أسدل الإعلان الرسمي من جانب وزارة شؤون الرئاسة في دولة الإمارات، عن وفاة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، عن عمر ناهز 74 عاما. الستار على حقبة سادها جدل، استمر طيلة السنوات الماضية، بشأن اختفاء الرجل. والغموض الذي أحاط بحالته الصحية طيلة تلك الفترة، في ظل الإعلان عن الكثير من القرارات التاريخية الممهورة بتوقيعه، المعلنة من جانب ولي عهده، محمد بن زايد. لعل أبرزها وأهمها التطبيع مع إسرائيل.

كان ظهور خليفة نادرا في الأماكن العامة، منذ الإعلان عن إصابته بجلطة في يناير/كانون الثاني 2014. حيث أجبره المرض على الابتعاد عن دائرة الحكم، والظهور في مناسبات نادرة عبر مجموعة من اللقطات فقط. تاركا القيادة لأخيه غير الشقيق، ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد.

اقرأ أيضا: ورقة دام| قراءة في ملامح الدور الإقليمي الإماراتي الجديد

خليفة المتطلع لقيادة الإمارات.. قبل منحنى الهبوط

خليفة هو الابن الأكبر من بين أبناء الشيخ زايد، لأمٍ تدعى حصة بنت محمد آل نهيان. وقد ولد عام 1948، ونشأ في مدينة العين شرق أبو ظبي. ويعود له الفضل -بعد أبيه- في تأسيس مدينة أبوظبي، وتطويرها خلال مرحلة ما بعد اكتشاف النفط. وخروج الاحتلال البريطاني من البلاد.

في عمر الـ 18، شق خليفة طريقه السياسي بتعيينه ممثلًا عن الحاكم في المنطقة الشرقية ورئيسًا للمحاكم. وبعد 3 سنوات، مطلع عام 1969، أصبح وليا لعهد إمارة أبوظبي ورئيسًا لدائرة الدفاع عنها. حيث يرجع إليه في هذه الفترة توسيع بعض مهام قوات الإمارة، وزيادة عددها، وامدادها ببعض الأسلحة الغربية المتطورة.

تدرج خليفة في المناصب داخل الإمارة سريعا، ليرأس أول مجلس وزراء محلي، ويحمل أهم حقيبتين وزاريتين في المجلس. وهما الدفاع والمالية. فيما كان عمره وقتها 23 عامًا، وبحلول عام 1974 -بعد استقرار الدولة الاتحادية بنحو 3 أعوام- ألغي مجلس الوزراء المحلي داخل كل إمارة، وحل محله المجلس التنفيذي، الذي رأسه الشاب ذو الـ 26 عامًا في أبوظبي.

منحت هذه التغييرات، إعلان الدولة الاتحادية، وتضمين مجلس تنفيذي بكل إمارة. الفرصة لولي عهد أبوظبي، ورئيس مجلسها التنفيذي، لإطلاق مشروعات تطوير المدينة العائمة على النفط. عبر رئاسته المجلس الأعلى للبترول، ثم من خلال تأسيسه جهاز أبوظبي للاستثمار الذي يعد أول نواة حديثة لإدارة الشؤون المالية وتعزيز الأصول الاقتصادية للإمارة.

وبعد منح أبيه، الشيخ زايد، الولاية الثانية لحكم الإمارات عام 1976، بموجب الدستور الذي ينص على أن تكون مدة الولاية الواحدة 5 أعوام. استقر وجود الشيخ خليفة رجلا ثانيًا في البلاد، مسيطرًا على القوات العسكرية التي ذابت كلها في جسد أبوظبي بموجب الحكم الاتحادي. حتى جاء رئيسًا للبلاد، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، بعد وفاة والده. حاملًا ميولًا إصلاحية عامة. بدأت باستحداث المجلس الوطني الاتحادي –البرلمان- مستندا في ذلك على استقرار مشروع الدولة الحديثة. الذي انعكس عليه شخصيًا، باعتباره رابع أغنى حاكم في العالم.

الحاضر الغائب

ظل خليفة متنفذا في دولة الإمارات، ومهيمنا على كافة مناحي الحكم. ويباشر مهامه بشكل شبه طبيعي، حتى مرت مسيرته السياسية بمنعطف حاد، عام 2014.

حينها، قالت وسائل الإعلام الرسمية إن الشيخ خليفة تعرض لوعكة صحية، نتيجة إصابته بجلطة نقل على إثرها للمستشفى وخضع لعملية جراحية. ومنذ ذلك التوقيت، ظل الشيخ خليفة “الحاضر الغائب”، حيث لم يظهر على الملأ إلا مرات معدودة، وفي حالة صحية متردية.

ورغم الحالة الصحية لخليفة، والتي جعلته غير قادر على ممارسة ممارسة صلاحياته الرئاسية التي يكفلها له الدستور. فوجئ الإماراتيين، نهاية سبتمبر/أيلول 2019. باجتماع للمجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات، يجدد الثقة فيه رئيسا للمجلس الأعلى للاتحاد. لولاية رابعة مدتها خمس سنوات وفقا لأحكام دستور الدولة.

 

اقرأ أيضا: الثالاسوقراطيات في طور التكوين.. عن الإمارات وغرب المحيط الهندي

بن زايد.. ظهور نادر

في يونيو/حزيران 2017، نشرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”. مقطع فيديو للشيخ خليفة خلال استقباله حكام الإمارات، وأولياء العهد، والوزراء، وكبار المسؤولين. للتهنئة بعيد الفطر في قصر البطين في أبوظبي. وظهر الشيخ خليفة في الفيديو وهو يتحدث مع الشيخ سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة. كان ذلك هو أول ظهور علني لخليفة بعد 41 شهرا من الاختفاء التام، وطوال تلك الفترة، غادر الرئيس الإماراتي بلاده ثلاث مرات. لم يبث خلالها أي صور، أثناء مغادرته أو عودته.

وفي يوليو/تموز 2018 نشرت وكالة الأنباء الإماراتية مجموعة صور للرئيس خليفة في مدينة إيفيان الفرنسية، خلال استقباله حاكم إمارة عجمان، الشيخ حميد بن راشد النعيمي. وسبق ذلك ظهور نادر أيضا في 29 يناير/كانون الثاني، من العام ذاته، أثناء تقبله التعازي في وفاة والدته. بعدما أثار غيابه عن جنازتها، وتكليفه للشيخ محمد بن راشد -حاكم دبي- بالحضور نيابة عنه، جدل واسع بشأن وضعه. بعدما ظهر علينا 5 مرات فقط خلال 55 شهرا.

ثم شهد مايو/أيار 2019، الظهور الجديد لرئيس الإمارات أثناء استقباله أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات.

فيما كان آخر ظهور علني لحاكم الإمارات “الحاضر الغائب” في 21 من فبراير/شباط 2020، حينما قام بجولة في غابة محمية “غناظة” إلى جانب ولي عهده محمد بن زايد. وبدا وقتها في وضع صحي متردي، وغير مدرك كثيرا لما يدور حوله.

غياب مريب.. وولي العهد حاكم فعلي

منذ 2014، وأمام الغياب “المريب” للشيخ خليفة بن زايد عن المشهد السياسي في الإمارات. تفرد ولي العهد محمد محمد بن زايد بإدارة كثير من الأزمات المحلية والعربية. وهو ما دفع كثير من النشطاء لتدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2016 تحت عنوان “#أين_خليفة”.

تعامل ولي عهد أبو ظبي ونائب رئيس المجلس الأعلى للجيش، باعتباره الحاكم الحقيقي الفعلي والحقيقي للدولة. أثار مزيد من الجدل بشأن وضع شقيقه، ما دفع القائمين على الحملة، عبر صفحتها على موقع “تويتر” إلى القول بإن “الشيخ خليفة يخضع للإقامة الجبرية داخل الدولة. بأمر من شقيقه محمد بن زايد وسط تدهور مستمر في حالته الصحية”.

اختفاء رئيس الدولة، وعدم ظهوره إلا في مرات نادرة، فتح الباب واسعا للكثيرمن الروايات بشأن مصير رئيس الدولة. الممتلئ تاريخها -كغيرها من إمارات الخليج- بصراعات عائلية على كرسي الحكم.

زاد من الجدل الطموح الكبير لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي بدا منذ اللحظة الاولى لتولي الشيخ خليفة رئاسة الدولة في 2004. متطلعا للقيادة، حتى بات شقيقه الأكبر مع الوقت رئيسا شكليا.

ولم تتوقف التكهنات عن أسباب غياب الشيخ خليفة بن زايد لمدة طويلة عن المناسبات الرسمية فى البلاد. حتى أن عددا من الإماراتيين أوضحوا أن ما حدث له هو “انقلاب أبيض”. بعدما تم عزله من جميع المناصب، وعزل كل من معه أبناء كانوا أو أحفاد، ليستقر الوضع أن يكون محمد بن زايد هو الرئيس الفعلي لدولة الإمارات. بمساعدة إخوانه الأشقاء بالسيطرة على الحكم لكن بطريقة لا تلطخها دماء.

وكانت لافتات تم رفعها من جانب مدعومين من الإمارات، رفعت في اليمن نهاية عام 2016. بمثابة إقرار بواقع الحكم الفعلي أبوظبي، وفيها تم نشر صور كبيرة لمحمد بن زايد تحت شعار “شكرا الإمارات بخير”. ما أثار تساؤلات واسعة وقتها، حول ما إذا كان الرئيس خليفة بخير. فلماذا يتم نشر صور محمد بن زايد؟

اقرأ أيضا: من اتفاقيات إبراهيم إلى الحرب في اليمن: الإمارات والتهديد الإيراني

هل تكون ولاية عهد محمد بن زايد مثار صراع بين أبناء الشيخة فاطمة؟

الجدل الأبرز عقب طي صفحة حقبة الشيخ خليفة بن زايد، سيكون حول ولاية عهد الشيخ محمد بن زايد. والسؤال الأبرز هنا: لمن ستكون؟

هل لنجله “خالد”، الذي توسع نفوذه خلال الفترة الماضية بشكل كبير ومثير للجدل. حتى تولى قيادة الأمن الوطني، أم لأحد من إخوته الأشقاء من الشيخة فاطمة الكتبي.

ما يفتح الجدل حول ولاية العهد في إمارة أبوظبي، التي ينحصر حكمها بين عائلة آل نهيان. هو الترتيبات التي غيرت طبيعة الحكم في الإمارة، عقب وفاة الشيخ زايد عام 2014. وهي الواقعة التي ذكرتها تقارير دولية عدة، بعد أن أرجأت الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي الإعلان عن وفاة “حكيم العرب” لحين الانتهاء من الترتيبات الداخلية.

وبالمخالفة للعرف السائد وقتها، بذهاب ولاية عهد الإمارة للشقيق التالي من حيث السن. تم ترتيب حصول محمد بن زايد على ولاية العهد، رغم أنها كانت من حق الشيخ سلطان بن زايد، الأخ الشقيق لخليفة.

بعدها مباشرة، توسع نفوذ أبناء زايد “الفاطميين” -نسبة إلى والدتهم الشيخة فاطمة- من بين 19من الذكور، و11 من الإناث، هم مجموع أبناء الشيخ زايد من ثماني زوجات. فسيطر عبد الله على ملف الخارجية، وتولى منصور شؤون الرئاسة والقضاء، وأحكم طحنون قبضته على الأمن القومي والمخابرات. وسيطر سيف على الداخلية، وهزاع على الرياضة.