“ستقتلك الصحافة، لكنها ستبقيك على قيد الحياة أثناء ممارستك لها”. قبل ما يقرب من قرن، أوضح هوراس جريلي، مؤسس ورئيس تحرير صحيفة نيو يورك تريبيون. بهذه العبارة، أن الصحافة هي العدو اللدود لكل عدوان أو فساد. ربما لهذا لا يمر عام أو عامان دون أن يجري اعتقال أو اغتيال صحفي.

كانت آخر وقائع استهداف الصحفيين قد حدثت فجر اليوم. عندما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة. خلال تغطيتها اقتحامهم مخيم جنين بالضفة الغربية.

قد لا تعتبر الصحافة -حتى الآن- المهنة الأكثر خطورة في العالم. لكن، تكشف التقارير المنشورة في جميع أنحاء العالم أن 46 صحفيًا قُتلوا عام 2021. بعد ذروة في عام 2012 عندما قُتل 147 صحفيًا، لحسن الحظ انخفضت الأرقام، وشهد عام 2021 أقل عدد من الصحفيين الذين قتلوا منذ عام 2003.

وتظهر إحصائيات وفيات الصحفيين -حسب المنطقة- أن ستة صحفيين قتلوا في العراق في عام 2020. إلى جانب أربعة في باكستان، وأربعة في الهند، بعض تلك الاغتيالات كانت بشكل وحشي. بينما في العام نفسه تم اعتبار المكسيك أخطر دولة في العالم على الصحفيين. حيث قُتل ثمانية صحفيين. بينما يُقتل بين ثمانية إلى عشرة صحفيين في البلاد كل عام.

اقرأ أيضا: رقم قياسي للصحفيين السجناء في العالم.. تركة ترامب التي تنتظر بايدن

اعتقال وسجن الصحفيين

يتعرض الصحفيون لخطر القبض عليهم واحتجازهم كعقوبة، سواء لانتقادهم نظامًا سياسيًا، أو أيديولوجية دينية، أو لكشفهم للفساد. وهم في خطر دائم للملاحقة من أشخاص في السلطة، ومطاردة الصور التي نشروها. بل، وقتلهم بالرصاص لمجرد أنهم كانوا “في المكان الخطأ والتوقيت الخطأ”.

ويتجاوز العدد السنوي للصحفيين المسجونين 250 صحفيًا بشكل منتظم في جميع أنحاء العالم. كما أن عمليات الاعتقال والخطف شائعة أيضًا. فبين عامي 2014 و2019، تم اعتقال ما يقرب من 1500 صحفي، واختطاف ما يقرب من 400، وهو ما يسلط الضوء على الواقع القاسي للعديد من العاملين في مجال الإعلام حول العالم.

يُظهر التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي يقيِّم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي في 180 بلدا. الآثار الكارثية لفوضى المعلومات في عام 2022. فعلى الصعيد الدولي، تشهد الديمقراطية تراجعاً ملحوظاً، في ظل عدم التناسق بين المجتمعات المنفتحة من جهة، والأنظمة الاستبدادية التي تتحكم في وسائل الإعلام ومنصاتها بينما تشن حروباً دعائية. من جهة أخرى. وعلى كلا المستويين، يعُتبر هذا الاستقطاب المزدوج عاملاً من عوامل إذكاء التوترات والنعرات.

وأشار التصنيف، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”. أن هناك عددا قياسيا من البلدان صُنّفت فيها حرية الصحافة في “وضع خطير للغاية”. علماً بأن 12 دولة تقبع في القائمة الحمراء على تصنيف مراسلون بلا حدود، ومن بينها بيلاروسيا (المرتبة 153) وروسيا (المرتبة 155). كما دفعت بورما (المرتبة 176) ثمناً باهظاً لانقلاب فبراير/شباط 2021. الذي أعاد وضع الصحافة عشر سنوات إلى الوراء، حيث تُعتبر البلاد من بين الدول الأكثر قمعاً للصحفيين ووسائل الإعلام على صعيد العالم. وهي التي باتت تُجاور على جدول التصنيف كلاً من كوريا الشمالية (المرتبة 180) وإريتريا (المرتبة 179) وإيران (المرتبة 178) وتركمانستان (المرتبة 177) والصين.

المكسيك.. الأكثر قتلًا للصحفيين

استمرت المذابح التي لا هوادة فيها للصحفيين المكسيكيين بعد مقتل صحفيين جدد برصاص قتلة مجهولين. وهو ما رفع عدد القتلى في عام 2022 إلى 11 في البلد الذي يوصف بأنه “أكثر الدول دموية للإعلاميين خارج منطقة حرب”. فقد قُتل سبعة صحفيين في العام الماضي بأكمله، مقارنة بـ 11 صحفيًا في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022.

 

كانت آخر هذه الحوادث مساء الاثنين الماضي، عندما قُتل صحفيان في بلدة صغيرة واقعة على بعد حوالي 350 ميلاً شرق العاصمة مكسيكو سيتي. حيث أطلق النار عليهما داخل سيارتهما خارج متجر صغير على جانب الطريق. ليُشكلا حلقة جديدة في سلسلة متوالية من الاغتيالات تطول المراسلين المكسيكيين. بسبب فضيحة متنامية اتُهم إثرها الرئيس، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، بالفشل في معالجتها بشكل مناسب.

ويعتقد العديد من المراقبين أن لوبيز أوبرادور -وهو شعبوي مهاجم لوسائل الإعلام يُعرف باسم “أملو”- يغذي العنف بهجماته العلنية المتواصلة على الصحفيين، الذين وصفهم بأنهم “مرتزقة محافظون سيئو النية”. مصممون على تقويض إدارته القومية.

اقرأ أيضا: حجب الصورة وقصف القلم.. بلد الحريات تقمع الصحفيين

مراسلو الحروب.. الموت على الهواء

كانت ماري كولفين صحفية أمريكية قد عملت في صحيفة صنداي تايمز البريطانية لمدة 25 عامًا. وكانت تعتبر واحدة من المراسلين الحربيين الرواد في العالم. وقد عملت مراسلة من مناطق الحروب في ثلاث قارات على مدار مسيرتها المهنية. اشتهرت كولفين بشجاعتها، فقد أصابت إحدى عينيها قذيفة صاروخية للجيش السريلانكي في عام 2001، وظلت ترتدي عصابة عين سوداء اللون لبقية حياتها.

قُتلت كولفين أثناء تغطيتها لحصار حمص خلال الحرب الأهلية السورية في عام 2012. حتى الآن، تعتقد عائلتها أنها استُهدفت على وجه التحديد من قِبل نظام الأسد لانتقادها ممارساته تجاه المعارضة.

بعدها بعامين، قتل جيمس فولي، الذي عمل مراسلًا حربيًا حرًا في العراق وليبيا وسوريا. كان عمله في بداية حياته مع المحرومين هو ما ألهمه ليصبح صحفيًا -وفق والدته- لأنه “رأى الصحافة كوسيلة للتحدث عما يحدث بالفعل في العالم”. كان يعمل في المنفذ الإخباري عبر الإنترنت Global Post أثناء الحرب الأهلية السورية.

وقد اختطفه مسلحو داعش في شمال غرب سوريا في 22 نوفمبر / تشرين الثاني 2012. وبعد عامين تقريبًا، في 19 أغسطس / آب 2014، ظهر مقطع فيديو يُقطع رأس فولي.. وزعم تنظيم الدولة الإسلامية أن إعدام فولي كان انتقاما للتدخل العسكري الأمريكي في العراق.

أمّا جليدسون كارفالو، والذي عمل مديرًا لمحطة راديو في كاموسيم بالبرازيل. كان –وفقًا لمراسلون بلا حدود – معروفًا بانتقاده حكومة ولاية سيارا، والفساد السياسي البرازيلي في برنامجه. خلال أحد حلقاته، دخل رجلان إلى المحطة زاعمين أنهما يريدان التعاقد على إعلان. بمجرد وصولهم إلى كارفالو، أطلقا النار عليه على الهواء مباشرة.

بعدها، قامت الشرطة بعدة اعتقالات ذات صلة بمقتله، لكن العقل المدبر المشتبه به – جواو باتيستا بيريرا دا سيلفا. لا يزال طليقًا. وفقًا للجنة حماية الصحفيين، أراد سيلفا قتل كارفالو لأن المذيع انتقد ابن أخيه، الذي كان رئيس بلدية مارتينوبول.

استهداف المراسلين الأجانب

كذلك، لم يخف نيلوي نيل، المدون بنجلاديشي من انتقاد رجال الدين أو السياسيين. كان أيضًا مدافعًا عن حقوق الأقليات والنساء. قُتل نيل في 7 أغسطس/آب 2015، على يد عصابة مسلحة بالمناجل في منزله في دكا. كانت وفاته هي الرابعة على الأقل في ذلك العام في سلسلة من الهجمات التي استهدفت مدونين في بنجلاديش ينتقدون الإسلام. وأعلنت “جماعة أنصار الإسلام ببنجلادش” التابعة لتنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن القتل.

كان ديفيد جيلكي مصورًا صحفيًا ذا خبرة في إذاعة NPR الأمريكية. وكان ذبيح الله تمانا صحفيًا أفغانيًا مستقلاً تم توظيفه لمساعدته كمترجم فوري. وبحسب الإذاعة، تعرضت القافلة للهجوم عام 2016 أثناء سفرهما في قافلة على طريق بعيد في ولاية هلمند بأفغانستان. كان يُعتقد في البداية أنه هجوم عشوائي بقذيفة صاروخية، لكن هذه الرواية أصبحت موضع شك منذ ذلك الحين بناءً على أدلة جديدة. تزعم مصادر NPR في أفغانستان أن مقاتلي طالبان علموا أن الأمريكيين قادمون واستهدفوهم على وجه التحديد.

كان بافيل شيريميت صحفيًا Ukrainska Pravda الذي يغطي الفساد في السياسة الأوكرانية. انتقل شيريميت -الموظف السابق في تلفزيون ORT الروسي الحكومي- إلى أوكرانيا في عام 2011. وعلى مدار حياته المهنية ، واجه انتقامًا من الحكومات التي انتقدها ، بما في ذلك حكومات بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا. بعد سجن شيريميت في بيلاروسيا ثم إطلاق سراحه، وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “شوكة في خاصرة حكومة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو الاستبدادية”. في 20 يوليو/تموز 2016، قُتل شيريميت في كييف، عندما انفجرت قنبلة تحت سيارته بينما كان يقود سيارته لتسجيل برنامج إذاعي.