في ربيع العام 2019، أُزيح الرئيس عمر البشير الذي ظل قابضًا على السلطة في السودان لنحو ثلاث عقود. وقد رحل بانقلاب نفذه الجيش السوداني، إثر تظاهرات عارمة بدأها الشعب عام 2018. وبعد أسابيع من إزاحة البشير سطع اسم قائد عسكري يدعى محمد حمدان دقلو، قائد ميليشيا الجنجويد. وهو الذي تولى فيما بعد منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان.

حميدتي الذي اكتسب هذا اللقب من البشير نفسه، بات واحدًا من أغنى رجال السودان خلال فترة قصيرة. الأمر الذي تقول التقارير إنه بسبب تهريب الذهب إلى الإمارات. وكذلك تصدير الأطفال السودانيين إلى مجهول الحرب في اليمن؛ لمواجهة رجال الحوثي.

حميدتي والسيطرة على الذهب

قبل صعود دقلو إلى السلطة في أعقاب الانقلاب، كانت قواته من الجنجويد التي تحوّل اسمها إلى قوات الدعم السريع، سيطرت على جبل عامر. حيث أحد أكبر مناجم الذهب في السودان. ووفقًا لإحصائيات وزارة المعادن السودانية تتراوح احتياطات جبل عامر بين 500 إلى 1550 طنًا من الذهب. فيما يتراوح إنتاجها السنوي بين 90 إلى 120 طنًا في العام. ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة إفريقيًا في إنتاج الذهب.

أُنشئت قوات الدعم السريع رسميًا بموجب مرسوم صادر عن الرئيس السابق عمر البشير في عام 2013. لكن جوهرها المكون من 5000 عنصر مسلح ونشط قبل ذلك بوقت طويل. ومنذ أن صعد حميدتي إلى السلطة، تضاعف عدد قوات الدعم السريع وباتت تضم قرابة 70 ألف رجل، وأكثر من 10 آلاف شاحنة بيك آب مسلحة.

المصدر: تقارير إعلامية

في تقرير نشرته منظمة جلوبال ويتنس- منظمة حقوقية تعمل بمجال مكافحة الفساد – عام 2019 كشفت فيه أن قوات الدعم السريع الموالية لحميدتي، تُسيطر على منجم جبل عامر. ذلك إضافة إلى ثلاثة مناجم أخرى في أجزاء متفرقة من البلاد. وهذا جعل حميدتي وقواته طرفًا رئيسيًا في صناعة تعدين الذهب. وهي تُمثل جزءا كبيرًا من صادرات السودان.

عائلة دقلو وشركة الجنيد.. ذهب السودان أم حميدتي؟

تُوضح المنظمة في تقريرها، أن واجهة تصدير الذهب السوداني إلى الإمارات هي شركة “الجنيد”. وقد أُنشأت عام 2009، من جانب عبد الرحمن حمدان دقلو، شقيق حميدتي. وهو في الوقت نفسه عضو مجلس إدارة في تلك الشركة. إضافة إلى عادل عبد الرحيم حمدان دقلو، وعلاء الدين عبد الرحيم حمدان دقلو.

وتمتلك شركة الجنيد حسابًا بنكيًا باسمها في بنك أبوظبي الأول. حيث يتم تسديد الدفعات النقدية جراء تصدير الذهب من خلاله، وفقًا لمنظمة جلوبال ويتنس. ويُصدر السودان من الذهب سنويًا ما يصل قيمته إلى 16 مليار دولار، تستحوذ الإمارات على 99% منها.

بالذهب، أصبح حميدتي يسيطر على أكبر “ميزانية سياسية” في السودان. تلك الأموال الممكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط آخر، دون الحاجة إلى تقديم حساب. وذلك عبر “كارتل الجنيد الاقتصادي”، التي باتت تغطي أوجه أخرى من الاستثمارات في مجالات التعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب.

ويُدير زمام هذا “الكارتل أو التكتل الاقتصادي” شقيق حميدتي الأكبر، عبد الرحيم حمدان دقلو. وقد ظهر فجأة على مسرح الأحداث برتبة فريق، والنائب الثاني في قوات الدعم السريع. وهو الوحيد الذي يظهر علنًا مع شقيقه. بينما يتولى أفراد الأسرة الآخرون إدارة باقي القطاعات، بعيدًا عن الإعلام، ولا يُعرف عنهم شيء بشكل رسمي.

كما باتت لشركة الجنيد أفرع في مناطق متفرقة من السودان. وأيضًا اتجهت للتعدين في مناطق أخرى من إقليم دارفور، وبالتحديد في منطقة جبل مون، الواقعة في غربي مدينة الجنينة، في الجزء الغربي من إقليم دارفور.

حميدتي يلتقي محمد بن زايد في الإمارات
حميدتي يلتقي محمد بن زايد في الإمارات

بيع ذهب السودان لـ”دبي”

تكشف مجموعة من الوثائق التي حصلت عليها وكالة رويترز، أن شركة الجنيد كانت تبيع الذهب إلى شركة روسيلا القابعة في برج مركز الذهب في شارع سوق الذهب بوسط دبي. وتتبعت رويترز، فواتير تصدير شركة الجنيد التي كشفت أن تصدير الذهب السوداني الذي من المفترض أن يمر عبر البنك المركزي السوداني، صُدر إليها مباشرة عن طريق شركة الجنيد، منذ أواخر عام 2018.

من المفترض أن بنك السودان المركزي هو الجهة التي تشرف على صادرات الذهب. إلا أن مسؤولين حكوميين حاليين ومسؤولًا سابقًا وعددًا من المصادر في صناعة الذهب، أكدوا أن البشير سمح في بعض الأحيان لحميدتي بالتملص من هذه القاعدة.

قال المسؤولين إن الرئيس السابق سمح لمجموعة الجنيد ببيع الذهب كيفما تشاء؛ لأن قوات الرد السريع بقيادة حميدتي كانت تمثل قوة مضادة مهمة لكبار الضباط في الجيش الذين كان البشير يعتبرهم خطرًا على حكمه.

وشركة روسيلا، تُعرف نفسها عبر موقعها الإلكتروني، بأنها منشأة منذ عام 1998، في سوق الذهب الشهير بإمارة دبي، وأنها تمتلك علامتها التجارية لأكثر من 40 عامًا.

ونقلًا عن عبد الرحمن البكري، المدير العام لمجموعة الجنيد، فإن شركته تجاوزت البنك السوداني في بيع الذهب لمدة 3 أشهر خلال عام 2018. ويشير إلى أن ذلك كان بطلب رسمي من الرئيس السابق عمر البشير.

ويُضيف في مقابلة سابقة، أن حميدتي استخدم عائدات صادرات الذهب لشراء أسلحة لقواته من الدعم السريع، وأحيانًا لصالح عمر البشير نفسه. بينما يلفت إلى ضخ حميدتي ملايين الدولارات لشراء أسلحة ومركبات لقواته شبه العسكرية.

قوات حميدتي تسهل للإمارات سرقة ذهب السودان

يُوضح تقرير مجلس الأمن الدولي الصادر في 2016 الخاصة بالسودان، أن ميليشيا الجنجويد أو قوات الدعم السريع، تفرض إتاوات غير قانونية على تعدين الذهب التقليدي. ويقدر المجلس أن الميليشيا قادرة على جمع نحو 54 مليون دولار سنويًا من تلك الإتاوات المفروضة على منقبي الذهب.

ويُفصل التقرير تلك الإتاوات على النحو التالي: 28 مليون دولار إتاوة على المنقبين ودعم الأعمال، و17 مليون دولار على التنقيب المباشر من المناجم، و9 ملايين دولار على تهريب الذهب المُستخرج للخارج.

كما يُشير تحليل مجلس الأمن الدولي إلى أنه خلال الفترة من 2010 إلى 2014، هُرب من السودان ما لا يقل عن 96.885 طنًا من الذهب السوداني إلى الإمارات العربية المتحدة. من بينها 48 طنًا تم تهريبها من منطقة دارفور السودانية إلى الإمارات.

الذهب المهرب من السودان قيمته نحو 4.6 مليار دولار

ويُقدر مجلس الأمن، أن كمية الذهب السوداني المهرّب إلى الإمارات تبلغ نحو 4.6 مليار دولار، استحوذت ميليشيا الجنجويد منه على نحو 123 مليون دولار خلال تلك السنوات. ويُطالب المجلس من الإمارات، ضرورة إعادة التأكيد على الالتزام بالمعايير الدولية لاستيراد الذهب وإتاحة الاطلاع على بيانات شركات الذهب الموجودة على أراضيها.

إلى ذلك، يُوضح تقرير سويسري صدر عن جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة، أن إمارة دبي تعد واحدة من أكبر مراكز تداول ومعالجة الذهب في العالم. إذ تستحوذ على نسب تتراوح بين 20 إلى 25% من الذهب المتداول عالميًا. ويأتي من ثلاثة بلدان فقط هي السودان والكونغو الديموقراطية وليبيريا.

يُضيف التقرير الصادر عام 2018، أن إمارة دبي لديها من القوانين التي تسمح للشركات التملص من القواعد القاضية بعدم شراء الذهب من مناطق الصراع، كاشفة أن أكبر مصفاة للذهب في دبي وهي “شركة كالوتي” كانت واجهة استقبال الذهب السوداني المهرب من مناطق الصراع المسلح.

“كالوتي” المتهمة بتهريب الذهب من السودان

وتقول جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة، أن الوثائق التي اطلعت عليها تُثبت تورط شركة كالوتي في تهريب الذهب من السودان. وتلفت إلى أبرز المخالفات التي قامت بها شركة كالوتي هو استقبالها للذهب من منطقة جبل عامر رغم سيطرة ميليشيا قوات الدعم السريع عليها.

كما أنه وعبر تتبع البيانات التجارية لكل بلد في العالم تقريبًا، كانت الإمارات تشتري 94% من إجمالي ذهب السودان سواء ذلك الذي يتم تصديره عبر البنك المركزي السوداني، أو الذي يتم تهريبه، وفقًا للتقرير السويسري. موضحًا أن شركة كالوتي سجلت الذهب السوداني المهرب “كذهب خردة أو مستعمل”، حتى يتسنى لها دمجه في منظومة الذهب العالمية.

شركة كالوتي Kaloti Jewellery International 

تأسست في دبي عام 1988. ولديها أكبر مصفاة للذهب في دبي وواحدة من أكبر مصانع المجوهرات في العالم. وقد أُلغيت عضوية كالوتي في مركز دبي للسلع المتعددة سنة 2015. ذلك بعد فشلها في تلبية المعايير الدولية لشراء الذهب البعيد عن الصراعات. وهي تستخدم المدفوعات النقدية “الكاش”. ما يزيد من خطر غسيل الأموال.

المصدر: تقرير جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة

أرشيفية
أرشيفية

أطفال السودان.. مرتزقة في حرب الإماراتيين

لم يصل الأمر حد سرقة الذهب السوداني فقط. بل تجاوز إلى سرقة أرواح السودانيين أيضًا ممن تم الدفع بهم إلى أتون حرب اليمن. فوفقًا للتقديرات تراوح عدد القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن بين 30 إلى 40 ألف سوداني.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز، كشفت أن نسبة 40% من الجنود السودانيين أطفال، وأن أعمار الأطفال المجندين بين 14 و17.

وتفيد الصحيفة بأنهم قسموا إلى وحدات تتراوح بين 500 و750 مقاتلًا. وهم يتسلمون رواتب تعادل 480 دولارًا شهريًا للمبتدئ البالغ من العمر 14 عامًا، و530 دولارًا لضابط الجنجويد المتمرس. ويتلقى المقاتل بعد 6 أشهر من العمل عشرة آلاف دولار.

ومع انطلاق عاصفة الحزم عام 2015، أعلن السودان مشاركة أربع طائرات ضمن قوات التحالف. لكن لم تصل منها إلا طائرتان. وتضاءلت مشاركة القوات الجوية السودانية في اليمن حتى وصلت إلى أقلّ من 1%، ولم تعد تنفّذ غارات.

وكانت مهام القوات السودانية في اليمن محددة بعمليات برية في الساحل الغربي. وتنتشر أربعة ألوية على الحدود اليمنية السعودية. وتتولى هذه القوات حراسة القواعد الإماراتية في جنوب اليمن. كما يتخذها التحالف وقودًا لمدافعِه في معركة الساحلِ الغربي، وفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية.

ومنذ عام 2015 اتخذ الرئيس السوداني السابق عمر البشير قرارًا بمشاركة قوات سودانية في حرب اليمن. فضلًا عن دعم التحالف السعودي الإماراتي بكل قوة. وقد أكد أن أمن الحرمين الشريفين خط أحمر، وأن ما يقوم به السودان واجب مقدس وأخلاقي. ولم يشفع للبشير كل ما فعله في هذا الشأن، حينما تقرر عزله.

وفي سبتمبر 2018، اعترف قائد قوات الدعم السريع في السودان حميدتي بمقتل 412 جنديًا سودانيًا، بينهم 14 ضابطًا. بينما قدرت تقارير إعلامية متفرقة، عدد الذين قتلوا من الجيش السوداني في حرب اليمن، بنحو 850 ضابطًا وجنديًا.

وفي نهاية الأمر، بينما كان هناك طفل سوداني يحمل بندقيته ليدافع عن بلد تسرق ذهبه، كان حميدتي يلتقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في قصره المنيف على شاطئ الخليج.