يصنع الود مساحات وردية، بشكل لا إرادي تنبت أجنحة فنتحول لملائكة، ماذا إن كان الود طريق والتسامح منهج، تسامح ليس عن ضعف ولكن عن وعي بالاختلاف وقبول حقيقي للآخر، لابد أن حياة كهذه نرغبها لكنها صعبة المنال، وتبدو من الأحلام وهذا يُصعّب علينا الحياة.

التسامح صفة غائبة

يشكو لي صديق أن زوجته لا تُسامح، وفى لحظات قد تبدو مُفرحة تدور آلة الزمن في عقلها لتخرج له بمواقف لا يتذكرها، وربما لا يعرفها كذلك، لتتحول حالات البهجة المؤقتة لساحات فض نزاع، واعتذار عما لا يتذكره، فقط حتى يُمرر الأمر، ويتخلص من عراك متوقع.

لا يعرف كثير من الرجال الكثير عن عقل المرأة، وروحها، يتخيلونها فارغة منشغلة بالمطبخ والتربية ومذاكرة الأطفال، والبعض يرى في بعض النساء منشغلات بأمور زينتهن، الغالبية يميلون للتنميط، وصب قوالب تُريحهم من صداع التنوع، وينسى الغالبية أن المرأة الواحدة هي حالات متنوعة.

تعتني المرأة بالتفاصيل، حتى أنها تلحظ أمورا لا يمكن ان تخطر ببال أحد أنها رأت واختزنت، وهناك عقل يعمل في صمت يُضخم من حجم التفاصيل، تُصبح قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر لأي سبب وأحيانًا بلا سبب.

يسخر البعض ويُرجعون التغيرات التي تطرأ على إحداهن أنها الهرمونات، ربما كانت الهرمونات سببًا في بعض التغيرات، لكن المؤكد أنها ليست كل الأسباب.

لكي نُسامح يستدعي الأمر أن يشعر صاحب الشكوى بالندية، بكونه نال حقه أو تم ترضيته، لكن ما دون ذلك هو حالة من الاجبار، غُبن يزيد الأمر سوءًا ويجعل الندبة الصغيرة جرحًا لا يندمل.

لكن التعامل مع شكوى بعض النساء بكونها فارغة، وبلا مرجعية سوى الهرمونات وتلك الزاوية هي أكبر الأزمات في العلاقة مع النساء، إذ أن تهميش والتقليل من شكوى إحداهن هو حالة إنكار لها ولمشاعرها، بما يدعمها في كبت الوجع مهما كان صغيرًا، لكنه يكبر مع الوقت.

كيف يبدأ التسامح؟

إذ كنا نُدين معظم الرجال كونهن يقللون من شأن النساء، ومن عقولهن وثقافتهن، فإنه يستلزم الحياد أن ننظر حتى لو من زاوية أخرى لحال غالبية النساء، ولماذا تُصبح فكرة التسامح مستبعدة من سياق علاقاتهن، ولماذا تنعم تلك العلاقات بكثير من التعقيدات.

بداية الأزمة الحقيقية تكمن في التراكم، والقدرة الرهيبة على الكتمان، تلك القدرة التي نُربيها في بناتنا ونسائنا، نُعلمهن انه عيب أن تتحدث الفتاة، عيب أن تبوح، حرام أن يخرج صوتها، وبين العيب والحرام نكتم صوتها، تتعلم الفتاة أن ترى وتصمت، تتعرض للوجع والأذى وتصمت، ثم حين تنفجر نُسّفه من حزنها وألمها، وحين يتحول الوجع لسواد يأكل الروح والقلب، نتهمها بإطلاق المشاعر السلبية وأنها حقودة وكثير من الاتهامات جاهزة.

وليت الأمر يتوقف عند الكتمان، بل أن الأخطاء الكارثية في تنشئة الفتاة تجعل الكثيرات منهن متخبطات لا تعرفن حدود البوح، وحدود الكتمان، تسقطن في اختيارات سيئة، فتبوح لمن لا أمانة له ولا ثقة فيه، فيرتد عليها ما قالت وتقع في المشاكل، وتوصف بأسوأ الوصفات.

الخُلاصة

قبل أن نتهم النساء بأن غالبيتهن صعبة التسامح علينا أولًا الاهتمام بما تطرحه المرأة من أسبابها للحزن أو الغضب، تحتاج كل امرأة لمساحة آمنة لتبوح دون خوفًا من التبعات، تعترف بما فعلته وهي تثق أن خطأها سيتم تفهم ظروفه، وأن لديها من يدعمها.

تحتاج المرأة أن تُعبر عما أحزنها مهما كان تافهًا، من وجهة نظر المستمع سواء كان رجلًا أو امرأة، تحتاج أن تشعر بأنها ذات أهمية، وأن مشاعرها مُقدّرة وليست مجرد شخص دوره أن يخدم غيره.

إن أكثر الساحات التي تُعاني من حالة التجاهل لمشاعر المرأة هي العلاقات الزوجية، ذلك أن كثير من الأزواج يرون في شكوى زوجاتهن تفاهة وسطحية، ولا يجدون في شكواهن البسيطة سوى دلع فارغ كما يقول البعض، تلك الدقائق التي يبخل بها البعض للاستماع لأمور قد تبدو صغيرة، تصنع كوارث كبرى لاحقًا، فهذا التجاهل يوغل الصدر، ويحفز صاحبته لكثير من المشاكل غير المبررة من وجهة نظر الأزواج.

الرغبة في التسامح تحتاج عملًا من الطرفين، تشجيع من طرف للطرف الآخر للبوح الآمن الذي لا يتبعه أحكام ولا عقاب، ثم ترضية تليق بأثر الفعل على نفس ما تحمله، وليس تجاهل أو ترضية بحجم الفعل، فقد تبدو تفصيلة صغيرة مثل عدم تهنئة في مناسبة ما سببًا في حزن كبير لصاحبتها، فالنساء هن ذاكرة الأوطان، يحفظن مالا يُمكن تخيله، ويلحظن عشرات الصغائر التي قد تمر أمام عين الرجل دون أن يلتفت لها.

التسامح يحتاج أمان وتقدير فماذا فعل البعض قبل أن ينتقدوا الآخر لأنه لا يتسامح؟