بأوامر البنك المركزي وسياسات الدولة للحفاظ على الدولار الأمريكي والاحتياطي النقدي يواجه المستوردون في مصر أزمة. فقد أصدر قطاع الرقابة والإشراف بالبنك المركزي توجيها للبنوك يحمل رقم 831 في 26 أبريل الماضي بعدم استخدام العملات الأجنبية التي يوفرها العملاء من مصادر غير معلومة أو عبر شركات صرافة في فتح اعتمادات مستندية.
وحال ورود حوالة للعميل من أحد البنوك الأخرى يجب التحقق من المصرف المُحوِل من أن مبلغ الحوالة ناتج عن نشاطه الأساسي لإمكان استخدام المبلغ في تدبير وتنفيذ العمليات الاستيرادية له. وإذا كان من مصدر غير نشاطه الأساسي فلا يتم فتح اعتمادات له.
البنك المركزي وتعطيل المستوردين
حتى الموارد الذاتية للعملاء بالعملات الأجنبية التي يمكن استخدامها في تنفيذ العمليات الاستيرادية تتمثل فقط في الموارد بالعملة الأجنبية الناتجة من النشاط الأساسي للعملاء. في خطوات لاقت تحفظات من المستوردين. وحذروا من تقليص قدرتهم على الاستيراد وتوفير منتجات تحتاج إليها السوق المحلية.
جاء توجيه البنك المركزي بعد شهر من قراره بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ جميع العمليات الاستيرادية. والعمل بالاعتمادات المستندية فقط. والذي واجه ردود فعل رافضة من المؤسسات والشركات العاملة في التجارة والصناعة. التي قالت إنها سترفع أسعار السلع في السوق المحلية وتضر بالقدرة التنافسية للصادرات المصرية.
تعتمد الاعتمادات المستندية على تسلم المُصدر قيمة البضاعة المصدرة بمجرد تنفيذه للشروط الواردة في الاعتماد المستندي. كما أن المستورد يعلم أن البنك صاحب الاعتماد لن يدفع قيمة البضاعة إلا بعد التأكد من تنفيذ الشروط المتفق عليها والواردة في الاعتماد المستندي. أما مستندات التحصيل فتقوم على الثقة بين المصدر والمستورد نتيجة لتعامل سابق بينهما. ودور البنك فيها سواء عند المستورد أو المصدر لا يتعدى إرسال وتسليم المستندات الخاصة بالرسائل. وتحويل قيمة الرسالة دون التدخل في المواصفات الخاصة بالبضائع.
وأكدت غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات باتحاد الصناعات أن الصناعة المصرية عانت خلال الشهرين الماضيين من صعوبات شديدة في توفير خامات التصنيع. حتى بات عدد كبير من المصانع مهدد بالتوقف. ما هدد بتوافر المنتجات في السوق المحلية وأيضا الالتزام بالتعاقدات التصديرية في مواعيدها دون تأخير. ولفتت إلى أن الصناعة المحلية لديها فرص في تحقيق أرقام صادرات إيجابية بشرط توافر خامات الإنتاج واستقرار العملية الإنتاجية، كما قدم مصنعو الكيماويات والأسمدة مذكرة لوزيرة التجارة والصناعة يطالبون فيها بالتدخل لاستثناء الشركات الصناعية من تطبيق قرار وقف التعامل بمستندات التحصيل في جميع العمليات الاستيرادية.
التحصيل المستندي ينقذ الصناعة المحلية من الهاوية
أيام فقط من تطبيق القرارات الجديدة كانت كفيلة بإحداث أزمة للمصانع العاملة في السوق المحلية. خاصة أن مصر تستورد بين 45 و60% من المادة الخام والسلع الوسيطة والرأسمالية التي تدخل في المنتج النهائي. وبدأت عدة مصانع بالفعل تحذر من نقص شديد في المواد الخام وتحذر من توقفها بما يحمله من تأثير على الدولة في رفع البطالة وتقليل الربحية وبالتبعية تخفيض الحصيلة الضريبية.
ومع المخاوف من التداعيات غيرت الحكومة أمس الثلاثاء قواعد الاستيراد بالنسبة للسلع الوسيطة فقط. ليتم العودة لمستندات التحصيل بعد تراجع المعروض من مستلزمات الإنتاج وتوقف خطوط الإنتاج ببعض المصانع وتوقعات بارتفاع أسعار السلع بسببها. في خطوة لاقت تأييدًا من المصنعين ومستوردي السلع الوسيطة ومطالب من مستوردي السلع تامة الصنع بضمهم لها.
وتؤكد الدراسات أن الواردات من السلع الوسيطة والرأسمالية تؤدي إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي. ومن ثم فإن تخفيض الطلب على تلك النوعية من الواردات يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي للدول. بجانب نمو نصيب الفرد من الدخل في جميع الدول خاصة الدول النامية. وأوصت بعضها بشكل تدريجي بإلغاء أو تخفيض التعريفة الجمركية على الواردات من السلع الإنتاجية سواء كانت سلع وسيطة أو سلع رأسمالية. ورفع التعريفة الجمركية على الواردات من السلع الاستهلاكية غير الضرورية.
ويسهم قطاع الصناعة التحويلية سواء بتحويل المادة الخام لمنتج تام الصنع أو منتجات وسيطة من الناتج المحلى الإجمالى بنحو 16.6% خلال عام 2019. كما يسهم في توظيف نحو 15% من المشتغلين.
وتمثل الصادرات تامة الصنع نحو 37% من إجمالي الصادرات السلعية. كما أن الاهتمام بذلك القطاع ضمن برنامج وضعته الدولة لتعميق التصنيع المحلى في 2018 لإحلال المنتجات المحلية محل المستوردة لخفض عجز الميزان التجاري وتنمية سلاسل الموردين من الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والتى تمثل الشريحة الأكبر فى هيكل الصناعة المصرية.
مستوردو السلع الجاهزة يطلبون المساواة.. ودعوات لاتجاههم نحو التصنيع
متى بشاي، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، قال إن مستوردي السلع تامة الصنع يطالبون بالمعاملة ذاتها وعودة عملهم بمستندات التحصيل بدلا من “الاعتمادات المستندية ” فيما يخص مستلزمات الإنتاج، خاصة أن المستفيدين من القرار الحكومي لا يتجاوز عددهم نحو 5-7٪ من المستوردين بينما النسبة الأعلى خارجه، على حد قوله.
أضاف أن العودة للنظام المستندي للتحصيل يساعد على تيسير الإنتاج وتحريك عجلته التي أوشكت على التوقف، ووقف الإضرار بالدولة والتجار والمصنعين، وأيضا من أجل التحول للتصنيع، لكن مستوردي السلع تامة الصنع قطاع هام أيضا ولديه عمالة والتزامات وليس لديه مانع من التحول للتصنيع، ولكن يجب إعطائه فرصة أو مهلة لتحقيق ذلك التحول.
يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام إن الدولة تفرق بين السلع التجارية والسلع الرأسمالية والوسيطة ولا يمكن المساواة بنيهما في الاستيراد فالأولوية حاليا هي لعمل المصانع المحلية وتوفير المواد الخام والمعدات التي تحتاجها من أجل توفير منتج محلي بديل للاستيراد ويساهم في استهداف معدل التضخم المرتفع، أما الاستيراد التجاري فتم تقليصه مؤقتا حماية للعملة المحلية، وضرب مثالا بصناعة الجلود التي تشهد منافسة بين المنتج المحلي المعتمد على مستلزمات إنتاج خارجية وبين المستورد الذي يأتي بحذاء مصنع أرخص من الخارج
ووفقا لغرفة صناعة الجلود، انخفض عدد المنشآت الصناعية العاملة في المجال إلى 17600 منشأة حالياً، إذ يتراوح حجم الإنتاج المحلى من الأحذية بين 80 و100 مليون حذاء سنويا، بينما يتم استيراد نحو 150 مليون حذاء، بينما يصل حجم الاستهلاك المحلي سنوياً إلى 200 مليون زوج فقط.
بحسب الغرفة، فإن الجلود تمثل 45% من تكلفة مدخلات الإنتاج بينما تمثل النعال والخيوط والغراء والكيماويات وباقي عناصر الصناعة النسبة الباقية، وكثير منها مستورد من الخارج خاصة كيماويات الدباغة التي يتم إنتاج 10% منها محليا فقط، ونتيجة ترشيد الاستيراد حدث نقص فى المستلزمات وارتفعت الأسعار بنحو 60%.
المركزي وحماية العملة
أضاف أن البنك المركزي استهدف حماية العملة بقراراته الخاصة بمعرفة مصدر الدولار، فبعض مستوردي السلع غير الأساسية كانوا يجبرون البنوك بفتح اعتمادات بتوفيرهم الدولار، ويتم توجيهها لسلع غير أساسية مثل لعب الأطفال أو لها بدائل محلية مثل الملابس الجاهزة ما يضغط على المنتج المحلي في توقيت شديد الصعوبة، مضيفًا أن الفترة الحالية تشهد قرارات استثنائية في العالم تختلف وفق قدرات كل دولة وظروفها، فالبعض قلص الاستيراد أو التصدير من الخارج.
الدكتور أحمد متولي، نائب رئيس جامعة قناة السويس، أكد في تصريحات أخيرًا، أن الفترة الحالية تشهد عدم توافر الدولار بالسعر الرسمي في مكاتب وشركات الصرافة والسوق الموازية، وحال تم تدبيره فلن يتم الاعتراف به بالبنوك للاستيراد، والحل هو إثبات مصدر الدولار بشكل قانوني سواء عن طريق التصدير أو وجود دخل بالدولار يدخل الحسابات البنكية بشكل قانوني.
توقع متولي فقدان كثير من المستوردين كثير من وظائفهم حال استمرارهم بالشكل الحالي، ويبقى الحل أمامهم إما تحويل نشاطهم لاستيراد منتجات أساسية أو اتجاههم لزيادة التصدير التصنيع، مضيفا أن تقليص الاستيراد هدفه الحفاظ على العملة الأجنبية.