دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً مقابل دخول المغرب في اتفاقات إبراهيم. وصف محللون بالولايات المتحدة اتفاق ترامب مع المغرب بأنه “لم يكن صفقة بقدر ما كان هدية”. فقد منح ترامب المغرب اعترافًا بالأراضي المتنازع عليها، حتى تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل. ولكن على عكس الدول التي كان لديها الحد الأدنى من العلاقات الفاترة مع إسرائيل قبل التوقيع. حافظ المغرب -لعقود- على روابط سياسية وأمنية وثقافية ودينية وثيقة مع إسرائيل.

خلال الحرب العالمية الثانية -عندما حكم نظام فيشي المغرب باعتباره محمية فرنسية- قام الملك المغربي محمد الخامس بحماية اليهود المغاربة من الاضطهاد والترحيل. ثم جاء ابنه، الملك الحسن الثاني، الذي حكم المغرب من عام 1961 إلى عام 1999. وعمل عن كثب مع إسرائيل في مجموعة من القضايا، منها تسهيل هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل، وتبادل التسجيلات السرية للقادة العرب، والتي ساعدت في فوز إسرائيل في حرب الأيام الستة 1967.

ردت إسرائيل الجميل للمغرب في العام نفسه، بتزويد الحسن الثاني بمعلومات حول مؤامرة للإطاحة به. ووفقًا لصحيفة The New York Times. ساعد الموساد عملاء المخابرات المغربية في اغتيال المعارض الشهير مهدي بن بركة في باريس عام 1965.

أيضا، ساعد المستشارون الإسرائيليون المغرب في بناء الساتر الترابي، وهو عبارة عن خط تحصينات يبلغ طوله 1700 ميلاً. ويعزل ما يقرب من 80 % من الصحراء الغربية.

اقرأ أيضا: التطبيع يؤجج صراع الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر

التقارب المغربي-الإسرائيلي يُثير القلق في شمال إفريقيا

في السنوات الأخيرة، زار ما يصل إلى سبعين ألف سائح إسرائيلي -معظمهم من أصول مغربية- البلاد كل عام. وجاء اليهود المغاربة -الذين يقدر عددهم بـ 10% من السكان- لتشكيل لوبي محلي قوي، مما يجعل السياسة المغربية مسألة ذات اهتمام إسرائيلي داخلي.

تقول هانا أرمسترونج في تحليل نشرته Foreign Affairs: يشير هذا التاريخ الغني للعلاقات الوثيقة بين إسرائيل والمغرب. إلى أن مشاركة الرباط في اتفاقيات إبراهيم كانت مناسبة طبيعية، وكان من الممكن تأمينها دون مبادلة حق الصحراء الغربية في تقرير المصير.

كان للتقارب العلني بين المغرب وإسرائيل عواقب مزعزعة للاستقرار في المنطقة. حيث أثار قلق الجزائر -التي لا تعترف بدولة إسرائيل وتعتبرها جهة معادية- خاصة وأن هناك تقارير ظهرت في أغسطس/آب الماضي. عن استخدام المغرب لبرنامج التجسس الإسرائيلي بيجاسوس لمراقبة كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الجزائريين.

بالفعل، قطعت الجزائر العلاقات مع الرباط في نفس الشهر. وأغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية في الشهر التالي. في الوقت نفسه، أوقفت الجزائر -ثالث أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا والنرويج- صادرات الغاز عبر خط أنابيب المغرب العربي. الذي يمتد إلى إسبانيا عبر المغرب، ويعمل كمصدر إمداد مهم للمغرب وأوروبا.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أسفرت زيارة قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي إلى الرباط عن أول مذكرة تفاهم دفاع إسرائيلية مع دولة عربية. ما سهل على إسرائيل بيع الأسلحة إلى المملكة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية معها. وقال مسؤولون جزائريون إن الاتفاق “استهدف” وهدد بـ “تقويض” الجزائر.

في الشهر نفسه، اتهمت الجزائر الرباط باستخدام “أسلحة متطورة” -في إشارة إلى طائرة إسرائيلية بدون طيار- لتنفيذ هجوم مميت على ثلاثة سائقي شاحنات مدنيين جزائريين. كانوا يعبرون المنطقة التي تسيطر عليها البوليساريو في الصحراء الغربية. وبينما نفى المغرب مسؤوليته عن الضربة. لكن كلا البلدين رفع الإنفاق العسكري، ونشر قوات على طول حدودهما المشتركة.

البوليساريو.. المتمردين الأحسن تصرفًا في العالم

وسط هذا التوتر، تستمر جبهة البوليساريو في العمل. يصف دبلوماسيون الجماعة الصحراوية بأنها ” المتمردين الأحسن تصرفًا في العالم”. في ظل عملية سلام مطولة تركتهم ينجبون أطفالًا وأحفادًا في مخيمات اللاجئين الجزائرية، تبنى اللاجئون الصحراويون الوسائل القانونية للمقاومة. وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة.

حتى الآن، يتعرض دعاة تقرير المصير الصحراويون داخل الإقليم المتنازع عليه باستمرار للانتهاكات من قبل قوات الأمن المغربية. التي خاصة النساء -مثل الناشطة سلطانة خيا– بأشكال خاصة من التعذيب. فمنذ وضعها قيد الإقامة الجبرية بحكم الأمر الواقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. دأبت قوات الأمن المغربية على اقتحام منزلها بشكل متكرر. والاعتداء عليها هي وأختها ووالدتها المسنة، والاعتداء عليها جنسياً. وفقاً لمنظمة العفو الدولية.

وضع جديد للصحراء الغربية

لا تزال الصحراء الغربية واحدة من أكثر الأزمات استعصاءً في العالم، بسبب رفض المغرب السماح بإجراء استفتاء أو قبول أي تحدٍ لسيطرته على الإقليم. فضلاً عن الافتقار إلى الإرادة السياسية بين الحلفاء المغاربة -مثل فرنسا والولايات المتحدة- لتشجيع البلاد على تغيير مسارها.

في مارس / آذار، حذت إسبانيا حذو الولايات المتحدة في تغيير موقفها من الحياد إلى دعم اقتراح الحكم الذاتي المغربي، وهي خطوة تعرضت لانتقادات شديدة وعارضتها غالبية المشرعين الإسبان. وتلتها هولندا الأربعاء الماضي. التي أعربت عن دعمها لخطة المغرب بمنح الحكم الذاتي للصحراء الغربية. ووصفت الخطة بأنها “جادة وذات مصداقية”. وقالت هولندا إنها تدعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى “حل عادل ودائم ومقبول للطرفين”.