في تعليقها على الجدل الديني حول استشهاد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، كتبت الباحثة السورية ديما سكران الكلمات الآتية:

“يا جماعة والله حتى لو كانت مسلمة ما كنا انتهينا من هؤلاء!

كانوا سيقولون: سافرة متبرجة، ماتت على معصية.. فلا تجعلوها أيقونة..

ولو كانت محجبة كانوا سيقولون: تعمل وتخالط الرجال، وموتها يثبت أن هذا العمل لا يناسب المرأة.. فلا تجعلوها قدوة..

الفكرة عندهم بالبحث عن معركة، أيا كانت، أينما كانت.. هؤلاء يعيشون على الشعور بالاستهداف، وبدون هذا الشعور فلن يجدوا معنى لحياتهم..

هم ببساطة يعالجون اكتئابهم الوجودي بهذه المعارك التي تشعرهم بالقيمة..

رحم الله الشهيدة شيرين أبوعاقلة”

لفتتني كلمات ديما لأنها رأت ما وراء الجدل المباشر حول مسألة “مسلمة/ مسيحية”، “شهيدة أو لا شهيدة”، لتبيّن أن مشكلة هؤلاء، حتى لو لم تحدد بالتعريف من هم هؤلاء، هي مشكلة مع الذات قبل أن تكون مشكلة مع الآخر، مشكلة حول وجودهم ومعنى حياتهم الذي يحاولون صنعه عبر أسوأ الطرق: الشعور المرضي بالاستهداف، أو باختصار: بارانويا اجتماعية.

ونقول أن هذا الشعور بالاستهداف شعور مرضي لأن المشكلة ليست في عدم وجود الاستهداف (فقد رأينا كيف استهدفت شيرين وزملاؤها)، وإنما المشكلة في الإدراك الخاطىء لطبيعة ذلك الاستهداف، الإدراك الذي يطلق رصاصة إضافية على عنق شيرين كما أطلق آلاف الرصاصات على القضية نفسها، منذ بدأ “هؤلاء” يخترقون التظاهرات المؤدية لفلسطين العربية، ليهتفوا فيها “إسلامية إسلامية” فيشقوا صفوفها عن عمد أو عن جهل فادح، ومنذ قرروا فرض “إسلاميتهم” على الأراضي الفلسطينية التي انتزعها نضال منظمة التحرير وتضحيات كل الفلسطينيين، فيقرر “هؤلاء” الاستحواذ عليها ليطبقوا فيها عنوة فهمهم المتطرف للإسلام، والاستحواذ هنا ليس استحواذا جغرافيا فحسب على غزة أو غيرها، بل استحواذ على الخطاب العام المعبر عن القضية الفلسطينية، ومن نتائجه ما رأيناه بالأمس من إفساد لحظة تضامن هائلة مع تضحية شيرين أبو عاقلة، للتحول إلى نقاش ممجوج حول جواز الترحم عليها أو دخولها الجنة من عدمه.

هكذا، وبالعودة إلى ما لاحظته الباحثة ديما، فإن شيرين لم تكن في موضع “رضا وطاعة” حتى لو لم تكن مسيحية لأنها لم تكن محجبة، وحتى لو كانت محجبة لأنها “تخالط الرجال”، وحتى لو لم تكن تخالطهم لأنها تعمل في “مهنة لا تناسب المرأة”..إلخ

وفقا لطريقة التفكير هذه فإن “الجنة” تبدو مستحيلة الدخول إلا لنمط محدد جدا من الناس عامة، ونمط أشد تحديدا بالنسبة للنساء، على شيرين – غالبا – أن تكون امرأة مسلمة، منقبة،  لا تغادر بيتا ولا تطل من شباك، لا تعرف أحدا ولا يعرفها أحد، حتى تدخل الجنة، لكن أية جنة تلك؟

إنها الجنة التي تخلو – فضلا عن شيرين أبو عاقلة وإدوارد سعيد وإميل حبيبي وجورج حبش وحنان عشراوي وغيرهم من القامات الفلسطينية غير المسلمة – تخلو من مجدي يعقوب والمهاتما غاندي ونيسلون مانديلا وجوناس سولك، إنها جنة تخلو من المفكرين والفنانين والفلاسفة والمخترعين الذين أفادوا البشرية، ومكافحي العبودية ومناضلي التحرر وحقوق الإنسان، إنها جنة ترحب فقط بـ “هؤلاء”، وإنت تعرف بالطبع من هم هؤلاء، إنهم الذين أحالوا حياتك إلى جحيم في الأرض، ويطمحون إلى مواصلة ذلك في حياة السماء.