أطلق مجموعة من النشطاء بيانًا حول دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني، تحت عنوان “في مصر: جدية ونجاح أي حوار يتطلب توجهات وتدابير جادة من الدولة لبناء الثقة”. بينما أشاروا إلى تلقيهم الدعوة بـ”مزيج من الترقب والحذر”. لكن التفاؤل أيضا لم يغب عن حديث البعض.
أظهر البيان اختلافًا داخل المجتمع المدني في الاستجابة لدعوة الحوار مع الدولة. يمتزج بالترقب. فذكر البيان أن التصريحات الصادرة عن الرئيس تأتي في وقت لا يزال المعارضون يتعرضون للتضييق في ممارسة حق التعبير السلمي عن الرأي أو ممارسة الحق في التنظيم، وفي التجمع السلمي وتداول الآراء والمعلومات.
أقر الموقعون والموقعات على البيان بأن الدعوة للحوار قد تمثل متنفسًا، وفرصة لكسب قدر ما من العدل، وإنفاذ القانون، يساعد في تخفيف معاناة بعض المحتجزين في السجون. لكنهم عبّروا عن “تخوفهم من الانحراف بالحوار المرتقب إلى شخصنة القضايا والإفراجات المتعلقة بها. بدلًا عن الاتفاق على إجراءات بجدول زمني محدد، لمواجهة الأزمة الأكبر التي تعيش مصر في ظلالها. بسبب اعتماد التضييق كوسيلة بديلة للنقاش والحوار”، وفق البيان.
اقرأ أيضا: القوى المدنية تطرح رؤيتها للحوار مع السلطة.. تفاصيل كاملة
10 إجراءات لبناء الثقة
أوضح الموقعون على البيان أيضًا أن أي حوار سياسي ذو معنى، لابد وأن تسبقه وتتوازى معه سلسلة من الإجراءات والتدابير الجادة، لبناء الثقة بين السلطة الحاكمة، وباقي مكونات المجتمع السياسي والمدني المصري. يتصدرها الوقف الفوري والكامل لكل أشكال الاحتجاز التعسفي. المصادر لحرية الرأي والتعبير، والاختفاء القسري، وإجلاء مصير المختفين قسريا. والإفراج الفوري عن كل المسجونين في قضايا تتعلق بحرية الصحافة، والتعبير السلمي عن الرأي.
كذلك الوقف الفوري لاستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة. وإطلاق سراح كل المحبوسين والمحبوسات احتياطياً، الذين تجاوزت مدة حبسهم الاحتياطي ستة شهور ولم يتم إحالتهم للمحاكمة. والتوقف عن توظيف قوانين مكافحة الإرهاب، بما فيها الإدراج على قوائم الإرهاب للتنكيل بالمعارضين.
وإلغاء وحفظ كافة القضايا التي مر عليها عامان بدون إحالة للمحاكمة. وإلغاء ما ترتب عليها من آثار، تشمل إجراءات المنع من السفر، أو التحفظ على الأموال والممتلكات.
أيضا الوقف الفوري لتنفيذ أحكام الإعدام، وتعليق تحويل المدنيين للقضاء العسكري إلى أن يتم إجراء التعديلات التشريعية اللازمة لمنع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
اقرأ أيضا: “الحركة المدنية الديمقراطية” تطالب بـ 7 إجراءات ضامنة لإنجاح الحوار السياسي
وتطرقت المطالب لتشكيل لجنة قضائية مستقلة بمشاركة المجلس القومي لحقوق الإنسان، وخبراء من المنظمات الحقوقية المستقلة. للتحقيق في وقائع التعذيب، والقيام بعملية تقييم للأحكام القضائية التي صدرت منذ 24 يوليو/تموز 2013. في كل القضايا ذات الطبيعة السياسية التي صدرت فيها أحكام أو الجاري نظرها. والتعهد بإعادة محاكمة كل القضايا التي صدر فيها حكم من محكمة أمن الدولة طوارئ، أو صدر فيها حكم عسكري ضد مدنيين. مع تعليق إحالة قضايا جديدة لهاتين المحكمتين.
نبه الحقوقيون كذلك على وقف كافة أشكال التضييق على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان. بما فيها الملاحقات القضائية، وإغلاق الشق الثاني من القضية 173. الخاصة بمنظمات حقوق الإنسان المصرية، وما ترتب عليها من آثار.
الى جانب تحسين ظروف السجون المصرية، وخاصة الرعاية الصحية فيها بشكل فوري. وإنهاء الإجراءات التعسفية في مواجهة السجناء، وعلى رأسها عقوبة الحبس الانفرادي. والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بتقصي أوضاع السجون المصرية، والوقوف على حالة السجناء. كذلك السماح للمنظمات الحقوقية المصرية والدولية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان. بزيارة السجون.
ولفت بيان الحقوقيين إلى ضرورة منع وتجريم اعتقال أهالي المطلوبين كأداة للابتزاز والانتقام، والإفراج الفوري عنهم. مع التوقف الكامل عن استخدام إسقاط الجنسية المصرية كأداة عقابية، أو كأداة لابتزاز المعتقلين والمعتقلات. وحق كل من أجبروا على التنازل عن جنسيتهم باستعادتها. وحق كل من أُبعد عن وطنه نفيا، أو تحت وطأة التهديد بالبطش، في العودة الآمنة دون شروط.
وشملت المطالب رفع القبضة الأمنية عن مختلف وسائل الإعلام، ووقف التعديات على حرية الصحافة وترهيب الصحفيين. ورفع الحجب عن المواقع الإخبارية، والتي يبلغ عددها نحو 650 موقعا إلكترونيا. بما يخلق مناخا من حرية التعبير، ويسمح بإثراء الحوار السياسي والمجتمعي.
احترام الدستور والقانون
يقول المحامي والحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهو واحد من الموقعين على البيان إن “ما يطرحه البيان يمثل مطالب أقرب إلى الخطوات التي كنا قد طرحناها مسبقًا. فضلًا عما أضيف لها بعد مرور عام كامل. فهناك خطوات كان لابد من حدوثها، وليس مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي”.
يُضيف عيد في تصريحاته لـ”مصر 360″، أن السلطة مخيرة بين إما أن تحترم الدستور والقانون، وأن تبدأ حوارًا على أسس جادة أو لا. فالأمر غير قابل للتعتيم عليه، والا سيبدو الأمر وكأن الدولة ومؤيديها يحاورن أنفسهم. فالإجراءات المنوه عنها سلفا لا بديل منها.
لا خلافات حقيقية بين الأحزاب والحقوقيين
وبنغمة مختلفة لا يرى رئيس حزب الدستور السابق خالد داوود اختلافًا جليًا بين هذا البيان والآخر الذي سبقه وصدر قبل أيام عن الحركة المدنية الديمقراطية، وكان داوود نفسه أحد الموقعين عليه. و يُشير إلى أن البيانين وما يتضمناه من مطالب غير متعارضين.
يقول داوود لـ”مصر 360″: “من حق الجميع أن يتحدث عن رؤيته ومطالبه. أرى أن دعوة الرئيس للحوار هي دعوة إيجابية، بغض النظر عن أي ملاحظات. فقد حركت المياه الراكدة، وخلقت حالة من النقاش. هناك وجهات نظر مختلفة حول ترتيب الأولويات، وما هو متاح أو غير متاح. لكن في النهاية هي وجهات نظر.
يُضيف: “من وقعوا على البيان شخصيات أعرفها جيدا وأحترمها ووجهات نظرها. حتى وإن كان بعضها مختلفًا عن البيان الذي جاءت به الحركة المدنية، فكل من الطرفين له أولوياته. الموقعون على البيان يتحدثون باعتبارهم شخصيات مستقلة ونشطاء في مجال حقوق الإنسان. أما بيان الحركة المدنية فيعبر عن ممثلي أحزاب بشكل أو آخر”.
اقرأ أيضا: جمهورية تتسع للجميع| البرلماني السابق محمد عبد الغني: الحوار الوطني يعيد الاعتبار للعقل الجمعي
أشار داوود كذلك إلى اتفاق الجميع في العديد من النقاط. مثل الإفراج عن السجناء، والحريات، وانفراجة إعلامية تمنع حجب المواقع. هناك مساحة واسعة من الاتفاق مع وجود خلاف حول ترتيب الأولويات أو ما هو متاح ليمكن البدء به أولاً.
ويؤكد عيد ما قاله داوود بشأن تعدد الآراء والرؤى. فيقول: “هناك من أعلنوا مطالب أقل وهم يعبرون عن أنفسهم، ونحن نعبر عن رأينا. وهذه طبيعة الأمور. لا يوجد توحد وإنما تنوع وتعدد. والكل يصب في اتجاه دعم الديمقراطية وسيادة القرار”.
السادات: هناك من يستبق الأحداث
أمّا عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والبرلماني السابق، محمد أنور السادات. فيرى أن هناك من يستبق الأحداث، فبينما بدأت المطالبات والمطالب، لم يتضح بعد شكل الحوار الذي دعا إليه الرئيس.
يقول: “البيانات تصدر من هنا ومن هناك. وهناك من يساهم في أن تأخذ الأمور طريقا غير المرجو منها. العديد يجتهدون الآن، سواء بحسن نية أو بسوء نية”.
ويلفت السادات إلى أنه حتى الآن لم تصل أحدا أي دعوات للحوار، ولا أجندة لهذا الحوار “بل لم يتضح بعد. هل سيكون الحوار سياسي أم حوار وطني يشمل جميع أطياف المجتمع المصري. حتى الآن أرى أن كل هذه اجتهادات، وأننا يجب أن ننتظر ولا نسبق الأحداث.
يؤكد لـ “مصر 360”: “جميعنا رحبنا بالحوار وتفاءلنا به. لكن لا أحد يعرف تفاصيله أو يعرف أي شيء. لذلك، أنا مندهش من الذين إما يضعون شروطا، وكأن البلد لازالت في حالة ثورة أو فوضى ويتصورون أنهم يأتون للقيم بعملية إنقاذ”.
القضايا الاجتماعية
الموقعون على البيان الأخير أكدوا أيضا أن أي حوار وطني لابد وأن يتسع لتناول التحديات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، التي يمر بها المجتمع المصري، والتي تشمل:-
مراجعة شاملة لكافة التشريعات المقيدة للحقوق والحريات العامة. وضمان استقلال السلطة القضائية، وتهيئة المناخ السياسي. استعدادا لإجراء انتخابات برلمانية ومحلية، حرة ديمقراطية وتنافسية شفافة. ينتج عنها مؤسسات تمثيلية معبرة عن الشعب المصري، ومتحررة من الوصاية الأمنية على تشكيلها.
كذلك مراجعة وتقييم السياسات والإجراءات التي أدت إلى فرض نمط تمييز اقتصادي واجتماعي مجحف بالطبقات الدنيا والوسطى، وأدت إلى ارتفاع معدلات الدين الخارجي والداخلي، لمستوى غير مسبوق في تاريخ مصر.
وإعادة تقييم جدوى كافة المشاريع الإنشائية الكبرى الجارية، خاصة تلك التي لم تجر لها دراسات جدوى مسبقة. والعمل على تطوير بيئة اقتصادية شفافة مواتية للتوسع في الاستثمار، وفي خلق فرص عمل جديدة ومنافسة عادلة. ما ينعكس إيجابيا على أوضاع المصريين المعيشية.
كما تطرقوا لضرورة بحث ملفات السياسة الخارجية ذات الانعكاس المباشر على المصالح الحياتية للمصريين. وعلى المكانة الإقليمية والدولية لمصر. يأتي في مقدمتها حقوق مصر في مياه النيل، والموقف من سد النهضة في إثيوبيا. وموقف السياسة الخارجية المصرية من القضية الفلسطينية، والحرب الروسية- الأوكرانية.
وشدد الموقعون على أن التمثيل في الحوار الوطني يجب أن يتسع لكافة أطياف المعارضة السياسية. بما يشمل ممثلين عن المحتجزين والمحتجزات “الذين دفعوا أثمانا غالية للدفاع عن الحق في التعبير”. بالإضافة لممثلين عن المعارضة المصرية “التي تكونت في المهجر بفعل سياسات النظام”. وإشراك ممثلي هذه الأطراف مع ممثلين عن الأحزاب المصرية، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة. في الترتيب لهذا الحوار الوطني المرتقب وتقرير أجندته.
اقرأ أيضا: 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة
الجوهر أهم
كانت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني قد جاءت خلال حفل إفطار “الأسرة المصرية” في رمضان المنصرم. لكن إفطار هذا العام شهد حضور وجوه عدة من المعارضة. أبرزهم المرشح السابق حمدين صباحي، ورئيس حزب الدستور السابق خالد داوود -الذي كان مسجونا حتى العام الماضي- ووزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة. ورئيس حزب الكرامة محمد سامي، وهو ما يعد غير مسبوق في مثل تلك الاحتفالية.
مع ذلك، يُشير جمال عيد في حديثه لـ “مصر 360”. إلى أن الصورة لإعلامية التي صدرتها الدولة لا تحقق أفعالا. وأن المطالب التي تضمنها البيان ليس من الصعب تنفيذها كبادرة فعلية من قِبل الدولة “لا يهم شكل الاستجابة ولكن المهم الجوهر. أية إجراءات لن تتطلب ميزانيات أو إجراءات طويلة. بل مكالمات تليفونية تطالب باحترام القانون والإفراج عن الأبرياء. ليس هذا صعبًا على الدولة التي تملك كل شيء”.
يقول: عدد من طالهم العفو الرئاسي كان محدودًا للغاية. وهناك بعض من تم العفو عنهم وهم لا يزالون في الحبس الاحتياطي. موصفا الأمر بأنه “إهانة للسلطة القضائية”. أضاف: “أنا محام، وأعرف أن المحبوسين احتياطيًا لا سلطة للدولة -السلطة التنفيذية- عليهم، وإنما خروجهم من الحبس من عدمه هو أمر يخص النائب العام. وكون هذه الحالات تخضع لغير القانون يجعل الأمر يشبه “خناقة في الشارع”.
وتابع عيد: صلاحيات رئيس الجمهورية بالعفو تجوز لمن تم الحكم عليهم بشكل نهائي. وهؤلاء محدودين جدا ممن تم الإفراج عنهم. لكن، من المعروف الآن أن مصر سجلها الحقوقي صار مخجلًا. وإلا لم يكن بعض رجال النظام يلجأون إلى شركات علاقات عامة أجنبية لتحسين صورة مصر بالخارج. فقد انحدر مؤشر حرية التعبير، لتصير مصر هي الأسوأ في العالم العربي وبين الأسوأ في العالم.
الإسراع بإطلاق الحوار
لا يُبدي رئيس حزب الدستور السابق خالد داوود قلقًا من تعدد المطالب والبيانات التي أطلقت في أعقاب دعوة الرئيس للحوار. متمنيا أن تكون الدولة لديها سعة الصدر لكل هذه الآراء “لا يمكن لأحد أن يتحدث بالنيابة عن الدولة. لكن، نحن كنا نمر بمرحلة راكدة خلال السنوات السابقة. وجاءت دعوة الرئيس للحوار وحركت هذا الركود، وبدأ الجميع يُدلي برأيه”.
وأعرب داوود عن ثقته في أن الرئيس السيسي كان جادًا عندما بدأ دعوة الحوار. وأن الدولة راغبة في فتح صفحة جديدة مع المعارضة “ونحن كممثلي لأحزاب الحركة المدنية. طرحنا مجموعة من الرؤى لإنجاح هذا الحوار والقضايا التي نحتاج لطرحها. وهناك قوى أخرى تأتي لتطرح وجهة نظر أخرى، وهذه هي الحالة المرجوة من النقاش العام في أعقاب إطلاق دعوة الحوار”.
تابع: لكن المهم أن يحدث حراك. أتطلع للإسراع بإطلاق الحوار. وقبل هذا، أرجو -كعضو في الحركة المدنية وكسجين سابق قبل كل شيء- أن يتم تحسين الأجواء وتشجيع الجميع على المشاركة وخلق خلفية لهذا. أول خطوة ستكون بإطلاق سراح المزيد من السجناء. سواء المحبوسين احتياطيًا، أو ممن صدرت ضدهم أحكام بالفعل. هذا هو ما سيجعل الجميع مقبلين على الحوار.
وأكد داوود: بعد هذا كل شيء مطروح للنقاش، ونبدأ في ترتيب الأولويات. لكن هناك مطالب يمكن القول بأنها سريعة وعاجلة، منها إطلاق سراح المسجونين، وتخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير في الصحافة والإعلام، ومنع حجب المواقع. كل هذه الأمور ستكون مشجعة لتبادل وجهات النظر.
المطالبات الأخيرة أقرب لنتائج وليس مقدمات
يرى محمد أنور السادات أن كل النقاط المطروحة في البيان “يُمكن أن تكون نتائج للحوار وليس مقدمات أو شروطا لبدئه”. لافتًا إلى أن الحوار ليس فقط من أجل المحبوسين احتياطيا، مثلًا، وإنما يشمل العديد من الأمور الأخرى. يقول السادات: نحن نرسي قواعد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. من حيث مشاركة حقيقية للمصريين بمختلف توجهاتهم في القرارات المتعلقة بالمستقبل وغيرها. لكن قصر الأمر على بند واحد دون غيره، بعيد عن الصورة الأشمل والأعم لمستقبل البلاد.
وأكد السادات أن الدولة جادة ولديها إرادة لأن تستمع وتتحاور مع فئات مختلفة تمثل الشعب. سواء في الأحزاب أو النقابات أو المجتمع المدني أو المثقفين “لذلك كما قلت. علينا جميعًا أن ننتظر. وكل من لديه فكرة أو رؤية سيأتي وقت ليطرحها. نحن لا نتحدث هنا عن السياسة فقط. بل هناك الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية والثقافية. وهذا ما نأمله”.