تمثل التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في الوقت الحالي حجر عثرة بالنسبة للجيش الروسي أمام تقدمه في أوكرانيا. فبينما ملأت نجاحات أوكرانيا في استخدام الذخائر الأمريكية المضادة للدبابات Javelin عناوين الأخبار الغربية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي المتابعة للحرب. أشارت إلى ضعف القاعدة الصناعية العسكرية الروسية. والتي صارت موبوءة بالفساد، لدرجة يبدو فيها أن الأموال الطائلة التي يتم إنفاقها على التسليح تظهر في المنازل الفاخرة للمسئولين الروس، بدلاً من المنشآت العسكرية أو تطوير الأسلحة العاملة.
أيضا، تألقت براعة أوكرانيا في تحويل التكنولوجيا التجارية الأمريكية بسرعة إلى قدرة عسكرية. عبر الطائرات بدون طيار، والذكاء الاصطناعي، والفضاء. بشكل أكبر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة.
تميل القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية بشدة نحو أنظمة باهظة الثمن، حيث يكون الأداء العالي هو الأولوية. وبينما يشكو مخططو ميزانية الدفاع من انفجار تكاليف التكنولوجيا العسكرية. أثبت الجيش الأوكراني مقدار ما يمكن تحقيقه من خلال الاستخدامات المبتكرة للتكنولوجيا التجارية التي تكلف آلاف الدولارات، وليس المليارات التي ينفقها البنتاجون.
ليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تولي اهتمامًا بالذكاء الأوكراني في استخدام التكنولوجيا في المجال العسكري. فوفقًا لتقرير صادر عن رئيس مكتب “نيكاي” الإخبارية السابق في الصين، فإن الصراع الأوكراني “زعزع” ثقة البحرية الصينية في استثماراتها بمليارات الدولارات في حاملات الطائرات.
اقرأ أيضا: خادم الإرهابيين المطيع.. الدرونز سلاح القرن الرخيص: كيف تطيل حربا من الجو؟
طائرات بدون طيار.. تكنولوجيا القتل الرخيصة
يرجع تاريخ استخدام الطائرات بدون طيار لأغراض عسكرية إلى القرن قبل الماضي. حيث جرى تطبيق تقنية التحكم عن بعد لأول مرة عام 1849 بهجوم من النمسا على البندقية، عبر إطلاق بالونات دون طيار حاملة للمتفجرات. والتي مثلت ابتكارا في مجال التكنولوجيا العسكرية. جرت محاولات لتطوير هذه التقنية، حتى تم تطوير أول طائرة كهربائية دون طيار على يد سلاح الطيران الملكي الإنجليزي عام 1916 وأطلق عليها Ruston Proctor Aerial Target .
أعقبت ذلك أجيال متعددة من الطائرات، حيث تسابقت مختلف الدول نحو صناعتها، وتوسع استخدامها في الحروب. فقد استعانت القوات الجوية للجيش الأمريكي بطائرة QF-2 خلال الحرب العالمية الثانية. وكذلك V-1 “Doodlebugs لدى الجيش الألماني. كما لعبت الطائرات الأمريكية Firebees دورا حاسما في حرب فيتنام.
بعد ذلك، بدأ استخدام الطائرات دون طيار في مجموعة من الأدوار الجديدة كإطلاق الصواريخ على أهداف ثابتة وجمع المعلومات مثل طائرة Ryan 147Bs. ثم بدأت الولايات المتحدة برنامج Pioneer UAV عام 1980. كما تعاونت مع إسرائيل في مشروع مشترك عام 1986 لتطوير RQ2 Pioneer والتي تم استخدامها على نطاق واسع بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في سبتمبر/ أيلول 2001. في ملاحقة عناصر تنظيم القاعدة في أفغانستان.
يلفت جريجوري ألين، مدير مشروع حوكمة الذكاء الاصطناعي. وزميل برنامج التقنيات الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. إلى استخدام القوات الأوكرانية طابعات ثلاثية الأبعاد، لإضافة زعانف الذيل للقنابل اليدوية المضادة للدبابات. التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
يقول: عند إسقاطها من طائرة بدون طيار، يمكن لهذه الذخائر الرخيصة والبسيطة. أن تخترق درع السقف -الضعيف نسبيًا- للدبابات الروسية والمركبات الأخرى. يوفر هذا المزيج المبتكر من التكنولوجيا التجارية والعسكرية الرخيصة قدرة مفيدة. يمكنها تدمير المركبات الروسية التي تكلف مئات الآلاف أو ملايين الدولارات. مقابل ثمن قنبلة يدوية 100 دولار، وطائرة بدون طيار بقيمة 1000 دولار.
الذكاء الاصطناعي.. أذن أوكرانية تسمع موسكو
رغم التميز الروسي الواضح في الحروب السيبرانية. لكن، لم تعد أوكرانيا الهدف السهل الذي كانت عليه عندما ضربت الهجمات الروسية الأولى أنظمتها الانتخابية في يونيو/حزيران 2014. فقد صارت كييف تعتمد على خبرة محلية كبيرة، وتحصل على مساعدات من أجهزة الأمن الغربية، بما في ذلك القيادة الإلكترونية الأمريكية. ثماني سنوات من الخبرة جعلتها رائدة على مستوى العالم في اكتشاف التهديدات وإصلاحها.
في وقت سابق قبل اندلاع الحرب، أفاد أندريه بارانوفيتش، المتحدث باسم التحالف السيبراني الأوكراني. أن مجموعته “عثرت على أبواب خلفية لأجزاء مهمة من تكنولوجيا المعلومات، وإدارة العمليات في أوكرانيا في غضون أسبوعين من البحث في عام 2017”. بعد أن أدى الهجوم الإلكتروني المعروف باسم “لا بيتيا” في عام 2017. والذي يُعتبر الأكثر ضررًا في تاريخ أوكرانيا -ونسبه البيت الأبيض إلى روسيا- إلى تعطيل نظام مراقبة الإشعاع في محطة تشيرنوبيل للطاقة.
يؤكد ألين أن أوكرانيا برعت في استخدام الذكاء الاصطناعي خلال حربها مع الروس “أي شخص لديه خبرة في استخدام Alexa من Amazon أو Siri من Apple يدرك تمامًا مدى جودة الذكاء الاصطناعي الحديث في التعرف على الصوت”.
يوّضح أنه بالاستفادة من الاستخدام الروسي الواسع للاتصالات غير المشفرة. قامت شركة Primer -وهي شركة تعمل بالذكاء الاصطناعي- بتعديل خدمة النسخ الصوتي والترجمة التجارية، المدعومة بالذكاء الاصطناعي. للاستماع إلى الاتصالات الروسية التي تم اعتراضها، وتسليط الضوء تلقائيًا على المعلومات ذات الصلة بالقوات الأوكرانية، في قاعدة بيانات نصية قابلة للبحث.
يُتابع: في حين أنه ليس جيدًا مثل خبير لغوي عسكري لمراقبة قناة واحدة. يمكن للأنظمة التي تدعم الذكاء الاصطناعي أن تعمل بسرعات ونطاق يتطلب آلاف المحللين، مقابل جزء ضئيل فقط من التكلفة. لم تكن Primer راغبة حتى الآن في التصريح بشكل مباشر عما إذا كان الجيش الأوكراني يستخدم نظامه حاليًا. ويرفض الجيش الأوكراني التعليق على الأسئلة المتعلقة باستخدامه لأنظمة الذكاء الاصطناعي التجارية الأخرى. وبغض النظر، فإن العرض الفني لـ Primer جدير بالملاحظة.
اقرأ أيضا: أصفار وآحاد.. أوكرانيا تستعد للغزو السيبراني
تكنولوجيا الفضاء.. خطوة دراماتيكية في الصراع
منذ بدء الحرب، قام ميخايلو فيدوروف -نائب رئيس وزراء أوكرانيا- بكتابة العديد من التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي Twitter. وأرسل العديد من النداءات العاجلة، للحصول على مساعدة مباشرة لقيادة شركات الاستشعار عن بعد الفضائية، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية.
كان الدعم الذي قدمته تلك الشركات حاسمًا. في توفير معلومات استخباراتية في الوقت المناسب عن تحركات القوات الروسية، والحفاظ على تشغيل شبكات الاتصالات العسكرية الأوكرانية. قدم الصراع توضيحًا دراماتيكيًا لمدى تقدم شركات الفضاء التجارية. في توفير القدرات، التي كانت تقتصر في السابق على برامج الفضاء العسكرية والاستخباراتية الأكثر تقدمًا. تجدر الإشارة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية كشفت أنها تدفع مقابل بعض الصور الفضائية التجارية. وخدمات الاتصالات التي تستخدمها أوكرانيا.
تكلفة رخيصة
يتيح استخدام أوكرانيا للطائرات التجارية بدون طيار أرخص بكثير معاملتها مثل الذخائر أكثر من الطائرات المقاتلة. مما يوسع بشكل جذري من فرص الابتكار التكتيكي. حتى الطائرات بدون طيار الخاصة بالجيش التي تستخدمها أوكرانيا – مثل بريقدار Bayraktar TB2 التركية – رخيصة للغاية مقارنة بالبدائل التي صنعتها الولايات المتحدة. وبحسب ما ورد، دفعت أوكرانيا حوالي 5 ملايين دولار لكل منها.
يُحسب لوزارة الدفاع الأمريكية أنها زادت شحناتها إلى أوكرانيا من الطائرات العسكرية بدون طيار منخفضة التكلفة: تتضمن صحيفة الحقائق المنشورة مؤخرًا حول المساعدة الأمنية لأوكرانيا “أكثر من 700 نظام جوي بدون طيار من طراز Switchblade التكتيكي”.
يقول ألين: كان النموذج الأكبر Switchblade 600، هو طائرة كاميكازي -في إشارة إلى أسماء الطيارين اليابانيين الانتحاريين الذين هاجموا مرفأ بيرل هاربر الأمريكي في الحرب العالمية الثانية- ويمكن للإنسان حملها. ويمكنها تدمير المركبات المدرعة الروسية على مسافة 25 ميلاً. لم يتم الكشف عن سعر وحدة Switchblade 600، ولكن يُقال إن جهاز Switchblade 300 الأصغر يكلف 6000 دولار فقط.