عام مر على تنفيذ حكم الإعدام في وائل سعد تواضروس أو إشعياء المقاري سابقًا قاتل الأنبا أبيفانيوس، كما استقرت جهات التحقيق والكنيسة معًا على اتهامه. إلا أن تلك التهمة التي صحبتها ميتة على حبل المشنقة جعلت من الراهب المشلوح قديسًا في وعي الكثير من الأقباط الذين تزاحموا على مزار أعدته له أسرته في الذكرى الأولى من وفاته. غير عابئين بقرار المجمع المقدس الذي جرده من رهبنته ولا بحكم قضائي أدانه بالقتل ولا بتسجيل مسرب من التحقيقات للقاتل نفسه يردد “أنا مش قاتل أنا بتاع… نسوان” ضاربًا عرض الحائط بقيم الرهبنة وبتقاليد الكنيسة العريقة.
العشرات يتزاحمون على قبر المقاري في ذكرى إعدامه
مشهد العشرات يتزاحمون أمام قبر الراهب المشلوح يستدعي ما يطلق عليه مارك فلبس اللاهوتي الأرثوذكسي لحظة النزول إلى الجحيم. وهي التي تسبق القيامة في الدوجما المسيحية. يقول: هكذا تمامًا تكون لحظة الارتطام بالقاع. هي ذاتها لحظة الاستنهاض، ولا يوجد أكثر ما يعبر عن لحظة الارتطام تلك أكثر من مشاهد عبادة وائل سعد المعدوم على إثر قتله لأبيه وأسقفه إبيفانيوس في ديره ووسط رهبانه.
لا يرى مارك فيلبس مشهد تقديس الراهب المشلوح بعيدًا عما يسميه حملات تزييف الوعي التي يرى أن الشعب القبطي يتعرض لها بكثافة منذ لحظة إعلان مقتل الأنبا ابيفانيوس. يوضح: حملات تخرج كلها من دوافع غسل سمعة القاتل من قِبَل أخيه وأصدقائه الرهبان الذين ابتذلوا قيم الرهبنة، على حد تعبيره.
مارك يرى أن ما يجري ربما يستخدم كمادة غنية يتم تخزينها لاستغلالها لاحقًا كوجه من وجوه الاستثمار في جمع التبرعات في المزارات وبيع كتب المعجزات وربما الحنوط إذا لزم الأمر مستنكرا: كل هذا يحدث تحت أعين الكنيسة وأمام كافة الجهات الشريكة في استلاب وعي وروحانية وتاريخ الشعب القبطي.
خطوات الاعتراف بالقديسين كنسيًا
إذ لم تكن الكنيسة تتخذ خطوات للاعتراف بالقديسين كما يحدث الآن. وكان الأمر يستلزم قرارًا من المجمع المقدس.
تشير كنيسة الروم الأرثوذكس في موقعها الإلكتروني: الشيء الوحيد الذي كان له أهمية هو الإيمان المستقيم للشهيد أو المعترف. ليس عندنا أي شهادة عن اعتراف بقديس من قبل السلطة الكنسية.
وهي تؤكد أن الأوائل الذين اعترفت الكنيسة بقداستهم كانوا الشهداء وكانت قبور الشهداء تُزار، ورفاتهم تُكرم. وكانت الذكرى السنوية لاستشهادهم محفوظة في روزنامة الكنيسة المحلية. وبعد الاعتراف بالمسيحية أصبح التعبير عن إكرام القديسين أوضح. كما بُنيت الكنائس والمزارات فوق قبورهم وكتبت الصلوات المناسِبة للتشديد على فضائلهم.
تقديس إشعياء في العقلية القبطية
في المقابل يعتبر مارك فلبس أن تقديس إشعياء المقاري القاتل المعدوم لا يعبر فقط عن التقديس المَرَضي وغير المسيحي للإكليروس من رجال الكنيسة وحسب. بل يُعبر في معناه الأقصي عن أقسى قوى النفس القبطية دنسًا وارتدادًا للوثنية. ويضيف: إشعياء المقاري هو شخصية بحث عنها الأقباط كثيرًا إلى أن وجدوها أخيرًا فيمن أضاع على الكنيسة فرصة لم تكن تحلم بها. وهو تأسيس حركة انفتاح الكنيسة على المسيحية العالمية على يد الأنبا ابيفانيوس. مضيفًا: اغتال إشعياء البُعد المسكوني الوليد واغتال معه مؤسسة كنسية مغايرة عن تلك التي دشنها المجمع وبطريركه على مدار أربعين عامًا مضت.
يضع مارك قضية تقديس إشعياء المقاري في تصوره عن رغبة الأقباط في الشعور بالمظلومية متسائلًا: ماذا يحب القبطي؟! نشوة الشعور بالاضطهاد والمظلومية والمجالس الكربلائية بلا كربلاء؟!! يجد القبطي تحقيقًا لهذه اللذة في سردية تآمر الأمن المصري لتلفيق القضية للراهب القديس، شفيع المظلومين الغلابة، المضطهدون دومًا حتى وإن تلاشت أمارات الاضطهاد.
بين المظلومية والاضطهاد.. كيف يبرز إشعياء المقاري؟
يرد مارك ما جرى في واقعة إشعياء المقاري إلي واقع يعيشه الكثير كم الأقباط حاليًا. فيقول: ماذا يبحث القبطي عن السوبرمان، الرجل الكبير الذي يخرق بجسده كل حدود الفيزيقا. يُكسِّرها على أدمغة العالم لصالح هذا القبطي المستضعف المسكين. يصلي ويشفي ويصنع المعجزات ويتحكم بالوقائع ويتجاوز عجلة التاريخ.
في الواقع، تظل الذات القبطية في حالة بحث مستديمة عن هذا السوبرمان. سواء كان في شخص إشعياء أو قداسة المتنيح البابا شنودة أو أي شخصية أخري في أي تاريخ وداخل أي سياق. شريطة أن يكون صاحب تلك العباءة السوداء الفضفاضة التي تلملم أشتات الجسد القبطي الممزق وتحتويه، وفق مارك.
كانت الكنيسة القبطية بأبوتيج مسقط رأس وائل سعد تواضروس أو إشعياء المقاري قد استقبلت جثمان الراهب المشلوح والبسته الزي الكهنوتي. وقد أقامت له جنازة بإحدى كنائسها. وهو ما اعتبر مخالفة لقرار لجنة شئون الرهبنة في الخامس من أغسطس عام 2018، وقبل إدانته رسميًا بحكم المحكمة. وذلك على خلفية ارتكابه مخالفات رهبانية تسبق جريمة القتل
تعود وقائع القضية إلى العام 2018 حين استيقظ رهبان دير القديس الأنبا مقار بوادي النطرون على جريمة مقتل الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس الدير. وبعد عدة تحقيقات استقرت النيابة على توجيه الاتهام إلى إشعياء المقاري. وقد جردته الكنيسة من رهبانيته لترده إلى اسمه العلماني وائل سعد تواضروس. بالإضافة إلى زميله فلتاؤس المقاري الذي تم اتهامه بمعاونته في القتل ولكن تم الحكم عليه بالمؤبد بعدما تم تخفيف الحكم في محكمة النقض.