في الوقت الذي ترحب فيه القوى السياسية بالدعوة للحوار الوطني، يأتي التركيز من الأطراف المشاركة على قضية الحريات. والإفراج عن المحبوسين، وبعض قضايا الإصلاح الاقتصادي، غاب عن الأطراف المشاركة الحديث عن الفراغ التشريعي. الذي تعانيه السلطة التنفيذية في مصر منذ عام 2011 جراء غياب انتخابات المجالس الشعبية المحلية حتى الآن.

وفي ظل حالة الحراك المجتمعي أصبح قانون الإدارة المحلية ضرورة ومطلبا ملحا لإجراء الانتخابات المحلية لتحقيق الاستحقاق الدستوري. بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي تمهد لإجراء الانتخابات والمحددة في الدستور بمدة خمس سنوات من تاريخ إصداره.

وينص دستور 2014 على أن يتم إعداد القانون والانتهاء من صدوره قبل انتهاء الفترة الانتقالية طبقا لنص المادة 180 الخاصة بالأحكام الانتقالية. والتي تنص على أن “يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه في الدستور بالتدريج، والتي انتهت في 2019. ويحدد برنامج زمني لنقل السلطات والموازنات وهو لم يحدث حتى الآن منذ العمل بالدستور”.

مناخ سياسي

ويأخذ بعض المهتمين بالمحليات على المسؤولين عن إدارة الإصلاح السياسي والحوار الوطني، تجاهل إصدار قانون الإدارة المحلية واستمرار غياب المجالس المحلية أحد أدوات الرقابة المساعدة للبرلمان. حيث يتطلب الحوار الناجح إيجاد مناخ مهيأ سياسيًا وتنظيميًا وإداريا وفنيًا، وفقا لعبد الحميد كمال وكيل لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان سابقا.

يرى كمال أن نجاح الحوار الوطني يعني أن المقدمات تؤدي إلى نتائج ملموسة، وأن يضع ضمن أولوياته الإسراع بإصدار قانون الإدارة المحلية وإجراء انتخابات شعبية. تمثل جميع القوى السياسية على أرض الواقع، حتى لا يضيع الحوار هباء أو يتحول إلى مجرد مقترحات أو توصيات وحبر على ورق من وجهة نظره.

وقال عبد الحميد لــ”مصر360″: لابد من تحديد أولويات زمنية وجداول لتنفيذ التوصيات ونتائج الحوار على أرض الواقع وعلى رأسها إجراء انتخابات محلية. لأن ذلك من أهم المكونات التي تحدد التوجهات الاقتصادية والاجتماعية السياسية، التي يتم البناء عليه حول جدية الحوار.

وطالب عبد الحميد بتكوين لجان عمل تختص بالقضايا النوعية تكون مهمتها بلورة الأفكار والاتجاهات والرؤى المختلفة. وترتيبها وتصنيفها بأمانة وحرفية وحيادية وموضوعية قبل عرضها وطرحها حسب الأولوية. للابتعاد عن ما اعتبره أخطاء موضوعية شابت عمليات الحوار السابقة بسبب ابتعادها عن الواقع. لافتا إلى أن الجهاز التنفيذي يعمل دون رقابة شعبية منذ آخر انتخابات محلية أجريت في 2008 حتى الآن.

الضمانة الحقيقية لحوار فاعل

ويذهب عبد الناصر قنديل باحث برلماني ورئيس وحدة الشؤون النيابية والبرلمانية بمركز جسور للدراسات الاستراتيجية. إلى أن غياب المجالس الشعبية المحلية أحد أجنة الرقابة. فلا يمكن الحديث عن حوار ناجح ومحقق لأهدافه بدون قانون الإدارة المحلية وإجراء الانتخابات على رأس طاولة المفاوضات وفي مقدمة التوصيات التي ستصدر عن هذا الحوار بالنهاية.

واعتبرها الضمانة الحقيقية لحوار فعال وديمقراطي، يعبر عن مدى قدرة القوى السياسية على إصدار قانون الإدارة المحلية وتحديد جدول زمني واضح لإجراء تلك الانتخابات.

 

ووصف قنديل المجالس المحلية بأنها الوعاء الشعبي الأكبر والأكثر تمثيلا للأوعية الشعبية بإجمالي عدد أعضاء يبلغ 64 ألف عضو. وذهب إلى وجود سببين وراء تعمد البرلمان المصري تهميش قانون الإدارة المحلية رغم انتهاء الفترة الانتقالية التي نص عليها الدستور. أولهما: أن نواب البرلمان قاموا بدور المجالس المحلية. وهو بنظره دور آمن لأنه لا يعرضهم إلى صدامات مع السلطة التنفيذية أو احتمالات إبعادهم من عضوية البرلمان في الدورات التالية.

وثانيهما: أن دور المحليات كان مرضيا للغالبية العظمى من أعضاء البرلمان لذلك أصروا على إبعاد الدولة المصرية عن إجراء الانتخابات المحلية. بل حاربوا -وفقا لقوله- إصدار هذا القانون، واستكمال مؤسسات الدولة الرقابية.

التوحش في فرض الرسوم

بعد مضي أكثر من 11 عام على السلطة التنفيذية بدون أي رقابة شعبية على أدائها في مستويات الإدارة المحلية المختلفة من المحافظين ورؤساء المدن والوحدات المحلية والموظفين. بحيث أصبحوا مطلقي اليد فيما يفعلون دون محاسبة أو مساءلة من مراقبين شعبيين وفقا لقنديل، فإن ذلك يعطي طمأنينة في العمل ظهرت في شكل بعض حالات الفساد التي تم رصدها مؤخرا وكان من بينهم محافظون ورؤساء إدارات خدمية وموظفون مباشرون.

وقال قنديل لــ”مصر360″ إن الغياب الرقابي الشعبي في المحليات زاد من حالة التوحش في فرض الرسوم، استبدال الخدمات المجانية بخدمات مدفوعة الأجر. وبالتالي أصبح لدى السلطة التنفيذية رغبة في عدم إنجاز الاستحقاق الدستوري وإجراء انتخابات محلية. مستندة إلى بعض المبررات منها، احتياجنا إلى قانون تقسيم إداري جديد وهي برأيه ليست إلا ذريعة.. فمنذ عشر سنوات لم ينجز القانون رغم أن فلسفته والتوصيات التي صدرت من الرئيس بخصوصه واضحة المعالم لا تستغرق أكثر من ثلاثة شهور لإنجازه.

أشار قنديل إلى أن هناك مشروعات تتم على أرض الواقع يصعب تنفيذها في ظل وجود مجالس محلية مثل حياة كريمة وتكافل وكرامة. متناسين احتياج الدولة إلى أداة للرقابة عليها. ووفقا لقنديل فإن الرئيس نفسه قال عن حياة كريمة “كان يتمني أن يكون لكل قرية ضابط يراقب الخدمات التي يتم تنفيذها وفقا للاحتياجات وعلى النحو الأمثل”.

الإخوان والمحليات

تعتبر سيطرة الإخوان على المجالس المحلية الشعبية أحد أهم المعوقات التي تواجه تشكيلها وفقا للعديد من المراقبين. لكن قنديل ينفي هذا الزعم قائلا: إن مصر أجرت العديد من الانتخابات سواء مباشرة على مستوى النقابات المهنية أو النواب والشيوخ والنقابات العمالية التي تجري خلال الشهر الحالي. عددها مقارب لعدد أعضاء المجالس المحلية لم ينجح نموذج واحد من الإخوان في النفاذ إليها. مبينا أن المواطن المصري أصبح من الخبرة والذكاء والقدرة على اختيار من يمثل إرادته.

وقال قنديل إن هناك قطاعات لكافة الخدمات التي تقدم للمواطنين وفقا لبرنامج التنمية الشامل الذي أطلقه رئيس الجمهورية في مختلف بقاع الجمهورية. مضيفا “لا يمكن أن يكون 596 عضوا بالبرلمان كافين للرقابة على تلك الخدمات لأن ذلك يحتاج رقابة تبدأ من القرى وتنتهي بالمدن”.

واعتبر غياب الرقابة الشعبية في الجهاز التنفيذي أحد أبرز النواقص في الدستور حتى بعد إدخال تعديلات سنة 2019 عليه. فلم يتم المساس بهذه المواد ومازالت تطبق.

وأشار إلى وجود 6 مسودات للقانون في البرلمان فلا يحتاج الأمر في نظره أكثر من أسبوع لإخراجه والوصول لمسودة يتم التوافق عليها. كما توجد هيئات عديدة بالدولة مثل وزارة التضامن، والتخطيط والشباب والجامعات المصرية تقوم بعمليات مذهلة للتدريب مع المجتمع المدني للقيام بهذه المهام الرقابية.

آخر انتخابات

فيما لفت هلال عبد الحميد خبير المحليات وأمين تنظيم حزب العدل إلى أن آخر انتخابات محليات أجريت في 2008. وتم حلها بناء على حكم من محكمة القضاء الإداري بعد ثورة 2011. وعلى الرغم من أن المادة ٢٤٢ أوجبت أن يتم العمل بالنظام الجديد الوارد بالمحليات بدستور ٢٠١٤ خلال ٥ سنوات من بداية نفاذ الدستور. إلا أن مجلس النواب بفصله التشريعي الأول المنتهي ومع قرب انتهاء دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي لم ينجز قانون المحليات لتعطيل الانتخابات.

تأثير سلبي

وذكر هلال أن غياب المجالس المحلية له تأثير سلبي كبير على تنفيذ خطط الدولة وخاصة المشروعات الضخمة والمهمة التي تتكلف مئات المليارات من الجنيهات. مشيرا لوجود مخالفات في وضع الموازنات دون رقابة الجهاز التنفيذي.

وأرجع هلال الفراغ التشريعي الحالي لعدم وجود إرادة سياسية لدى الحكومة في وجود مجالس محلية منتخبة حتى تعمل دون رقابة.

مشروع حزب العدل

تقدم حزب العدل إلى البرلمان بمشروع قانون للإدارة المحلية مكون من ثلاث أبواب ويضم 102 مادة. حيث قال هلال لــ”مصر360″ إن المسودة جعلت للمجالس الحق في منح أو منع أي إجراء مالي غير مناسب للوحدات المحلية بكافة مستوياتها. ووضع تصورا للقروض التي يمكن أن تأخذها المحافظة بما لا يتجاوز 20% من إيراداتها السنوية. ولا يتجاوز حجم الدين المتراكم 40% من إجمالي الإيرادات المحلية.

ويناقش المشروع أيضا طريقة تعيين المحافظين ونوابهم واختصاصاتهم، وطريقة اختيار المسؤولين المختلفين في المستويات المتنوعة للإدارة المحلية. وجعل لكل محافظة موازنة مستقلة، تحصل على مواردها من إيرادات المديريات، وفروع الوزارات، والجهات التي تنقل اختصاصاتها للمحافظة.

أثر غياب المحليات

المهندس سعيد الأجهوري رئيس الإدارة المركزية للمتابعة بوزارة التنمية المحلية سابقا قال إن غياب المجالس المحلية الشعبية وعدم الرقابة ومتابعة الأجهزة التنفيذية في كل المحافظات، أدي للعديد من المشاكل والأزمات وأثر على الخدمات والمشروعات وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.

وأن الفراغ التشريعي يطرح سؤال ملح حول كيف تدير الأجهزة التنفيذية بالمحليات المشروعات في غياب “المجالس الشعبية المحلية”. والتي يعتمد عليها في أخذ الرأي والقرار عند تنفيذ أي مشروع على المستوى المحلي؟.

وذكر أن النظام الذي أقره المرسوم بقانون رقم ” 116 “لسنة 2011 بعد مرور ثلاث شهور على الثورة. والذي يقضي بتشكيل مجالس محلية مؤقتة بالمحافظات. يتحدد عدد الأعضاء فيها بواقع “عضو عن كل 100″ ألف نسمة. وبحيث لا يقل عن 24 عضوا من بين قيادات المجتمع المدني المحلي والمرأة والشباب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات. بواقع 55 ألف عضو، فأن المرسوم لم يتم تنفيذه حتى الآن.

وقال الأجهوري لــ”مصر 360” إن الفراغ التشريعي بعد انتهاء الفترة الانتقالية يفرض العمل بقانون الإدارة المحلية بوضعه الحالي. فيما يخص عمل هذه المجالس “بأنه لا يجوز للجهاز التنفيذي بالمحافظات أن يقوم بتنفيذ المشروعات. التي تتطلب موافقة المجالس المحلية الشعبية عليها فتكون معلقة حتى يتم الموافقة عليها من قبل هذه المجالس”.

ويتضح ذلك في القرارات التي تتعلق بتخصيص الأراضي واعتمادات الحسابات الختامية للمشروعات وأيضا الموازنات. ومن هنا أي مشروعات نفذت دون هذه الموافقات معرضة للبطلان.

معضلة التقسيم الإداري للمدن الجديدة

ذكر الأجهوري وجود عدة إشكاليات تعترض تشكل المجالس المحلية حال إجراء الانتخابات المحلية تتعلق بشأن موقف تبعية المدن الجديدة. التي لا تتبع للإدارة المحلية وتتبع لهيئة المجتمعات العمرانية. فلها قانون خاص رقم 59 لسنة 1979 الذى أعطى لها شخصية مستقلة. وحظرت المواد 46، 48 على الجهات الحكومية ووحدات الحكم المحلي والهيئات العامة. التصرف بأي وجه إلا بعد موافقة الهيئة وتلتزم الوزارات ووحدات الحكم المحلي والهيئات. أن تزود الهيئة بما تطلبه من بيانات أو رسومات أو معلومات أو بحوث.

كما يضع القانون السابق هذه المدن خارج الرقابة والمتابعة مما يرتب على ذلك وجود إهمال كبير. خاصة للخدمات المقدمة للمواطنين بهذه المدن. ولا يوجد بها مجلس تنفيذي ولا مجلس محلي شعبي فقط يوجد مجالس أمناء معينين من الهيئة.

لذا يتطلب إدراج المدن الجديدة التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية والمدن الجديدة إلى الإدارة المحلية وضع قانون موحد للتقسيم الإداري للوحدات المحلية، تماشيا مع  إطار الدوائر الانتخابية للبرلمان ومجلس الشورى.

الإشكالية الثانية ترتبط بقضية التقسيم الإداري لمحافظات الحدود، التي تظهر وجود أعداد كبيرة للوحدات المحلية القروية بهذه المحافظات معظمها لا يتوافق مع معايير قيام الوحدة المحلية القروية من حيث عدد السكان بكل منها ومما سوف يؤثر في انتخابات المجالس المحلية الشعبية، فمحافظة شمال سيناء بها 85 وحدة محلية قروية، محافظة مطروح بها 56 وحدة محلية قروية. محافظة الوادي الجديد بها 46 وحدة محلية قروية مما يتطلب عمل قانون منظم وموحد للتنظيم الإداري على مستوى الجمهورية بما لا يتعارض مع قانون هيئة المجتمعات.

وطالب الأجهوري بسرعة الانتهاء من إصدار قانون الإدارة المحلية بالتعديلات التي تتوافق مع ما جاء به الدستور الجديد لمصر. للمجالس المحلية واختصاصاتها في المتابعة والرقابة والمحاسبة لكافة المشروعات والمرافق بالمحافظات. وإعادة المعايير التي على أساسها يتم اختيار عضو ” المجلس الشعبي المحلي بأن تتوفر فيه الخبرة في إدارة شؤون ومهام المجلس.