من أهم الظواهر الشائعة في السنوات الأخيرة هي الاستعمال المتزايد للشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك أو الإنستغرام، وغيرها من تطبيقات الرسائل الفورية (واتساب، تلغرام)، وقد رفع الاستعمال المتزايد “خطر المس بالخصوصية تجاه كل واحد وواحدة منا، كما تمثل المعلومات الهائلة الموجودة في هاتف كل شخص منا، والاستعمال الكبير للهاتف، يسبب خطرا كبيرا لخصوصيتنا. في السنوات الأخيرة هناك ظاهرة بأن يقوم أشخاص بنشر صور شخصية للآخرين، وأحيانا صور ذات طابع جنسي، في الشبكات الاجتماعية وفي التطبيقات المختلفة. الطريقة التي تعمل بها الشبكات الاجتماعية، تؤدي إلى إمكانية وصول المعلومات المنشورة، إلى عدد هائل من الأشخاص بوقت قصير جدا.
وقد جاء نص المادة الثانية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز تعريض أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص الحق في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات”.
وقد كتب البرلماني الإنكليزي ويليام بيت فقد كتب عن حق الإنسان بالخصوصية يقول ” يمكن لأفقر الرجال في هذه البلاد أن يتحدى من منزله كل قوى العرش. قد يكون هذا المنزل هشاً, يترنح سقفه, وقد يدخله المطر وقد تدخله الرياح, لكن ملك إنكلترا لا يستطيع الدخول إليه, ولن تستطيع كل قواته اجتياز عتبة هذا البيت الآيل للسقوط”.
ومن الناحية التطبيقية التاريخية فأنه يٌذكر أنه في عام ١٧٦٥ قام القاضي الإنجليزي اللورد كاميرون برفض طلب من الشرطة باقتحام منزل أحد المواطنين ومصادرة أوراقه, وكتب في معرض مذكرة القرار ” يمكننا القول بثقة بأنه ما من قانونٍ في هذه البلاد يعذر هؤلاء فيما يقومون به, وإن كان الأمر كذلك, فإن ذلك سيعصف بكل أسباب الطمأنينة في هذا المجتمع, حيث إن الأوراق هي الأشياء الأعز إلى أنفسنا نحن البشر، وقد اقترن مفهوم الخصوصية عبر تطوره في المراحل المختلفة بفكرة الحرية, ففي عام ١٨٩٠ وضح القاضي الأمريكي لويس برانديس أن الخصوصية هي “ترك المرء وشأنه”, وبأن الخصوصية هي أعز الحريات في المجتمعات الديمقراطية, وبأنه يرى بأنه يجب لحظها في الدستور. وفي عام ١٩٦٧ في كتابه حول الخصوصية والحرية, كتب ألان ويستن بأن الخصوصية هي رغبة الأشخاص بأن يختاروا بملء حريتهم الظروف التي يتم بموجبها الكشف عن أنفسهم, ومواقفهم, وسلوكهم للآخرين.
اقرأ أيضًا: «الحياة الخاصة تحت التهديد».. ورقة سياسات من «دام»
وقد سبق الدين الإسلامي في حماية خصوصية المواطنين، حيث قال المولى سبحانه وتعالى ” ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا”، كما أن النبي قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات الناس، فعن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم.
وبشكل عام فإن موضوع الحق في الخصوصية يُعد من أهم الموضوعات في الوقت الحاضر، وذلك لارتباطه بكرامة الإنسان التي تعتبر شيئا جوهريا له علاقة بحياته الخاصة التي منحها له الحق سبحانه وتعالى ثم تبنت هذا الحق الأحكام الوضعية؛ إذ إنه لا يجوز الانتقاص من هذه الكرامة، وأي انتقاص منها يؤدي بشكل فعال ومباشر إلى عدوان على الخصوصية؛ ولقد أثر التقدم التكنولولوجي المتسارع في العقود الأخيرة على حياة الإنسان وحرياته الخاصة، مما أدى إلى تغير الحياة الاجتماعية، جراء التطفل على الحياة الخاصة للأفراد وانتهاكها.
وتحرص الدساتير عادة على حماية هذا الحق من الناحية النصية، فقد جأت المادة 57 من الدستور المصري الأخير بقولها أن للحياة الخاصة حرمة، هي مصونة لا تمس، كما أوردت صيانة ممارسة ذلك الحق عبر وسائله المتاحة، دون أي مساس به إلا من خلال السلطة المختصة بذلك وبأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، كما أضافت المادة 99 من الدستور أن أي اعتداء على مجموعة الحقوق الشخصية يمثل جريمة لا تسقط عنها الدعوى الجنائية بالتقادم. ولكن من الناحية التشريعية، وعلى الرغم من كثرة التشريعات التي تعالج الموضوع نصياً، مثل قانون الجريمة الإلكترونية، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ، وقانون حماية البيانات الشخصية رقم 8 لسنة 2020 ، إلا أن الصياغات التشريعية لهذه القوانين على كثرتها، لا تعالج بشكل تقني أو تحمي الحريات الشخصية للمواطنين بقدر ما يوجد بها من أوجه تعد على تلك الحقوق، وأزعم أنه يجب على المشرع مراجعة كافة التشريعات التي تنظم هذا الحق بما يضمن سريانه وممارسته دونما تضييق احتراما لما ورد عليه لنص الدستوري على الأقل، وللتمثيل على ذلك ما منحته المادة الثانية من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أنه على مقدمي الخدمة أن يقدموا كافة الاحتياجات والامكانيات الفنية لجهات الأمن القومي، وهو الأمر الذي يعني التعرض للحق في الخصوصية.