في واقعة وصفتها الصحف العالمية بأنها “نادرة”، نظّم عمال توصيل في الإمارات إضرابا عن العمل يوم الاثنين 9 مايو/ أيار 2022. مطالبين بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. ونقلت رويترز عن مجموعة من سائقي شركة “طلبات”، أمس الثلاثاء. أن إضرابًا نظمه عمال التوصيل في شركة أجنبية، شجعهم على التحرك للمطالبة بتحسين أوضاعهم.
لم يكن الإضراب هو أول ما يُشير إلى تردي أوضاع العمالة خاصة -الآسيوية- في البلاد التي استحدثت “وزارة السعادة” من أجل رفاهية مواطنيها. فقد رحّلت حكومة الإمارات في عام 2013 عدة مئات من عمال البناء في جزيرة السعديات بشكل تعسفي. ومنعتهم من دخول البلاد لمدة سنة، لأنهم مارسوا حقهم في الإضراب. كما أن ظروف المعيشة والعمل المؤسفة هذه تعتبر مسؤولة جزئيا عن زيادة معدل الانتحار بين هؤلاء العمال.
وفي فبراير/شباط، الماضي. نشرت صحيفة Independent البريطانية، تقريرًا تضمن مزاعم بشأن “استغلال العمال المهاجرين” في معرض إكسبو 2020. وقال التقرير إن العمال المهاجرين في المعرض -الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات- يواجهون “استغلالًا وتمييزًا عنصريًا على نطاق واسع”، ووفقًا لتقرير أعدته شركة “إيكويديم” للاستشارات ومقرها لندن. قال العمال، بما في ذلك حراس الأمن، وموظفو الحانات وعمال النظافة. إنهم “أُجبروا على دفع رسوم توظيف غير قانونية، وتعرضوا لمصادرة جوازات سفرهم وحجب رواتبهم”.
وفي شهر أغسطس/آب الماضي، نشرت قناة NDTV، وهي قناة هندية إخبارية تبثّ من نيودلهي. برنامجاً وثائقياً حمل عنوان “الوجه الآخر لدبي”، سلّطت فيه الضوء على معاناة العمال الهنود في الإمارات.
اقرأ أيضا: سعيا لإخفاء انتهاكاتها الحقوقية.. الإمارات تلغي الرقابة على الأفلام
العمل في الإمارات.. من الفقر إلى الجحيم
تقول منظمات حقوق الإنسان إن العمال الوافدين في دول الخليج يتقاضون أجوراً متدنية، ويعملون في بيئة خطيرة ودون أي حماية قانونية. وهو أمر بات واضحاً من خلال حادثة وفاة عدد من عمال البناء في قطر، التي تقوم ببناء عدد من ملاعب كرة القدم تمهيداً لاستضافة مونديال سنة 2022. وانتقد رئيس رابطة نقابات العمال الدولية، شاران بورو، معاملة هؤلاء العمال كالعبيد.
في تقرير صدر عن هيومن رایتس ووتش عام 2006 بعنوان “بناء الأبراج.. خداع العمال” رصدت المنظمة الأوضاع القاسية لعمال البناء المهاجرين الذين تنتهك حقوقهم. خاصة استغلال أصحاب العمل لهم. والانخفاض الشديد للأجور، وحجبها عن العمال لمدة شهرين على الأقل، ولجوء أرباب العمل لمصادرة جوازات سفرهم كضمان لمنعهم من ترك العمل.
وبعد أن تتراكم على العمال الديون الباهظة المستحقة لمكاتب التشغيل في أوطانهم، لتغطية نفقات التأشيرات والسفر، يجدون أنفسهم مضطرين للبقاء في وظائفهم. مع العمل في بيئة محفوفة بالمخاطر، وهو بناء المباني المرتفعة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة والموت بينهم.
أشار أحد العمال إلى أنه من أجل الحصول على تصريح بالسفر إلى الإمارات، يضطر المهاجرون إلى الاستدانة من مكاتب الوساطة. وعندما يصل هؤلاء العمال، يحجز رب العمل جوازات سفرهم. ودون جواز سفر، يمكن فرض ساعات عمل طويلة وإضافية غير مدفوعة الأجر على العمال، إضافة إلى إجبارهم على التخلي عن إجازاتهم. والحياة في مساكن ضيقة والعمل لساعات عمل طويلة في ظل درجات حرارة تزيد عن الأربعين درجة مئوية. كما أن العديد من مواقع البناء ليست مؤمنة بشكل كاف ضد الحوادث.
الوجه القاسي لتشييد اللوفر
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كشفت قناة RTS السويسرية الناطقة بالفرنسية -في برنامج “نقطة نظام”- ما أطلقت عليه “الوجه الآخر لبلد وزارة السعادة”. مُبرزة اضطهاد العمال الأجانب، الذين يعانون من الاستغلال، ويُكابدون ظروفاً قاسية.
وأشارت القناة إلى أن الأبراج الشاهقة، والمباني الفخمة، والمنشآت المتخمة بالرفاهية، التي شيّدها ملايين العمال الأجانب، القادم معظمهم من بلدان شبه القارة الهندية. هروباً من البؤس ورغبة في تحسين ظروف معيشة أسرهم. لكنهم، تحدثوا إلى مراسلي القناة عن ظروف عمل قاسية، ومعاناة، واستغلال يتعرّضون له.
وفي تسجيل مصوّر ظهر خلال البرنامج في إحدى حظائر البناء بمدينة أبو ظبي، قال عمال إنهم يعملون لمدة 10 ساعات مقابل 100 فرنك سويسري -101 دولار- إلى 200 فرنك سويسري يحصلون عليها في آخر الشهر.
لهذا السبب، اعتقلت السلطات الإماراتية فريق القناة الذي جاء لتغطية افتتاح متحف اللوفر- أبو ظبي. وقالت القناة إن قوات الأمن الإماراتية احتجزت المراسل والمصور لأكثر من 50 ساعة، دون السماح لهما بالاتصال بالعالم الخارجي. مضيفة أنهما تعرضا لاستجوابات استمرت في بعض الأحيان 10 ساعات متواصلة. كما عُصبت أعينهم أثناء نقلهم إلى منشآت مختلفة، وصودرت الكاميرات وأجهزة الكمبيوتر وأقراص التخزين وغيرها من المعدات.
وبحسب القناة، أرادت سلطات أبو ظبي معرفة سبب التقاطها صوراً للسوق وبدا أنها منزعجة من تصوير السويسريين للعمال المهاجرين. كما قاموا باستجوابهم حول تعاونهم مع المنظمات غير الحكومية.
في التوقيت ذاته، نقلت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية عن منظمة هيومن رايتس ووتش. استنكارها لما وصفته بـ “المعاناة اللاإنسانية للعمال في موقع بناء المتحف عشية افتتاحه”. وقالت مديرة المنظمة في باريس -آنذاك- بنديكت جانرو إن هذا المشروع الذي يوصف بأنه مثال على التسامح والانفتاح والتنوع، شابته منذ البدء في بنائه بجزيرة السعديات انتهاكات لحقوق العمال المهاجرين الذين شيدوه.
وأضافت جانرو أن منظمتها نشرت ثلاثة تقارير عن ورش البناء في جزيرة السعديات، أحدها عن متحف اللوفر، قبل أن تمنع السلطات الإماراتية دخول المنظمة أراضيها عام 2014.
اقرأ أيضا: ورقة دام| قراءة في ملامح الدور الإقليمي الإماراتي الجديد
نادي ترامب للجولف.. سمسرة وانتظار من أجل الراتب
خلال رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، نشرت The New York Times تقريرًا عن مُعاناة العمال الأجانب -والآسيويين بشكل خاص- والذين يعملون في درجات حرارة قاسية تحت الشمس. بينما عائلاتهم بعيدة في الهند وباكستان ونيبال. داخل نادي ترامب الدولي للجولف، الذي افتتح رسميًا في فبراير/شباط 2017.
بينما حصل ترامب من خلال شراكة مع داماك -أحد أكبر مطوري العقارات في دبي- على ما بين مليوني دولار و10 ملايين دولار من ملعبي الجولف -ووفقًا للتقارير المالية التي قدمها إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية- يكسب العمال المهاجرون ما بين 200 و400 دولار شهريًا. وهي أموال تأتي في كثير من الأحيان متأخرة لأسابيع أو أشهر.
وفقًا لمقابلات أجرتها الصحيفة مع عشرين عاملاً حاليين وسابقين في داماك. حيث يعيش مئات العمال تم توظيفهم في السنوات الأخيرة. يقول العمال إنهم يكافحون لتغطية الديون المتراكمة في النسبة التي يحصل عليها سماسرة التوظيف مقابل وظائفهم. بينما يواجهون المصاعب الجسدية وانتهاكات حقوقهم بموجب قوانين العمل المحلية.
يقول التقرير: اكتسبت دبي والإمارات العربية المتحدة سمعة سيئة لاستغلال العمال المهاجرين. الذين يشكلون أكثر من 80% من السكان. ونقلت عن العمال التابعين لشركة محلية متعاقد مع “داماك”. قولهم إنه يجب عليهم الانتظار أيامًا أو أسابيع لتلقي مستحقاتهم. لقد انخرطوا في كثير من الأحيان في إضرابات استمرت ليوم أو يومين، وبعد ذلك نجحت الشركة في تنفيذ ذلك.
وقال أكثر من نصف العمال إن الشركة حجبت أجر شهر أو شهرين للضغط عليهم للبقاء حتى نهاية عقودهم. والتي عادة ما تكون لمدة عامين. وأوضح ستة من العمال إنهم دفعوا لشركات التوظيف للحصول على وظائفهم -وهو انتهاك واضح لقانون العمل في الإمارات- حيث تم تحصيل رسوم من 1000 دولار إلى 1500 دولار. وهو رقم أكثر مما سيكسبه معظمهم في خمسة أشهر.