أثارت تقديرات وزارة المالية في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد جدلًا بسبب اختلافها عن الأسعار السائدة في السوق، وعدم اتساقها مع التقديرات الأخيرة للمؤسسات المالية، حول الاقتصاد العالمي. خاصة مستوى التضخم.

تفترض وزارة المالية أن تنخفض معدلات التضخم محليًا خلال العام المقبل لتبلغ 9% لتعادل الرقم التقديري للعام الحالي. مع ارتفاع معدل الفائدة إلى 14.5% مقابل 13.7% للعام الحالي. كما تضع أيضًا متوسطًا متوقعًا لسعر برميل النفط عند 80 دولارًا للبرميل مقابل 75 دولارًا للعام الحالي,

كما قدرت وزارة المالية أسعار القمح الأمريكي عند مستوى 330 دولارًا للطن. معتبرة أن ذلك الرقم جاء بعد دراسة متوسط سعر عقود الشراء المستقبلية المتداولة في البورصة العالمية والاسترشاد بتوقعات عدد كبير من المؤسسات المالية الدولية.

اقرأ أيضًا: قراءة في مشروع الموازنة الجديدة.. توسعية بالأرقام تقشفية في المضمون

وضعت وزارة المالية تقديرات مشروع الموازنة العامة للدولـة لعام 2022/2023 خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحتى نهاية فبراير/شباط 2022 بعد التفاوض والتشاور مـع نحو 669 جهة منطوية تحت لواء الموازنة. لكن المحك في الحسابات هو الفترة الزمنية. فالإعداد تم حتى فبراير الماضي الذي شهد بداية الحرب الروسية وتداعياتها التي لا تزال مستمرة حتى الآن.

الوزارة ذاتها تعترف بأن مشروع الموازنة أعد في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري تحـديات وضـغوطات خارجية هائلة بسبب التداعيات السلبية لاضطراب سلاسـل الإمداد والأزمة الروسية الأوكرانية التي ساهمت في وجود مشاكل تضخمية، وارتفاع الأسعار عالميًا. خاصة السلع الأساسية والغذائية. ما خلق ضغوطات على الاقتصاد المصري. وبالتالي استلزم التعامل مع التحـديات شديدة الصعوبة بحرص وفعالية.

لكن التطورات التي شهدتها الأسعار خلال الأيام القليلة الماضية ربما تطلب تغييرات في افتراضات وزارة المالية، فوزارة الزراعة الأمريكية، توقعت أن يصل إجمالي إنتاج القمح العالمي في الفترة 2022- 2023 إلى 774.8 مليون طن، وهو أول انخفاض منذ موسم 2018/2019، ومن المتوقع أن تبلغ المخزونات الاحتياطية العالمية 267 مليون طن، بانخفاض للعام الثاني على التوالي وفي أدنى مستوى في ست سنوات.

انخفاض حاد بمخزون الحبوب عالميًا

من العناصر المؤثرة في ارتفاع الأسعار عالميًا هو انخفاض نسبة المخزون للطلب في الدول المصدرة للقمح لأقل المستويات خلال 20 عامًا). إذ تبلغ 13% في الوقت الحالي، ما قد يسبب مزيدًا من الضغوط السعرية التضخمية لسعر طن القمح العالمي.

بعد التقرير الأمريكي بساعات، قفزت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو تسليم سبتمبر/أيلول (نهاية الربع الأول للعام المالي المصري)، بنسبة 6% تقريبًا لتصل إلى 11.82 دولارًا للبوشل (27.2 كيلوجرام). ما يعني أن الطن يعادل  نحو 427 دولارًا.

الأمر ذاته ينطبق على النفط، فأحدث التقديرات العالمية تشير إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية لتستقر عند مستويات تجاوزت  100 دولار ارتفاعًا من 63.5 دولار في مارس نتيجة زيادة الطلب، ورجوع الحياة إلى طبيعتها حول العالم وعودة الاستهلاك لمستويات ما قبل الجائحة، والتي تخلق بشـكل كبير طلبًا على الطاقة.

لا يمكن عزل تأثير أزمة الطاقة في أوروبا عن توقعات التضخم فنقص إمدادات الغاز الطبيعي وتهديد روسيا بقطع الإمدادات ومطالبتها بالسداد بالروبل، أدى إلى ارتفاع الطاقة لتصل إلى مستويات تاريخية. ما أدى لزيادة الطلب على البترول والفحم كمصدر بديل للتصنيع والتدفئة.

توقعات ببقاء خام برنت فوق 100 دولار

ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإنه من المتوقع أن يسجل خام برنت مستوى 103.71 دولارًا للبرميل خلال 2023. بينما يتوقع البنك الدولي أن تبلغ أسعار النفط في المتوسط 100 دولار للبرميل في2022  قبل أن تتراجع قليلا إلى 92 دولارًا للبرميل في 2023 ما يخلق فروقات تتراوح بين 12 و20 دولارًا في للبرميل الواحد عن السعر الافتراضي لمشروع الموازنة.

يقول مسئول بوزارة المالية إن الوزارة استخدمت آليات التحوط لحماية مشروع الموازنة من مخاطر تغير وانحراف الأسعار للسلع العالمية، مقارنة بالافتراضات التي تم إعدادها في ضوء أحدث التقديرات المتاحة وقت الإعداد.

اقرأ أيضًا: فوائد الديون تستنزف الموازنة الجديدة.. كيف تستطيع وزارة المالية تمويل العبء؟

يضيف أن تطبيق آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية يسمح بوجود مرونة في تسعير المنتجات البترولية وحماية الموازنة من تقلبات تغير أســعار  النفط عالميا.. وتجتمع لجنة تحديد ومتابعة آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية كل 3 أشهر لتحديد أسعار المواد البترولية، على ألا تتجاوز نسبة التغير في سعر بيع المستهلك 10% ارتفاعًا وانخفاضًا عن سعر البيع الساري.

يضيف المصدر أنه تم إعداد الافتراضــات الرئيسية لموازنة العام المالي 2022/2023 بشكل حذر، لكن ذلك لا يمنع وجود احتياطيات في الموازنة يمكن استخدامها وقت الحاجة، فالعالم المالي الحالي يتضمن احتياطي مالي قدره 170مليار جنيه. كما يمكن فتح اعتماد إضافي بعد صدور قانون ربط الموازنة.

وتظل المســتهدفات المالية الأكثر عرضــة للتأثر في مشروع الموازنة الجديدة هو النمو الاقتصادي المقدر بنحو 5.5% مع تزايد التوقعات العالمية بارتفاع معدلات التضــخم وانعكاس ذلك في  رفع عوائد الأذون والســندات في الأســواق العالمية فأي ارتفـاع في أســعـار الفـائـدة المحليـة بنحو 100 نقطة أساس (1%) مقـارنـة بمـا هو مسـتهدف بمشـروع الموازنة يحمل تأثيرًا سـلبيًا على عجز الموازنة، نتيجة خدمة فاتورة زيادة الدين بنحو 28 مليار جنيه سنويًا.

دولار زيادة بالنفط يرفع عجز الموازنة بأكثر من مليار جنيه

وحال ارتفاع سعر النفط لتفوق الافتراضات المتوقعة بنحو دولار للبرميل سيؤدي ذلك لتدهور صافي العلاقة مع الخزانة، وبالتالي زياد العجز المستهدف بأكثر من مليار جنيه عما هو مقدر بالموازنة.

افترضت الموازنة كميات القمح المطلوب توفيرها بنحو 8.5 مليون طن قمح منها 7.8 مليون طن لتوفير 90 مليار رغيف بجانب 622 ألف طن لتوفير دقيق المستودعات على افتراض نسبة سحب الرغيف تبلغ 78.4% ونسبة ما يتم توفيره واستبداله بنظام النقاط بواقع 10 قروش لكل نقطة رغيف يتم توفيره.

 

بحسب مسئول المالية، فإن الاقتصاد أكثر قدرة على التعامل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية وامتصاص الصدمات الخارجية إلا أن تغير الافتراضات والمؤشرات الاقتصادية والمالية وحالة عدم اليقين السائدة في العالم  كله يخلق معه صعوبة كبيرة في وضع إطار اقتصادي سليم ودقيق ومحدث لمشروع الموازنة للدولة لعام 2022/2023.

الموازنة لم تواكب تغيرات الحرب الروسية

واجهت الموازنة مشكلات في إعدادها، بينها ضغط الوقت فمشروع الموازنة يجب إحالته لمجلس النواب في مارس لمنح النواب الفترة الكافية، لمناقشته قبل بداية العام المالي الجديد في أول يوليو/ تموز المقبل، لكن البعض يعتبر أن التغيرات المتلاحقة في مارس/آزار كانت تتطلب من الوزارة التأجيل، حتى لو  تطلب الأمر استمرار العمل بالموازنة القائمة لعدة أسابيع في العام المالي الجديد.

اقرأ أيضًا: ارتفاع أسعار النفط يكبد الموازنة المصرية 71.3 مليار جنيه

يقول الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد، إن الحكومة تأخذ بالتقديرات الأقل لكن في الوقت ذاته ترتكن للاحتياطيات التي يمكن عبرها تعويض الفروقات خاصة في ظل سيادة حالة عدم اليقين على المدى القصير بما يعني أن الشهور ليست كافية للحكم على مستقبل الاقتصاد العالمي.

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أكد على تلك النقطة في مؤتمر صحفي أمس، حينما أكد أكثر من مرة أن أي اقتصادي في العالم مهما كانت خبرته لا يستطيع التنبؤ بمستقبل الاقتصاد العالمي غدًا.

أضاف أن الوزارة لم تعلن سعر الدولار المستهدف في وضع الموازنة حتى لا تعطي مؤشرات على سعر الصرف من شأنها أن تغير من تحركات السوق أو تعطي حكما على أدائه المستقبلي على عكس الفائدة التي جاءت عند 14.5% لمنح فائدة حقيقية إيجابية تغري المستثمرين، فالتضخم متوقع عند 9% ما يعني وجود فائدة حقيقية (الفائدة – التضخم) تعادل 5.5%.