فيما يبدو أنه انفراجة ستطال العلاقات المصرية التركية، خلال الفترة القريبة المقبلة، بدأت أنقرة تحركات تبدو جدية على صعيد الملفات التي تعيق استعادة العلاقات بين البلدين، وفي مقدمتها ملف الإخوان المقيمين على أراضيها، والقنوات الفضائية التابعة لهم والتي تبث من إسطنبول.

آخر المؤشرات المعلنة من جانب أنقرة، كانت غلق فضائية “مكملين”. وقد ظلت خلال السنوات الماضية شوكة في خاصرة العلاقات بين البلدين. ذلك بسبب المحتوى الذي كانت تقدمه، قبل أن تجبرها السلطات التركية نهاية العام الماضي على تغيير خطابها وسياستها التحريرية تجاه مصر، حتى اتخذت القرار النهائي بوقف بثها وغلق مقراتها هناك.

خروج “مكملين”

في التاسع والعشرين من إبريل/نيسان الماضي، قالت إدارة القناة، في بيان نشرته عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه “نظرًا للأوضاع التي لا تخفى على أحد، وحرصًا على استمرارية رسالة القناة الإعلامية، فقد قررت إدارة القناة نقل بثها وستوديوهاتها وكافة أعمالها إلى خارج تركيا، لتنطلق انطلاقة جديدة في كل ميادين العالم”.

الخطوة التي أعلنتها إدارة القناة جاءت بعد مطالبة من جانب السلطات التركية بالخروج الفوري من البلاد، ووقف نشاطها تمامًا من على الأراضي التركية.

الإخوان يغادرون تركيا

الخطوة الأخيرة الخاصة بإغلاق فضائية “مكملين”، ومن قبلها منع قيادات الإخوان المقيمين على الأراضي التركية من ممارسة أنشطة تتعرض للمصالح المصرية، ومنع قيادات ورموز الجماعة من التحريض على مصر ورموزها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رافقتها خطوات أخرى لم يعلن عنها.

اقرأ أيضًا: مصر وتركيا.. استكشاف بطيء لملفات معقدة

خلال الشهر الماضي فقط، بدأ عدد من قيادات ورموز وأعضاء الجماعة المقيمين في تركيا مغادرتها. وقد أشيع أن هذا القرار جاء بناءً على توجيهات من السلطات هناك. فيما فهم منه أنه إشارة عن قرب إتمام الزيارة المؤجلة لوزير الخارجية المصرية إلى تركيا.

ووفقًا لمصادر، فإن تركيا توسعت مؤخرًا في منح الجنسية التركية لأعضاء الجماعة الموجودين على أراضيها ممن انتهت صلاحية أوراقهم الثبوتية، ولم يتمكنوا من تجديدها، أو أولئك الذين وصلوا للأراضي التركية عبر طرق غير رسمية.

وزيرا خارجية مصر وتركيا
وزيرا خارجية مصر وتركيا

بالبحث في دلالة الخطوة التركية، يبدو واضحًا أنها تأتي حتى يتثنى لهؤلاء الخروج من الأراضي التركية إلى دول أخرى بهويات تركية، لتحقيق هدفيين أساسيين؛ أولهما الاستجابة للمطالب المصرية بشكل جزئي بشأن التضييق على أنشطة الجماعة وأعضائها، وثانيهما هو عدم التقيد بتسليم أيا من هؤلاء إلى مصر، بعدما تقدمت القاهرة بطلبات لتسليم أعضاء بالجماعة يقيمون في تركيا صدرت بحقهم أحكام في قضايا عنف في مصر.

مؤشرات إيجابية

في مارس الماضي طلبت السلطات التركية من أحد العناصر الإخوانية مغادرة أراضيها بعد مخالفته لتعليماتها وبثه لفيديوهات منتقدة لمصر والنظام السياسي.

وأعلن ياسر العمدة الناشط الإخواني مغادرته الأراضي التركية، بعد طلب السلطات منه ذلك، على إثر فيديوهات بثها على صفحته على مواقع التواصل ينتقد فيها مصر والنظام.

ما حدث مع الناشط الإخواني يضاف إلى ما كشفت عنه تقارير تركية مؤخرًا، بشأن تسمية الدبلوماسي البارز صالح موتلو شين سفيرًا لبلاده في مصر، بعد 9 سنوات من شغور المنصب. وهي الخطوة التي تشير إلى تقدم كبير في ملف عودة العلاقات بين البلدين، وسط الحديث داخل أروقة الدبلوماسية المصرية عن شمول أنقرة ضمن الحركة الدبلوماسية المصرية الجديدة، والمقرر لها الربع الأخيرة من العام الحالي.

هل استجابت تركيا لمصر رغبة في استعادة العلاقات؟

تسلسل الأحداث مؤخرًا، يكشف أن المطلب العاجل من جانب الأجهزة التركية لإدارة القناة، ربما جاء كرسالة واضحة للمسئولين في مصر، بتقديم أنقرة بوادر حسن النية. وهو ما يمثل محاولة لبناء الثقة. خاصة بعدما أعلن وزير الخارجية التركي تشاويش مولود أوغلو منتصف إبريل/نيسان الماضي أن نظيره المصري سامح شكري سيزور إسطنبول قريبًا، دون أن يكشف عن الموعد الدقيق للزيارة.

اقرأ أيضًا: مصر وتركيا.. هل تحركت عجلة التقارب؟

قال أوغلو في الثالث عشر من إبريل/نيسان الماضي: “سألتقي وزير خارجية مصر على مائدة الإفطار في إسطنبول، خلال رمضان الحالي، إذا لم يكن هناك أي طارئ”.

تأكيد الوزير التركي على أن اللقاء مرهون بعدم “حدوث طارئ”، يشير إلى أن هناك مطالب مصرية يتوقف اللقاء أو أي خطوات تقاربية جديدة عليها.

ملفات عالقة تعرقل عودة العلاقات

وفقًا لمصادر دبلوماسية في مصر، فإن تركيا عرضت مرات عدة خلال الفترة الماضية استئناف اللقاءات الاستكشافية مع مصر. إلا أن تلك الدعوات كان يتم الرد عليها بالإرجاء، ودون توضيح أسباب محددة. لكن الأمر ربما يحال إلى كون مصر حددت مجموعة من المطالب والشروط لاستئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة. وقد تجاهلت الأخيرة التعامل مع هذه المطالب بالشكل الذي يرضي المسؤولين في مصر.

وتتضمن الشروط المصرية ملفين رئيسيين؛ الأول هو ملف التواجد الإخواني في تركيا. فضلًا عن ممارستهم أنشطة تحريضية تضر بالمصالح المصرية. ذلك إضافة إلى ملف التواجد العسكري التركي في ليبيا. وأيضًا المرتزقة السوريين الذين يعملون تحت إمرتها في غرب ليبيا.

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد أكد في سبتمبر الماضي على أن “العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا يمكن أن تعود إذا تم التغلب على القضايا العالقة بين البلدين”. وكان ذلك خلال ذروة الحديث عن المساعي التركية لعودة العلاقات مع مصر.

وقال مدبولي خلال حوار مع “بلومبرج ” الأمريكية وقتها إن مصر “حريصة على إيجاد حل” وصيغة لإعادة العلاقات الطبيعية مع أنقرة، مشيرًا إلى أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به.

التدخل التركي المزعج لمصر في ليبيا

حديث مدبولي لم يخل من الإشارة إلى الشروط المصرية لعودة العلاقات. قال: “إنه عندما تشعر مصر بالرضا عن حل القضايا العالقة، فإن الباب سيفتح أمام مزيد من التقدم”. وبينما أشار إلى “الكثير من الحركة في الأشهر القليلة الماضية”، أضاف: “لكن هناك بعض القضايا العالقة“.

وأوضح أن إحدى القضايا الرئيسية لمصر هي تدخل تركيا في ليبيا. وأضاف: “نود أن يحدد الليبيون مستقبلهم، ولا ينبغي أن تتدخل دول أخرى في ليبيا، أو تحاول التأثير على صنع القرار فيها”.

اقرأ أيضًا: التبادل التجاري بين مصر وتركيا.. هل يحكم الاقتصاد مصير الأزمة الليبية؟

وقد سبقت تصريحات مدبولي إشارات من الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين. والذي قال في مقابلة مع وكالة “بلومبرج”: “إنه يمكن فتح فصل جديد في علاقتنا مع مصر ودول الخليج، للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين”.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن هناك فرص تعاون كبيرة بين بلاده ومصر في شرق البحر المتوسط وليبيا. وأكد أن الاتصالات مع الجانب المصري تتوسع.

تهدئة تركية وإشارات رئاسية

في أعقاب ذلك، أصدرت تركيا توجيهات لإدارات 3 فضائيات مصرية محسوبة على الإخوان، أوامر بالتزام التهدئة في انتقاد مصر وقيادتها. وكذا وقف برامج سياسية في فضائيات وطن والشرق ومكملين. مع تحديد حركة وأنشطة عدد من الإعلاميين المحسوبين على الإخوان في تركيا. وهي الخطوة التي وصفها وزير الدولة المصري للإعلام السابق أسامة هيكل وقتها بأنها “بادرة جيدة”.

وكانت مصر وتركيا عقدتا العام الماضي لقاءين دبلوماسيين “استكشافيين” على مستوى نائب وزير الخارجية في القاهرة وأنقرة. وكان ذلك خلال مايو وسبتمبر 2021. وهي الخطوة التي كانت بمثابة تطور هو الأول من نوعه منذ قطع العلاقات في أعقاب سقوط حكم الإخوان في مصر.

في أعقاب ذلك، أعلنت وزارتا الخارجية التركية والمصرية تجديد رغبتهما في اتخاذ خطوات إضافية من شأنها تعزيز مساعي تطبيع العلاقات بين البلدين.

ختامًا يمكن القول أن التعامل المصري مع الخطوات التركية الأخيرة يشير إلى توجس وشكوك مصرية. وهي في حاجة إلى مزيد من الخطوات التي تحمل تطمينات للقيادة المصرية بشأن استعادة العلاقات. وذلك بشكل يضمن عدم تحول الأراضي التركية مرة أخرى لمنصة هجوم ضد مصر ومصالحها. خاصة وأن تطبيع العلاقات بين البلدين قد يقود إلى مشروعات من شأنها تغيير وجه المنطقة. لعل أبرزها ما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط، ومشروعات الطاقة بها.