في أعقاب إغلاق باب التصويت في الانتخابات النيابية اللبنانية أمس، أصدرت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات LADE. تقريرًا أوليًّا حول العملية الانتخابية. والتي رصدت كافة مراحل الاستحقاق الانتخابي، منذ بدء الحملات الانتخابية، وحتى عمليات عد الأصوات وفرزها. والتي وصفتها في مؤتمر صحفي بأنها حملت “شوائب بالجملة اعترت الاستحقاق. ومخالفات فاضحة، وترهيب، وضغوط مارستها جهات سياسية عدة” وذلك “في ظل تراخ واضح في تطبيق القانون من جانب وزارة الداخلية والبلديات”، وفق القائمين على التقرير.

واستهلت الجمعية التقرير، الذي حمل عنوان “مخالفات فاضحة وضغوط وترهيب وضعف في التنظيم”. بأن هذه الانتخابات انتظرها اللبنانيون طويلا. بعد سلسلة تحولات دراماتيكية شهدتها البلاد “بدأت بثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتلتها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة. خصوصا مع انهيار سعر صرف العملة الوطنية”.

إلا أن ما تم رصده وتوثيقه طيلة اليوم الانتخابي الطويل “جاء مخيبا للآمال”، بحسب المراقبين الذين أكدوا أن ما حدث “يفرغ جوهر العملية الديموقراطية من معناه”. وإذا كانت السلطة السياسية والجهة المعنية بتنظيم الانتخابات وإدارتها اعتبرت أن مجرد حدوث هذه الانتخابات هو إنجاز بحد ذاته، إلا أن حجم الانتهاكات والمخالفات التي تم توثيقها في المرحلة الأخيرة “لا يعكس على الأرض صفة الإنجاز على الإطلاق”.

المخالفات والانتهاكات التي وثقها مراقبو LADE، كان أخطرها التعرض لمراقبي الجمعية بالتهديد، والضرب، والضغط، والمرافقة من قبل مندوبي العديد من الأحزاب ذات السطوة في مختلف الدوائر. خاصة التي يوجد فيها مرشحو “حزب الله” و”حركة أمل”. وهو “ما اضطر “لادي” إلى سحب مراقبيها من بعض المراكز الانتخابية ضمانا لسلامتهم الشخصية”.

اقرأ أيضا: انتخابات لبنان.. زورق التغيير يواجه عواصف الاستقطاب (1-3)

مخالفات فاضحة لسرية الاقتراع

سجل مراقبو الجمعية على مدار اليوم ما وصفوه بـ “تراخي وزارة الداخلية والبلديات في تطبيق القانون، من خلال عدم ردع الاعتداءات على مراقبيها”. فضلا عن الاعتداءات على المرشحين واللوائح. وذلك في الوقت الذي طالبت فيه الجمعية وزارة الداخلية اللبنانية أكثر من مرة بتأمين سلامة مراقبيها، وكذلك سلامة الناخبين والمندوبين. وأشار المراقبون أن شكاواهم إلى السلطات الأمنية لم تلق التجاوب المناسب.

أيضا، سجل المراقبون على امتداد اليوم الانتخابي “مخالفات فاضحة لسرية الاقتراع في معظم الدوائر، مع تسجيل دعاية انتخابية مكثفة، وضغوط على الناخبين. الذين لاحقهم مندوبو العديد من الأحزاب منذ لحظة وصولهم إلى مراكز الاقتراع، لتوجيههم، كما سجلت مئات من حالات المرافقة إلى خلف العازل، بالإضافة إلى خروق فاضحة للصمت الانتخابي”.

وتابع التقرير: “خلال الفرز في اللجان الفرعية، استمرت المخالفات على نطاق واسع، مع تدخل المندوبين بشكل فاضح في العملية. وقد انتشرت فيديوهات توثق بعض الممارسات المثيرة للجدل، التي يمكن أن تشكل مادة للطعن بالانتخابات، في ظل فوضى عارمة سجلت. بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي في بعض المراكز، رغم الوعود المسبقة من جانب السلطات المعنية بتأمين التيار من دون انقطاع طيلة فترة الليل.

وأوضح التقرير أن المناخ العام المرافق للعملية الانتخابية شابته منذ البداية العديد من الشوائب، التي وثّقتها الجمعية من خلال التقارير الدورية. التي كانت تصدرها منذ انطلاق الحملات الانتخابية “والتي سلطت الضوء على الانتهاكات التي سجلت، سواء على مستوى المحسوبية السياسية، أو الخطاب السياسي التحريضي والطائفي”. فضلا عن استخدام النفوذ من جانب العديد من الجهات السياسية والرسمية، والسلطات المحلية، والتحريض على العديد من المرشحين طوال فترة الحملات الانتخابية”.

وسجلت الجمعية أيضا “ضعفا في تنظيم العملية الانتخابية عموما، وهو ما سبق أن حذرت منه بعد انتخابات موظفي اللجان الفرعية. التي أظهرت قلة معرفة بقانون الانتخاب وآلية الاقتراع، من جانب الجهات الموكل إليها تنظيم العملية الانتخابية وإدارتها، وقد انعكس ذلك مجددا في اليوم الانتخابي الطويل الأحد”.

المنع والضرب والتهديد.. أبرز الانتهاكات

عرض التقرير جملة من الانتهاكات التي وثقها أكثر من 1100 مراقب يتوزعون على اللجان الفرعية والمراكز التي شهدت عملية الاقتراع. 16% منهم بشكل ثابت بعدد 302 مراقب، بينما تجول  695 مراقبًا. وبقي 135 كفرق ليلية لمراقبة أداء لجان القيد ابتداءً من الساعة 7 مساء.

وشهد يوم الاقتراع تعرض غالبية مراقبي قرى صيدا، البالغ عددهم 31 مراقبا ومراقبة، لمضايقات من قبل مندوبي حزب الله وحركة أمل. وتعرضت مراقبة في منطقة الرمادية للتهديد من مندوب حركة أمل. وتعرض مراقبَين في منطقة السكسكية لتهديد من حركة أمل وطلب منهما المغادرة. وتعرضت مراقبة في كفر ملكي في صيدا لشتم وضرب من مندوب لحزب الله.

أيضا، تعرض مراقبون لمضايقات من قبل مندوبي حزب الله. وتعرض مراقبون للضرب في “النبي شيت” من قبل حزب الله في بعلبك. وتعرض مراقبون في بعذران- الشوف لمضايقات من قبل رئيس قلم والحزب التقدمي الاشتراكي. وتعرضت مراقبة في المنصورية للتهديد من مندوبين لحزب القوات اللبنانية. وتعرضت مراقبة في الرملية – عالية، للتهديد من مندوبين للحزب الديمقراطي اللبناني ومصادرة هاتفها.

وكذلك، رصدت الجمعية خلال عمليات الفرز، منع عدد من مراقبيها في البداية من الحضور من قبل القوى الأمنية. قبل أن يتمكن الجميع من الدخول بعد فترة.

اقرأ أيضا: على حافة الإفلاس.. لبنان مُعلق على قشة صندوق النقد

انتهاكات ومشاكل لوجستية في الفرز

حتى الساعة الثانية صباحا بعد إغلاق صناديق الاقتراع. مُنِع خمسة مراقبين من حضور الفرز داخل اللجان وفي لجنة القيد الابتدائية في بيروت. وفي أحد مراكز دائرة بيروت الأولى، جرى الفرز في ظل انقطاع التيار الكهربائي. رغم وعود وزارة الداخلية بتأمين الكهرباء في كل مراكز الاقتراع.

وفي القلم رقم 6 في مركز الاقتراع في ثانوية الأخطل الصغير- البوشرية. احتسبت ورقة اقتراع رسمية، رغم التصويت خارج الخانات المخصصة للاقتراع. وفي القلم الرقم 2 في بنت جبيل، حدثت أخطاء كثيرة في عد الأصوات، ما اضطر القاضي إلى إعادة الفرز. بينما تزاحم رؤساء اللجان إلى حد الفوضى أمام مدخل قصر العدل في صيدا. وحدثت مشاجرة وإقفال وضرب في أحد أقلام الاقتراع في برجا. وفق مراقبي الجمعية.

أيضا، سجل المراقبون تأخير في افتتاح بعض اللجان “طال مثلا في أحد اللجان في منطقة الغابات في جبيل لأكثر من 45 دقيقة، بسبب تأخر وصول رئيس القلم”، ما أدى إلى حدوث فوضى. كما سجل المراقبون نقص في المستلزمات في عدد من مراكز الاقتراع. وكان لافتا وصول عدد من قسائم الاقتراع الخاصة بدائرة بنت جبيل إلى قلم في دائرة جبيل.

وفي مخالفة تكررت في كل مراحل الانتخابات -رغم كل الشكاوى- تم تثبيت المعازل في عدد كبير من اللجان بطريقة لا تضمن سرية الاقتراع. كما توقفت عملية الاقتراع في أكثر من مركز بسبب مشاجرات أحيانًا، ونقص في أوراق الاقتراع أحيان أخرى. وذكر التقرير ورود معلومات “عن تسليم أوراق اقتراع من دون التوقيع عليها من قبل هيئة القلم. ما يمكن اعتباره علامة إضافية على ورقة الاقتراع قد تعرضها للإبطال. وفي إطار المشاهدات العامة، لوحظ أيضا عدم تجهيز غالبية المراكز بشروط تسهل عملية اقتراع ذوي الاحتياجات الخاص.

خرق الصمت الانتخابي وسرية الاقتراع

على الرغم من أن القانون اللبناني حظر أي دعاية انتخابية بدءا من منتصف ليل الجمعة السبت السابق ليوم الأحد الانتخابي. فإن “انتهاكات بالجملة للصمت الانتخابي سجلت قبل يوم الاقتراع وخلاله، من عدد من المرشحين واللوائح، ولكن أيضا من قبل عدد من السياسيين”. وفق التقرير. ولاحظ مراقبو الجمعية “وجود دعاية انتخابية مكثفة في معظم مراكز الاقتراع في مختلف الدوائر. وفي محيطها، وأمام بواباتها، مع نشاط لافت للماكينات الانتخابية”.

سجل مراقبو الجمعية خرقا واسع النطاق للمادة 95 الفقرة الرابعة، والتي تضمن “سرية الاقتراع”. كما سجل المراقبون في كل المناطق اللبنانية “مرافقة مندوبي اللوائح لعدد كبير من الناخبين إلى خلف العازل بحجة الأمية والإعاقة، دون التحقق من ضرورة الحاجة إلى المرافقة، ومن دون تسجيل هذه الواقعة في المحاضر”.

أيضا، لاحظ المراقبون “ضغط على الناخبين من قبل الماكينات الانتخابية في مراكز الاقتراع”. حيث كان مندوبي المرشحين يضغطون على الناخبين بمجرد وصولهم، ويلاحقونهم داخل اللجان، عبر محاولة توجيههم. ووثق مراقبو الجمعية أيضا “اقتراع ناخبين بعد تصويرهم قسيمة الاقتراع”.

أضاف التقرير ما وصفه بـ “مخالفة جوهرية”، حيث أبلغ ناخب منسق “لادي” في عين عنوب في عاليه بأنه “مُنع من الاقتراع باعتباره قد اقترع بالفعل، رغم أنه لم يقترع. وقد أظهر لهيئة القلم أن لا حبر على إصبعه”. وبحسب إفادة الناخب للمنسق، فإنه كان قد تقدم بطلب لتجديد بطاقة هويته، وعندما لم تصل في موعدها المحدد، جدد جواز سفره ليوم واحد للاقتراع.

وفي خرق فاضح لمبدأ سرية الاقتراع، والتعميم الصادر عن وزارة الداخلية، القاضي بإلغاء صوت كل من يصور قسيمة الاقتراع “شاركت الناخبة كلودين عون روكز صورة عن قسيمة اقتراعها. كاشفة لمن أعطت صوتها التفضيلي، قبل أن تعود وتزيلها عن صفحتها على “فيسبوك”.

اقرأ أيضا: بلد الممولين والسياسة الطائفية.. طريق “مفروش بالأشواك” أمام خروج لبنان من الأزمة الاقتصادية

الاعتداء على المرشحين

سجل مراقبو الجمعية “العديد من الإشكالات الأمنية بين مندوبي المرشحين والماكينات الانتخابية المختلفة، وصلت إلى حد الاعتداء على بعض المرشحين ومندوبي بعض اللوائح، وأدّت في عدد من المراكز إلى توقف عملية الاقتراع لبعض الوقت”.

ووثق المراقبون اعتداء مناصرين لحزب الله وحركة أمل على المرشح واصف الحركة في مركز الاقتراع في برج البراجنة – المنشية. وسط ترداد شعارات “صهيوني، صهيوني”. كما طرد مندوبو لائحة “الأمل والوفاء” مندوبي القوات اللبنانية خارج مركز الاقتراع في بلدة الكنيسة في البقاع على إثر خلاف بينهم.

واشتكى رئيس القلم في الغرفة الرقم 1 قلم 72 في مدرسة رأس النبع الثانية الرسمية. لمراقبة “لادي” من “تعرضه للتهديد والضغط من قبل حركة أمل”، وفق قوله. كما حاصر مناصرو حزب الله وحركة أمل مركز لائحة “معا نحو التغيير” في أنصار- النبطية، وتعرضوا لمصور “ميجافون” بسبب توثيقه مخالفات في الدائرة. كما حدثت اعتداءات متفرقة بين أنصار القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في جزين وزحلة.