في ظل توقعات بألا تؤثر الانتخابات النيابية اللبنانية، الُمزمع عقدها خلال ساعات، كثيرا في المشهد السياسي الذي يسيطر عليه حزب الله وحلفائه. خاصة بعدما قرر سعد الحريري -رئيس الوزراء اللبناني السابق وزعيم تيار المستقبل- مقاطعتها ترشيحا وتصويتا. وهو ما قد يؤدي إلى إحجام عدد من الناخبين السنة عن المشاركة. طالب فؤاد السنيورة، السياسي اللبناني البارز، ورئيس الوزراء الأسبق. اللبنانيين بالزحف إلى صناديق الاقتراع «حتى لا يتم تزوير إرداتهم».
وأشار السنيورة، في حوار أجراه معه موقع «مصر 360» عبر البريد الإلكتروني. إلى أن هناك تغيرا واضحا في مزاج الناخب اللبناني، الذي يصر على ألا تزور أي جهة إرادته. متوقعا أن تشهد عملية الاقتراع إقبالا كبير. لكنه استدرك قائلا :«يجب التنبه إلى أن إقبال سكان المدن على الانتخابات أقل كثافة من المناطق الريفية.. هكذا دلت التجارب السابقة».
النسبة العالية لتصويت المغتربين اللبنانيين في عمليات الاقتراع بالخارج، رفعت من سقف توقعات المراقبيين. بأن الإقبال على صناديق المعركة الانتخابية، التي ستدور رحاها في دوائر الداخل اللبناني صباح الأحد، سيكون كثيفا. خاصة في ظل حالة الاستقطاب الحادة التي يشهدها الشارع اللبناني، وبعد دعوات المرجعيات الدينية إلى المشاركة في هذا الاستحقاق باعتباره «مفصل هام في تاريخ لبنان» بحسب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتي الجمهورية. الذي دعا اللبنانيين إلى المشاركة لأن المقاطعة «استسلام» على حد وصفه، ومن شأنها تسليم البلد إلى أعداء العروبة، وشدد على أن الانتخاب هو «قرار وواجب ديني ووطني لا يستهان به».
في المقابل، شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله الشيخ على دعموش على أن من ينكفأ عن المشاركة أو من يقف على الحياد في هذا الاستحقاق الذي وصفه بـ«المهم والمصيري» هو كمن «يخذل الحق في وسط المعركة ويتخلف عن واجب ديني ووطني واخلاقي وانساني»، داعيا إلى التصويت لـ«خيار المقاومة.. حتى لا يكون لبنان خاضعا للإرادة الأمريكية الإسرائيلية» بحسب تعبيره.
المقاطعة ستصب في مصلحة حزب الله
ورغم سخونة الاستقطاب السياسي والطائفي كما أسلفنا، إلا أن البعض يخشى من تأثير دعوات المقاطعة والانكفاء التي روجها سياسيون خلال الشهور الماضية. ما دعا السنيورة إلى التحذير من إن المقاطعة ستصب في مصلحة حزب الله والقوى الحليفة له التي تدين بالولاء لإيران وسوريا. يقول: «المقاطعة تسهل تزوير إرادة اللبنانيين والمسلمين في هذا الاستحقاق. الذي يعد مفصلا أساسيا في مواجهة سعي حزب الله وحلفائه للسيطرة على لبنان، وتغيير وجهها العروبي».
وعن مقاطعة سعد الحريري، وعدد من كوادر تياره للانتخابات، وتأثير ذلك على نتائجها قال السنيورة: «لم يدع الرئيس الحريري اللبنانيين ولا المسلمين السنة لمقاطعة الاقتراع. بل أعلن تعليق عمله السياسي مؤقتا، ومن متابعة مواقفه الأخيرة، أعتقد أنه سيعود إلى ممارسة العمل السياسي. وأرجو ألا يكون هذا التعليق طويلا».
ومن جهة أخرى، يرى السنيورة أنه رغم الشعبية الكبيرة للحريري في لبنان، إلا أن اللبنانيين مدركين لأهمية المشاركة وعدم ترك الساحة للمعادين لعروبة بلادهم «الفريق الذي سيحوز على الأغلبية النيابية في الاستحقاق النيابي سيتحكم في نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة. وبالتالي، سيتحكم في هوية رئيس الجمهورية».
ويعتقد السنيورة أنه في حال سيطر حزب الله وحلفائه على البرلمان الجديد فالمشهد سيكون «خطيرا وكارثيا»، فحزب الله سيتمكن من إصدار القوانين التي يريد «حتى إنه بإمكانه تعديل بعض أسس النظام الحالي وآلياته ولا سيما أنه وإضافة إلى سلطته على النواب الذين يدينون بالولاء له، ستكون له الإمكانية أن يلجأ إلى التهويل والإغراء والضغوط ليستميل نواباً آخرين من خارج كتلته ليحصل على أكبر قدر أو عدد من النواب».
الإصلاح في لبنان يبدأ بالتخلص من التسلط والوصاية واستعادة الدولة لسيادتها وقرارها الحر
وعن آفاق وآليات التخلص من الوصاية التي فرضتها إيران على لبنان في السنوات الأخيرة قال السنيورة: «الخطوة الأولى تبدأ بإعادة تكوين مؤسسات الدولة الدستورية. والسعي إلى الحفاظ على سيادتها واستقلالها، وإجراء الاصلاحات المطلوبة. بعدها، يتم تحريرها من وصاية إيران وسلطتها. من جهة أخرى، فإنّ هذا الأمر ينتظر أيضاً بعض التغيرات الحاصلة على صعيد المفاوضات الإقليمية والدولية. من أجل ممارسة الضغوط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لإقناعها بتغيير سياساتها الإقليمية تجاه الدول العربية، لتحسين العلاقات بعيداً عن فكرة الهيمنة والوصاية».
ويشدد السنيورة، في حواره، على صعوبة تأسيس ديمقراطية حقيقة في لبنان. في ظل امتلاك أحد مكونات المشهد السياسي مقاتليين وسلاح، ويرى أن ذلك يمثل «ازدواجية في السلطة». ضاربا مثل بالآية القرآنية الكريمة «لو كان فيهما إله إلا الله لفسدتا».
وأضاف : «الديمقراطية اللبنانية معطلة بفعل سطوة سلاح حزب الله. الذي ابتكر بدعة ما يسمى بالديمقراطية التوافقية، التي عطلت النظام البرلماني الديمقراطي. وأصبحت تحول دون أن يكون مجلس الوزراء مكاناً للقرار لا مكاناً للتعطيل».
لبنان بلد عربي.. وطبيعي أن يوّثق علاقاته بالدول العربية
وعن الاتهامات التي تلاحق تيار المستقبل وبعض الساسة في لبنان بالتبعية لدول الخليج (السعودية تحديدا) كما يُتهم حزب الله بالوقوع تحت الوصاية الإيرانية. قال السنيورة: «لا يمكن بأي حال مقارنة الدول العربية بإيران، لبنان بلد عربي ينتمي للعالم العربي، وإيران دولة أجنبية. وبالتالي، من الطبيعي أن تكون علاقات لبنان مع الدول العربية جيدة ومتطورة ووثيقة. وهذا باعتقادي هو أساس الفرق الشاسع بين الدور العربي في لبنان والدور الإيراني».
ويشدد السياسي اللبناني على أن الدور العربي، ولاسيما السعودي والخليجي والمصري. كان على الدوام حريصاً على سيادة واستقلال لبنان، وعلى أن تكون بلاده بعيدة عن الأحداث والمحاور الإقليمية والدولية. يقول: «كان الدور العربي في لبنان، وعلى الدوام، إلى جانب تعزيز سلطة الدولة اللبنانية وسيادتها على أرضها. ولقد ظهر هذا الموقف منذ الاجتماع الشهير الذي حصل في الخيمة التي نصبت على (الحدود اللبنانية- السورية) بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اللبناني فؤاد شهاب. وكان الاجتماع رسالة من عبد الناصر على استقلال وسيادة لبنان».
أما إيران فقد أطاحت بنفوذها بما يسمى بـ “وجود الدولة اللبنانية”، وفق تعبير السنيورة. الذي أردف: «الدول العربية تقدم مساعداتها إلى لبنان عبر مؤسسات الدولة. وليس عبر الطرق غير الشرعية التي تتبعها إيران، وتهدف إلى إضعاف الدولة وسلطتها».
لبنان ليس مفلسا.. رؤية البعض ربما أصابها الإفلاس
يؤكد السنيورة أن الإصلاح في بلاده لن يبدأ إلا بتخلص لبنان من التسلط عليها. واستعادتها لقرارها الحر وسيادتها، لتشرع بعد ذلك في معالجة كافة مشاكلها وتحقيق ما يصبو إليه شعبها.
ونفى السنيورة أن تكون لبنان تواجه شبح الإفلاس كما يردد البعض ومنهم سعادة الشامي نائب رئيس الحكومة الحالي، «لبنان ليس مفلسا.. رؤية البعض ربما أصابها الإفلاس.. الدولة لا تفلس خصوصا إذا ما حملت مشروعا تنمويا نهضويا»، يقول السنيورة، مشيرا إلى أن خزينة الدولة هي جيوب رعاياها «الدولة تستطيع أن تخلق قيما في الاقتصاد اللبناني It can cruel value».
ويرى أن الدولة إذا أقامت مشروعا نهضويا فإنها تعيد تجميع طاقات الشعب وكل أصول الدولة، «عندها لا تعود مفلسة.. واعتقد أن نائب رئيس الحكومة لم يحسن التعبير عن الموقف».
آن الآوان لإفساح المشهد السياسي لوجوه وطاقات جديدة
وعن اكتفائه بدعم لائحة «بيروت تواجه» وعدم ترشحه شخصيا في الاستحقاق الانتخابي قال السنيورة إنه سبق له أن تولى كل المناصب والمهمات التي يسعى إليها أي ناشط في الحقل السياسي، «توليت وزارة المالية لأكثر من عشر سنوات في جميع الحكومات التي ترأسها الرئيس رفيق الحريري. ثمّ تولّيت رئاسة مجلس الوزراء من يوليو 2005 حتى نوفمبر 2009. كما أصبحت نائباً عن مدينة صيدا ورئيساً لكتلة المستقبل النيابية لأكثر من ثماني سنوات. وبالتالي مارست العمل الوزاري والرئاسي والنيابي، وعليه فلست طامحاً لتولي أي مركز أو موقع أخر».
ويعتقد السنيورة أنه آن الأوان لإفساح المجال أمام وجوه جديدة وطاقات جديدة للمشاركة في العمل السياسي والتنفيذي، مضيفا: «أردت أن أخوض غمار هذه الانتخابات لكي لا يبادر الطارئون والمغامرون بملء هذا الفراغ وتزوير إرادة اللبنانيين. ومن جهة أخرى، فإني أردتُ أن أعطي نموذجاً للبنانيين بأنه يمكن أن ننشط في الحقل العام دون أن يكون لدينا رغبة أو مركز معني».