وهو في نظر الفلسطينيين منحاز لليهود.

يرى المحلل الإسرائيلي إن مزاعم حماس تفتقر إلى أساس واقعي. لكن هدف الحركة كان بث الروح في الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، والشتات الفلسطيني، وإسرائيل. قبل وأثناء التصعيد في رمضان. كانت سياسة إسرائيل، منذ تشكيل الحكومة الحالية في يونيو/حزيران 2021. هي تجنب أي إجراء مثير للجدل يمكن أن يقوض التحالف.

لذلك، لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية أي خطوات لتغيير الوضع الراهن. القائم في القدس الشرقية، وحول الأماكن المقدسة، خلال عملية “حارس الأسوار”. والتي بدأت في القدس وركزت على قطاع غزة. بل يبدو التصعيد الحالي الفصل الثاني في المواجهة نفسها التي اندلعت بعد إلغاء انتخابات المجلس التشريعي من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس/ أبو مازن.

حرم قرار عباس حماس من الفوز بالانتخابات وتحقيق آمالها في أن تكون جزءًا من القيادة التي تمثل القضية الفلسطينية وتقودها. ما وضع حدًا لحصرية حركة فتح في القيادة. وهي استراتيجية تم تطويرها خلال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي قوبلت محاولتها لفرض صفقة القرن على الفلسطينيين بمعارضة واسعة وتقارب بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة.

اقرأ أيضا: هل يعطل أسرى حماس الانتخابات الفلسطينية الغائبة منذ 2006؟

خطوات حماس نحو إسقاط السلطة الفلسطينية

أعاد إلغاء الانتخابات الفلسطينية حماس إلى دائرة المواجهة، ولكن بشكل مختلف عن المواجهات التي دارت حتى عام 2014. حتى ذلك الحين، كانت مطالب حماس تركز على رفع الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر، وتحسين حياة سكانها. بعد ذلك، وجدت حماس صعوبة في تبرير استمرار المقاومة المسلحة، وبدأت في تبني أساليب المقاومة الشعبية. والتي تجلت في احتجاجات شعبية واسعة النطاق

لكن الهدف الذي حددته حماس لنفسها لم يكن فقط معارضة “الاحتلال”. ولكن أيضًا -وربما الأهم من ذلك- استغلال ضعف السلطة الفلسطينية. والفشل الكامل للاستراتيجية السياسية في مواجهة صفقة القرن. أدى ذلك إلى توحيد الجمهور الفلسطيني حول أوسع قاسم مشترك ممكن، وتعميق عداءه للسلطة الفلسطينية، والسعي لتحقيق التغيير الذي فشل في تحقيقه نتيجة الانتخابات. وفق تزوريف.

يُضيف: في مايو/أيار 2021، تمكنت حماس من ربط قطاع غزة، والقدس، والمواطنين العرب في إسرائيل، عبر المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس الشرقية. وبث الأمل بين الفلسطينيين الذين يأملون في التغيير. بعد عام واحد، مع اقتراب شهر رمضان، سعت حماس لخلق حدث يحقق نتائج متساوية لهذه المواجهة. لكن العفوية التي ميزت التعبئة الفلسطينية متعددة الجبهات في عام 2021 كانت مفقودة.

لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن حماس فشلت حتى الآن في محاولتها تحقيق هدف التصعيد الرئيسي. لم تتطور جبهات أخرى للمواجهة ولم تتسع المواجهة نفسها. لكن حماس حققت إنجازات في ثلاثة مجالات.

فقد عادت القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال الدولي بعد غياب عن قمة النقب. تعاملت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مع ما كان يحدث، وكثفت معظم الدول العربية انتقاداتها لإسرائيل بشأن الأماكن المقدسة. كما أوضحت حماس ضعف السلطة الفلسطينية، وانهيار حركة فتح. بما في ذلك مؤشرات التمرد في صفوفها. كان انتقاد السلطة الفلسطينية لإسرائيل حادا. فقد اتهمت إسرائيل بالتسبب في التصعيد، وهكذا رددت السلطة رسائل حماس.