لا شك أن السياق الاجتماعي والاقتصادي العالمي يعزز من مظاهر الحرمان المختلفة. ومنها ظاهرة “أطفال الشوارع”. وقد ازدادت في السنوات الأخيرة، نتيجة للمتناقضات الاجتماعية، أو عدم تكافؤ الفرص على كافة المستويات. بالإضافة إلى عدم تحقيق الأهداف المرجوة من مشاريع التنمية. بينما اختلفت التقديرات في تحديد حجم الظاهرة دوليا، والتي بلغ نصيب أفريقيا منها حوالي 10% من التقدير العالمي.

وإقليميًا، شهد المجتمع العربي مؤخرًا العديد من التحولات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية “على اختلاف حدتها”. إضافة إلى التغيرات المناخية التي أدت إلى حدوث كوارث طبيعية وحروب. وكلها أمور ساهمت في ازدياد حدة مشكلات الطفولة. ومن بينها “أطفال الشوارع” أو “المشردون” في العديد من المدن والعواصم العربية.

وقد حاولت الباحثة وفاء العشري في ورقة سياسات جديدة، صدرت عن مركز التنمية والدعم والإعلام «دام»، تناول ظاهرة أطفال الشوارع في مصر. باحثة عن إجابات لأسئلة: ما هي الأسباب التي ساعدت على زيادة الظاهرة؟ كيف واجهت الدولة هذه الظاهرة؟ بينما استعرضت تجارب بعض الدول الأخرى في القضاء على هذه الظاهرة. وأخيرًا، طرحت بعض التوصيات للمساعدة في القضاء على هذه الظاهرة أو على الحد منها في أقل تقدير.

للاطلاع على الورقة كاملة..

أطفال بلا مأوى.. قائمة متنوعة من الضحايا

في السابق كان المفهوم السائد عن “أطفال الشوارع”أنهم الذين تخلت عنهم أسرهم. وكانت تتم الإجراءات الرسمية لتسليمهم إلى دور الرعايا والملاجئ. ويقدم لهم من خلال هذه الدور الطعام والمأوى والملبس. ذلك تحت إدارة وبمساعدة المتطوعين أو المؤسسات الحكومية أو من خلال دور الكنائس. بينما في الوقت الحالي تعددت فئات “أطفال الشوارع”. فمنهم الذين يمثلون العائل الاقتصادي لأسرهم الفقيرة، ويعتبرون مصدر دخل للأسرة. أو الذين هربوا لوقوعهم تحت عنف منزلي أو أسري أو اجتماعي. وعدد قليل ممن تعرض أحد والديه أو كلاهما لحكم الإعدام. أو في الحالات التي يكون فيها المجرم والضحية خلالها والدي الطفل. ويؤدي هذا الوضع إلى أن يصبح الطفل بلا مأوى، وينتهي به الأمر إلى العيش في الشوارع.

مؤخرًا انضمت حالات من داخل مجتمع LGBTQ (الأقليات الجنسية) إلى تصنيف “أطفال الشوارع”. وهؤلاء تعرضوا للعنف والتمييز من أسرهم وأقاربهم ومن المجتمع المحيط، فيلجؤون هربًا إلى الشارع بشكل جزئي، أو بشكل كلي، حيث لا يمكن التعرف على هوياتهم الجنسية.

ومن كل المعطيات السابقة، تدق الباحثة ناقوس خطر بشأن انتشار ظاهرة “الأطفال بلا مأوى” في أنحاء المحافظات بمصر، وما يمثله هذا من تهديد لأمن وسلامة المجتمع.

لا إحصاءات رسمية حول أطفال الشوارع

تتبع الباحثة المعلومات الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء. فيتبين أنه لا توجد إحصاءات رسمية حكومية عن حجم الظاهرة في مصر. ولكن وفقًا للهيئة العامة لحماية الطفل -وهي منظمة غير حكومية- فقد قدر أعداد أطفال الشوارع في عام 1999 بحوالي 2 مليون طفل. في حين قدرت منظمة اليونيسف عام 2007 عددهم بأنه يتراوح ما بين المائتي ألف والمليون طفل. وتصل نسبة من هم تحت سن الثانية عشرة إلى 25%. إلا أن المجلس القومي للأمومة والطفولة قدر العدد في القاهرة وحدها عام 2009، بحوالي 5229 طفلًا، بنسبة 84.4% من الفتيان إلى 15.6% الفتيات.

ويواجه أطفال الشوارع في مصر مشاكل وأخطارا كثيرة. من بينها العنف الذي يمثل الجانب الأكبر من حياتهم اليومية، سواء العنف بين مجموعات الأطفال صغيري السن، أو العنف من المجتمع المحيط بهم، أو العنف أثناء العمل أو الاغتصاب، واستغلالهم جنسيًا. كما أن انتشارهم في مصر، أدى إلى استغلالهم من قبل أفراد لتشكيل عصابات منهم. حيث يتم استدراجهم، واغتصابهم وتهديدهم بفضحهم للسيطرة عليهم أو تهديدهم بالسلاح، أو إجبارهم على التسول وتنظيف السيارات، ليوفر الأطفال المال لمشغليهم، مقابل توفير المسكن والطعام. وقد تعددت مثل هذه الحوادث داخل المجتمع المصري.

أطفال الشوارع في الدراما المصرية

يحظى التليفزيون المصري بارتفاع نسبة المشاهدة لأعماله الدرامية، ولهذا تأثير كبير في تكوين السلوك الفردي والاجتماعي داخل المجتمع. كما أن له الأثر في ترسيخ قيم مجتمعية أو تعديل بعض المفاهيم المترسخة، بالإضافة الى معالجة بعض القضايا المجتمعية.

ولكن الدراما المصرية لم تستطع أن ترصد ظاهرة أطفال الشوارع بكافة التفاصيل والدوافع التي أدت إليها إلا في أعمال قليلة. فمع نهاية الأربعينيات والخمسينيات من هذا القرن عرضت أفلام “أولاد الشوارع” ليوسف وهبي، و”جعلوني مجرما” للمخرج عاطف سالم. وقد تناولت فيها الظاهرة بسطحية شديدة.

كما ركزت معظم الأعمال الدرامية في الفترة الحالية على السلبيات المرتبطة بالقضايا التي تركز على معاناه الطفل من العنف المجتمعي والأسري. ولم تتطرق معظم الأعمال بشكل عملي للحلول التي يمكن تقديمها لرعاية أطفال الشوارع. ومن ثم إعادة دمجهم مرة أخرى داخل المجتمع. بل على العكس تماما بعثت بعض الأعمال الدرامية برسائل سلبية عن أطفال الشوارع.

وقد دعت وزيرة التضامن الاجتماعي من خلال مهرجان الإسكندرية السنيمائي لدول حوض البحر المتوسط لهذا العام القائمين على الفن إلى ضرورة تبني قضية أطفال الشوارع والأيتام في أعمالهم الدرامية. فالوعي المصري مرتبط بالقضايا المجتمعية التي تطرح من خلال الأعمال الدرامية المعروضة ويتفاعل معها.

توصيات لإنهاء أزمة أطفال الشوارع

تشير الإحصاءات إلى أن في مصر أكثر من 40 ألف من مؤسسات المجتمع المدني، ولكن تعاطيها والتصدي لهذه الظاهرة محدود ويكاد يكون نادرًا. ذلك بسبب ندرة الإمكانات المادية والمعرفية والموارد البشرية، التي يمكنها أن تغطي قطاعًا عريضًا من أطفال الشوارع داخل المحافظات على مستوى الجمهورية، وتساعد على إعادة دمجهم داخل مجتمعاتهم.

وعلى الرغم من إعلان وزارة الشباب والرياضة عن برنامج لتأهيل أطفال الشوارع ودمجهم داخل المجتمع. إلا أنه من الملاحظ أنها مفعلة بشكل محدود للغاية.

وكل ما سبق يستلزم تبني نظرة شاملة تحلل وتعالج الظواهر وتحدد أسبابها الحقيقية. وهو ما يتطلب حشدًا وتضافرًا لكافة الجهود لمواجهة هذه الظاهرة، وفي سبيل ذلك قدمت الباحثة توصيات قد تساهم في حماية هؤلاء الأطفال وتعيد دمجهم داخل مجتمعاتهم بصورة إيجابية. ومنها:

  • تطوير برامج مكافحة الفقر، وزيادة أعداد مكاتب الاستشارات الأسريّة، وتفعيل دورها وتحسينها.
  • على المؤسسات بالدولة أن تحترم الطفل بوصفه صاحب حقوق واتخاذ القرارات غالبا بالتعاون معه.
  • مراعاة الخصائص المتنوعة للأطفال، من حيث السن، والجنس، والأصل الإثني، والانتماء إلى السكان الأصليين، والجنسية، والإعاقة، والميل الجنسي، والهوية الجنسانية، وغيرها من الخصائص، ووضع برامج تتوافق مع المجموعات المختلفة.
  • استخدام المنهجية لضرورة توفر إحصائيات رسمية عن أعداد أطفال الشوارع.
  • تحسين القوانين والسياسات، بما يراعي مصلحة الطفل الفضلى، وأن تلغى عند الاقتضاء الجرائم التي يجرَّم بها أطفال الشوارع والتي تؤثر فيهم بشكل غير متناسب، مثل التسول، وخرق منع التجول، والتسكع، والتشرد، وأن تلغي الجرائم التي يجرَّم بها الأطفال لكونهم ضحية للاستغلال الجنسي لأغراض تجارية، وما يسمى بالجرائم الأخلاقية، مثل ممارسة الجنس خارج إطار الزواج.
  • إلغاء البند الخاص بـ”حظر التبني” ضمن حقوق الطفل في القانون المصري، مع وضع أحكام مشددة على من قام باستغلال الأطفال بعد تبنيهم.
  • تفعيل دور الإعلام بوسائله المختلفة؛ لزيادة وعي المجتمع، وتحريك الرّأي العامّ حول هذه الظّاهرة، وأهميّة مُكافحَتها.
  • توفير نظامٍ اجتماعيٍّ يهتمّ بتفعيل آليّةٍ لرصد أطفال الشّوارع المُعرَّضين للخطر، وضبطهم.
  • إنشاء مراكز منتشرة داخل المدن والأحياء، مهمّتها تأهيل أطفال الشّوارع نفسيّا ومهنيّا.
  • زيادة التعيينات للأخصّائيّين الاجتماعيين؛ للعناية بهم، ومناقشة مشاكلهم وحلولها.
  • استخدام الفن في معالجة الانحراف السلوكي لأطفال الشوارع.