منذ سنوات، أيد العلماء الفكرة السائدة بين الناس، بأن النوم أثناء التفكير في مشكلة عويصة قد ينتهي بحلها قبل الاستيقاظ صباحًا؛ فحين ننام تنام أعضاؤنا كلها عدا الدماغ الذي يستغل الفرصة لتنظيم المعلومات وترتيب المعطيات التي تلقاها أثناء اليقظة. كما اتضح أن النوم في حد ذاته يمثل “فرصة” تُمكن الدماغ من البحث في أرشيف التجارب القديمة عله يجد حلًا جاهزًا سبق اعتماده لمشكلة مماثلة.

يقال إن قانون الطفو توصل له أرشميدس بعد استيقاظه مباشرة، وأن قانون الجاذبية وضح في عقل نيوتن بعد أن غفا تحت شجرة التفاح، ورتب مندليف الجدول الدوري بعد استيقاظه من نوم عميق.

(1)

أمس كنت أواجه مشكلة طوال النهار. أفكر كيف أحلها؟ كان أمامي حلان؛ الأول الأفضل بينهما، تعذر تنفيذه، فاضطررت إلى اختيار الحل الثاني الأقل جاذبية. ظللت بعدها غير مرتاحة للقرار، مع أن هذا هو الحل الوحيد. لكن وكأن هناك شبحا لحل آخر يحوم حول رأسي، ولا أستطيع التأكد منه. هاجس أو أحساس يخبرني أن هناك حلا آخر. لكنني أحتاج الوقت ليصلني واضحًا وأدركه.

غفوت كالمعتاد ساعة وسط اليوم، وبدأت أفيق من النوم. وفي هذه الثانية التي بين النوم واليقظة جاء الحل صريحًا وقويًا. أول شيء خطر في بالي وأنا أحرك جفني كان هو الحل الذي ظل طوال اليوم يراودني عن عقلي. كان النوم هو المرتب لأفكاري و”فنطها” جيدًا؛ فقدم الحل الأفضل على الإطلاق، والمريح لي. ليس فقط لظروفي ولكن لطبيعة شخصيتي.. كان النوم دائمًا هو علاجي حين أعجز وتنفد حيلتي. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي نجدتني فيها ساعات النوم.

(2)

منذ أيام ثلاثة نُشرت دراستان عن النوم: أولها تتحدث عن أهمية النوم مبكرًا في فترة الاختبارات للطلبة والتلاميذ. بينما الأخرى تشير إلى أهمية النوم الجيد لتقليل الوزن.

الدراسة الأولى أجرتها جامعة كوبنهاجن على عينة عشوائية من المشاركين. وقد تمّ تقديمها في المؤتمر الأوروبي لمواجهة السمنة، وفق ما ذكرته صحيفة الجارديان البريطانية. وتقترح الدراسة حسب المصدر ذاته نومًا لساعات طوال لأجل المساهمة في تقليل الوزن.

تمّ إجراء التجربة على 195 بالغًا يعانون السمنة، ويتبعون حمية غذائية ضعيفة السعرات الحرارية لمدة ثمانية أسابيع. تمكن هؤلاء من فقدان 12% من أوزانهم. وقد تم تتبع ساعات نومهم لمدة عام من خلال أدوات مراقبة يرتدونها. كما تم تتبع جودة نومهم، وفق مؤشر بيتسبورج للنوم الجيد. فضلًا عن الإجابة على بعض الأسئلة.

وتبين أن من ناموا أقل من ست ساعات في الليلة الواحدة عانوا من ارتفاع في مؤشر كتلة الجسم بـ 1.3 نقطة. ذلك مقارنة بمن ناموا مدة أكثر. والأمر كذلك لمن عانوا من ضعف جودة النوم بارتفاع قدره 1.2 مقارنة بمن لهم ظروف أفضل (غرفة نوم هادئة، سرير مريح، نوم دون انقطاع).

لم يخلص الباحثون إلى أن النوم السيئ هو العامل الأساسي في زيادة الوزن. لكنهم يقترحون أنه يؤثر سلبًا. وتشير عدة أرقام إلى معاناة كبيرة عبر العالم من ساعات نوم قليلة أو آخر سيء. ومن أسباب ذلك وفق الجارديان الاستخدام المفرط للأجهزة المحمولة والتوتر والإفراط في العمل.

تريدين تقليل وزنك؟ حسنا.. عليك أن تلتزمي التغذية الصحية ومراقبة العناصر الغذائية التي يحتاجها جسمك. كما يجب أن تمارسي الرياضة، وأيضًا أن تنامي عدد ساعات جيدة وثابتًا يوميًا.

(3)

الدراسة الثانية، وهي الأهم لمواكبة توقيت نشرها موسم الامتحانات، حيث قام بها باحثون من جامعة براون الأميركية ومركز رايكن لعلوم الدماغ الياباني. وقد توصلت إلى أن شيوع السهر ليلة الامتحان وعدم الحصول على قسط وافر من النوم يعد ممارسة خاطئة تعيق عملية التعلم بدلًا من أن تساعدها. ذلك حسب ما نشره موقع ميديكال نيوز توداي عن دورية علم الأعصاب.

ووجد الباحثون أدلة تشير إلى أن النوم يساعد الشخص على استيعاب ما تعلمه أثناء اليقظة من خلال عملية تركز بشكل خاص على التعلم. ما يعني أنه كلما زاد نوم الشخص، زاد الوقت الذي يحتاجه دماغه لمعالجة المعرفة والمهارات المكتسبة أثناء استيقاظه.

(4)

“من طلب العلا سهر الليالي”

يبدو أن مقولة الإمام الشافعي ليست دقيقة علميًا؛ فالنوم الجيد يفيد في التعلم، حتى إن الدكتورة ساساكي -إحدى القائمات على الدراسة- تعتقد وربما تأمل أن نتائج البحث يمكن أن تشجع التغييرات في كيفية حدوث التعلم في المدارس، قائلة: “يشير البحث إلى أن التعلم بعد النوم مفيد لتعلم التعزيز والحماية. ومع ذلك، إذا أدرجت المدارس قيلولة بعد كل فصل دراسي. فربما (يتم التخلص من الإيقاع اليومي). وبالتالي، فإن الفكرة المقترحة ستكون سيئة. إلا أنه إذا كان من الممكن تعديل ساعات الدراسة بحيث يصبح نوم الأطفال ليلًا أطول، فربما تكون خطوة رائعًة”.

يبدو أن الدكتورة ساساكي تشاركني أمنياتي، فدائمًا ما أجد أن استيقاظ الأطفال في ساعات مبكرة ونزولهم للشارع وهم مغمضي الأعين يزيد من كرههم في الذهاب للمدارس والتعلم، ودائمًا ما أتساءل: لماذا لا يبدأ اليوم الدراسي في العاشرة صباحًا بدلًا من الثامنة؟

موسم الدراسة يكون في الشتاء، ودرجات الحرارة منخفضة صباحًا وتتحسن مع مرور الوقت. كما أن ثقافة بدء اليوم مع نور الشمس مرتبطة بسنوات ما قبل الكهرباء والأنوار الصناعية. فلماذا لا ينعم الأطفال بزيادة ساعات النوم والبقاء قليلًا في السرير الدافئ..

(5)

دكتورة ساساكي تتمنى أن يُطبق نظام القيلولة في المدراس وهذا من الممكن تطبيقه في اليابان وبعض المدراس الأمريكية والأوروبية في حالة نجاح التجربة اليابانية، وسنظل نحن كما نحن.. نزيد من الضغط على أبنائنا أوقات الامتحانات وتدفعنا طريقة ومناهج التعليم لهذا الجنون الذي لا نسطيع أن نوقفه، جنون يُمارس علينا من مدرسين ومناهج مضغوطة ونمارسه نحن على أبنائنا. ثم تخرج علينا وزارة التربية والتعليم بإعلان في شهر رمضان يخبرنا بألا نضغط على أبنائنا في التعليم، وأن التعليم يجب أن ألا يكون حفظًا، حقا؟ وماذا عن المناهج التي تم ضغطها في الشهرين الماضيين ونلاحقها بالحفظ المستمر؟

حين رأيت إعلان وزارة التربية والتعليم؟ ظللت أردد: “أيوة نعمل إيه؟” كأولياء أمور.. ماذا يجب أن نفعل؟”.

كل ما سأفعله أن أمنح ابنتي أوقاتًا طويلة من الراحة بين ساعات الاستذكار وساعات طويلة من النوم.