بينما يحشد الغرب قواه العسكرية والناعمة إلى أقصاها، في مواجهة التدخل الروسي في أوكرانيا، والذي يمتد ليتصاعد إلى توترات جديدة بشأن جيرانه العازمين الانضمام إلى حلف الأطلسي. تتباين وجهات النظر في الشرق الأوسط ليس فقط تجاه الحرب. وإنما تجاه الغرب نفسه أيضا. حيث الاتهام الدائم لردود الفعل الغربية -خاصة الولايات المتحدة- بالنفاق وازدواجية المعايير. لا سيما عندما يتعلق الأمر بمقارنة بين ما يبثه الغرب من فظائع بوتين، وفظائع القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
من أبرز الوسائل التي تُظهر هذه التصورات، الرسوم الكاريكاتيرية التي تبرز آراء شعوب المنطقة في الأحداث، وأنفسهم. بل، وتساعد على إظهار الكيفية التي ينظر فيها الشرق الأوسط إلى نفسه في إطار المنافسة الأوسع نطاقاً بين القوى العظمى، الولايات المتحدة وروسيا والصين.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، قدّمت الرسوم الكاريكاتيرية في وسائل الإعلام العربية وجهات نظر متباينة حول روسيا. تتراوح بين الدعوات المحايدة لإجراء مفاوضات، والإدانات العلنية للفظائع الروسية. مثل رسام الكاريكاتير الأردني عماد حجاج. الذي مثّلت إحدى رسومه إدانة علنية لمذبحة بوتشا. هؤلاء في مقابل من يقومون بالإشادة بالرئيس الروسي.
وعلى الرغم من تنوع وجهات النظر، طغى موضوع محدد. وهو الاختلال الشديد في التوازن بين استجابة الغرب لأوكرانيا، ورد فعله على النزاعات الأخرى. تتصدر رسوم الكاريكاتير العربية النفاق الغربي. وكثيراً ما يُستشهَد بسوريا، التي شهدت إراقة دماء وفظائع أسوأ من أوكرانيا. ومن منظور إقليمي، أظهرت أوروبا معايير مزدوجة، من خلال استقبال الأوكرانيين بسهولة أكبر من السوريين. أو اللاجئين من أماكن أخرى في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا: النظام العالمي بعد الحرب الأوكرانية.. قلق غربي وسيناريوهات روسية (1-2)
أوكرانيا والشرق الأوسط والنفاق الغربي
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ينصب تركيز الرسامين على نظرة المنطقة إلى النفاق الغربي. حيث يتعارض القلق الدولي بشأن النزاعات الأخرى مع مقاربات القضية الفلسطينية. أو يُنظر إليه على أنه مذعن للسيطرة الأمريكية على الرأي العام العالمي.
تلفت كل من آنا بورشيفسكايا، الزميلة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وكاثرين كليفلاند مديرة تحرير منتدى فكرة. إلى أن الرسوم الكاريكاتيرية السياسية العربية “تقارن مراراً وتكراراً بين أوكرانيا وفلسطين. من حيث النظرة الدولية إلى العنف ضد قوات الاحتلال، أو إلى اللاجئين، أو إلى تدمير المباني المدنية”.
التشكيك في المواقف
تكشف هذه المقارنات عن التأثير العميق والمباشر الذي تُحدثه الحرب في أوكرانيا على الغرب. فقد نشبت الحرب في أوكرانيا على مرمى حجر من الاتحاد الأوروبي. وتستضيف بولندا وحدها بالفعل أكثر من مليونين ونصف مليون لاجئ أوكراني. وينبع الغضب الغربي أيضاً من نية بوتين في إعادة هيكلة البنية الأمنية في أوروبا.
أما المخاوف من التصعيد الروسي المحتمل إلى حرب مع حلف الأطلسي “الناتو”، والاستخدام المحتمل للأسلحة النووية. فتشكّل “عوامل مقلقة بشكل فريد يجب أن يتعامل معها صانعو السياسات الغربيون عندما ينظرون في الحرب الأوكرانية. ويساعد هذا السياق في تفسير سبب إثارة الحرب في أوكرانيا لردة فعل أقوى من النزاعات الأخرى”، كما تقول بورشيفسكايا وكليفلاند. ما قد يمثل تفسيرا لدى الغرب لما يراه كثير من الشرق أوسطيين باعتباره معايير مزدوجة.
مع ذلك، قارن عدد من الصحفيين في وسائل الإعلام الغربية أوكرانيا بالشرق الأوسط. مستخدمين لهجةً تلمّح إلى أن “معاناة الأوكرانيين هي أسوأ نوعاً ما”. ورغم استنكار هذه المواقف بشدة على النحو الواجب. وحاولت العديد من المقالات الفكرية في الغرب شرح هذه الثغرة في إعداد التقارير وفهمها. لكن وفقاً لـ Google trends، فإن الاهتمام الذي أولاه الأمريكيون للحرب في أوكرانيا يفوق الاهتمام بسوريا منذ عام 2011 وما يليه. ومع ذلك، فإن دور روسيا في سوريا لا يقل تدميراً عن أفعالها في أوكرانيا.
في الوقت نفسه، تتحول اتهامات رسامي الكاريكاتير بالنفاق أحياناً إلى مستوى التشكيك بالمواقف. مثل كارلوس لاتوف رسام الكاريكاتير البرازيلي المشهور على وسائل التواصل الاجتماعي العربية. الذي كرّس جزءاً كبيراً من حياته المهنية لمناصرة حقوق الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية. ورسم عدداً من الرسوم الكاريكاتيرية التي تندد بالنفاق من خلال مقارنة أوكرانيا وفلسطين.
إلا أن الرسام البرازيلي غرّد أيضاً معبّراً عن بعض وجهات النظر: “ربما تكون الحرب في أوكرانيا هي الحرب الوحيدة التي يتم فيها أخذ نسخة طرف واحد فحسب في الاعتبار. فالميليشيات النازية الأوكرانية أبطال، والقوات الروسية أشرار. يا لها من دعاية غربية بحتة”. قبل ذلك، وصف موقع Mint press news الذي ينشر أعماله بانتظام الهجوم الكيميائي الذي نفّذه الديكتاتور السوري بشار الأسد على الغوطة بأنه “عملية زائفة”.
اقرأ أيضا: كيف حوّلت أوكرانيا التكنولوجيا التجارية إلى سلاح يؤرق روسيا؟
انطباع مختلف عن أوكرانيا
من وجهة النظر الأوسع نطاقاً، يصور الكثير من رسامي الكاريكاتير العرب الحرب في أوكرانيا -مرارًا وتكرارًا- على أنها صراع بين قوتين هما الولايات المتحدة وروسيا، يتم فيه إشراك أوكرانيا وبقية العالم. كان هذا الانتقاد للمنافسة بين القوى العظمى يشكل موضوعاً شائعاً قبل الحرب. يوضح هذا التوجه بعض الصور التي تُظهر الولايات المتحدة والصين وهما تتجهان بخطًى متثاقلة نحو حرب باردة أخرى، أو جنود ينتمون إلى إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والصين، وهم يسحقون السلام. وفي سبيل انتقاد قيم المجتمع الدولي، تُظهر صورة أخرى عالَماً شبيهاً ببينوكيو حيث كُتب بخط رديء على أنفه الطويل “حقوق الإنسان” و”محاربة الفقر”.
بعبارة أخرى، من المرجح أن تصور وسائل الإعلام العربية الحرب في أوكرانيا على أنها انعكاس لصراع تهكمي. وأوسع نطاقاً للسيطرة بين القوى العظمى. وهذا بعيد كل البعد عن انطباع الغرب عن الحرب، حيث تدافع أمة حرة ومسالمة عن نفسها ضد جهة معتدية أكبر منها.
ومن المهم فهم وجهة النظر هذه ومعالجتها، خاصة وأن الجهات الفاعلة الأخرى من الدول يسعدها تعزيز هذه السرديات من أجل تقويض المصداقية الغربية. يمكن النظر إلى سلسلة تغريدات طويلة قام بها الدبلوماسي الصيني في لبنان Cao Yi “أبو وسيم”. حيث يحاول الدبلوماسي تشويه سمعة المواقف الغربية بكافة أشكالها، ابتداءً من اتهاماته ضد روسيا ووصولاً إلى دعم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو للاحتجاجات في هونج كونج.