تحت عنوان “خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة المالية- 5 مسارات رئيسية ذات أولوية”. جاء عرض رئيس الحكومة الأحد الماضي. وذلك تنفيذا لتكليف أصدره الرئيس السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية أواخر أبريل الماضي.
وتناول عرض رئيس الحكومة ثلاثة محاور استعرض فيها ما يواجه الاقتصاد العالمي من أزمات حادة. ثم إجراءات التعامل مع الأزمة. والتي احتوت خمس مسارات الأساسية. هي: تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. وتوطين الصناعات الوطنية مع توسيع القاعدة الإنتاجية. وإعلان خطة ملزمة لخفض الدين العام وعجز الموازنة. وتنشيط البورصة المصرية. والحماية الاجتماعية وضمان توفير السلع الأساسية.
ورغم أن هناك نقاطا إيجابية بشأن خطط الرقمنة والميكنة والخرائط الاستثمارية. وتخصيص الأراضي وتسهيل الحصول على التراخيص وزيادة زراعة القمح وتطوير الصوامع. والتوسع في المناطق اللوجيستية وسلاسل الإمداد والملكية الفردية. ومناخ المنافسة والحوافز الخضراء والبنية التحتية والشمول المالي. فإن هناك علامات استفهام بشأن ما تم عرضه لعلاج مشكلات مصر البنيوية.
الأزمة المالية والانتقال إلى الاقتصاد المتقدم
وتشمل أولا ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والتنموية. إذ لم يتناول العرض بشكل محدد تصور الحكومة عن آلية تنفيذ تكليف الرئيس بشأن مبادرة دعم وتوطين الصناعات وتقليل الواردات. حيث كان تركيز العرض منصبًا على خطط النمو التي يكون أساس قياسها هو زيادة الناتج القومي الذي يتضمن نواتج الأنشطة الخاصة باستخراج المواد الأولية القابلة للنضوب. أو الحساسة للتعثر بسبب ظروف قد تكون خارجة عن الإرادة كالسياحة وما يرتبط بها من أنشطة خدمية. وليس التنمية التي تكفل الانتقال بالاقتصاد من كونه ناشئًا ليصبح متقدما في مدى زمني محدد.
ولم يتناول عرض الحكومة الأنشطة التحويلية التي تضمن توظيفًا دائمًا للأيدي العاملة وخفض البطالة وتوفير عملة صعبة عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي على مراحل متدرجة. بما يقلل الواردات حسب نص تكليف الرئيس ويحقق إمكانات زيادة معدلات التصدير.
وفي سياق التكليف ذاته لم يتضمن عرض الحكومة أي حلول لمشكلات المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. من زاوية تنظيمها على المستوى الوطني وإتاحة التمويل غير التقليدي لها وتوفير التدريب والتوجيه اللازمين لتطويرها علميا. مع الأخذ في الاعتبار الطبيعة الجغرافية والموارد المتاحة بشرية كانت أم طبيعية بأقاليم مصر المختلفة. لما لهذا من أثر اجتماعي خصوصا فيما يرتبط بأولوية الاهتمام بتمكين المرأة وبالذات المرأة المعيلة.
وفيما يتعلق بالسياسات المالية لم يتناول عرض الحكومة خططًا للنظر في تعديل فلسفة إعداد موازنة الدولة. وذلك بتنمية الموارد غير الضريبية وخفض النفقات غير الضرورية وإيجاد وسائل أخرى لتمويل العجز بخلاف الاقتراض.
بدائل خفض عجز الموازنة
كذلك أسقط عرض الحكومة خطط زيادة الحصيلة الضريبية عبر تطبيق الضرائب التصاعدية كاستحقاق دستوري. وبما يحقق توزيعًا مناسبًا للأعباء الاجتماعية. بل تمت الإشارة إلى “إعفاءات ضريبية جديدة للشركات يراها بعض الاقتصاديين غير ضرورية كحافز للاستثمار”.
خطة الجهاز التنفيذي للدولة المصرية تناولت خفض العجز الكلي ليصل من 6.8% إلى 6.2% أي بنسبة 0.6%. وهي نسبة يراها البعض منخفضة بسبب تزايد أعباء خدمة الدين العام.
ويرى بعض الاقتصاديين توافر بدائل لخفض العجز الكلي من شأنها زيادة النسبة المقترحة بالعرض.
ورغم أن التوزيع النسبي للدين العام الخارجي في نهاية ديسمبر 2021 ما بين قصير الأجل 8.8% وطويل الأجل 91.2% لا يثير قلقًا ويدحض مزاعم الإفلاس. فإن مخاوف متنامية لها وجاهتها من تزايد حجم الدين العام تتعلق بما يقابل هذا الدين من ضمانات والتزامات محتملة. وتتعلق كذلك بطموح خطة خفض هذا الدين التي حددها عرض الحكومة بأن يصل خفض الدين إلى نحو 75% من الناتج القومي بنهاية يوليو 2026.
وهي نسبة يرى بعض الاقتصاديين أن هناك إمكانية لخفضها أكثر عبر التفاوض مع الدائنين لإسقاط بعض الديون. وخفض أعباء خدمتها السنوية لتصل إلى نسبة محدودة من الناتج العام. بما يتيح إنفاقًا أفضل على الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم. خصوصًا أن رئيس الحكومة قال إن هناك تفاوضًا يجري حاليًا مع صندوق النقد لتوفير خط تمويلي جديد. مع العلم بأن الصندوق لا يوفر تمويلات إلا لعلاج العيوب الهيكلية بموازنات الدول وليس لأعمال التنمية التي تختص بها مؤسسات دولية أخرى كالبنك الدولي.
فإن أخذنا في الاعتبار هذا الخط التمويلي الجديد وما سيطرح من سندات جديدة وصكوك سيادية. فإن تصورًا ماليًا أكثر وضوحًا كان ينبغي طرحه بعرض الحكومة ليضمن توفير عوامل قياس النجاح ومؤشرات الأداء الرئيسية بصورة أدق للمتابعة والمحاسبة.
الأزمة المالية والرقابة على الاقتراض
تجاهل عرض الحكومة طلبًا يراه بعض الاقتصاديين ضروريًا لإحكام الرقابة على الاقتراض. وذلك عبر وضع سقف للاقتراض Debt Ceiling كما الحال في الولايات المتحدة مثالا.
ولم يتناول عرض الحكومة لمواجهة الأزمة العالمية هيكل الاحتياطي النقدي وكيفية تنميته بمصادر حقيقية على الأجل المتوسط والطويل لا تستند فقط إلى الديون أو الودائع الخليجية. حيث آثر رئيس الحكومة الإشارة إلى أن هذا الموضوع “من صلاحيات البنك المركزي” فقط.
وتعهدت الحكومة في عرضها ببعض الالتزمات المتعلقة بتخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية. حيث سيتم الإعلان عن “وثيقة سياسة ملكية الدولة” في مايو 2022 لاستكمال برنامج الطروحات العامة. والتي اتضحت ملامحها في عرض الحكومة بطرح حصص من 10 شركات تتبع قطاع الأعمال العام وشركتين تتبعان جهاز الخدمة الوطنية في البورصة المصرية. فضلا عن تسييل أصول بقيمة 10 مليارات دولار سنويا لمدة 4 سنوات تم تقييم بعضها بنحو 9.1 مليار دولار. وجارٍ تقييم البعض الآخر بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار أخرى بقطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة والعقارات بالمدن الجديدة والاتصالات وتحلية المياه والتعليم. بالإضافة إلى دمج 7 موانٍ مصرية تحت مظلة شركة واحدة. ودمج 7 فنادق مصرية تحت إدارة شركة أخرى. وذلك تمهيدًا لطرحها في البورصة المصرية.
ملكية الدولة
ويرى بعض الاقتصاديين ضرورة ألا تتخلى الدولة عن ملكيتها وإدارتها لهذه الوحدات الناجحة. لما لها من أثر اجتماعي يرتبط بإتاحة خدماتها لأكبر عدد من المواطنين بأسعار في متناولهم. وذلك عبر التدخل في رسم السياسات وتحديد الأسعار حتى لا يترك هذا الأمر للقطاع الخاص وحده ليحدد توجهاته العامة استخدامًا لآليات العرض والطلب. بالإضافة إلى حرمان الدولة كمالك لهذه الوحدات من عوائدها. خاصة أنها من المرجح أن تكون وحدات رابحة وتعمل بمستويات إدارية جيدة. فلا يعد معيار رفع كفاءة العمل بها مبررًا للتخارج منها.
ولم يتناول عرض رئيس مجلس الوزراء استثمار حصيلة التخارج. والتي يخشى اقتصاديون توجيهها للإنفاق الجاري وسداد مستحقات الدين العام المتزايد. بدلًا من الإنفاق الاستثماري الذي يضمن عوائد مستقبلية مستمرة وتشغيل دائم للأيدى العاملة. بخلاف مخاوفهم من تحكم مستثمرين أجانب في مثل هذه القطاعات الهامة. وبشكل خاص المواني التي تمثل منافذ الدولة المصرية على العالم الخارجي. والتي تمر من خلالها التجارة المصرية المباشرة والوسيطة.
ولم يذكر عرض الحكومة ما تم إنفاقه على المشروعات الضخمة كالمونوريل والقطار فائق السرعة والقطار الكهربائي الخفيف LRT. وما تبقى من موازنات تلك المشروعات ووسائل تمويلها. فيما تناول العرض طرح بعض المشروعات للاستثمار الأجنبي المباشر. كمشروعات مراكز البيانات وشبكات نقل البترول والغاز وأبراج لشركات الاتصالات وإعادة تأهيل محطات الرياح (الزعفرانة-جبل الزيت). وهي مشروعات واعدة واستراتيجية يرى اقتصاديون أولوية عرضها على مستثمرين مصريين. أو أن يكون هناك نوع من الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في إطار أمثل. لتحديد الأوزان النسبية لطبيعة تكوين الاستثمارات المطلوبة بين هذين القطاعين.
الأهم في عرض الحكومة تجاهله طرح إطار تنظيمي لمكافحة الفساد. كإنشاء مفوضية مستقلة لهذا الأمر حسبما يرى اقتصاديون. فإنشاء مفوضية لمكافحة الفساد مع جهود الأجهزة الرقابية القائمة سيلعب دورًا مكملًا يحقق وفورات في موازنة الدولة ويرسخ الشفافية والمحاسبة من ناحية أخرى.
سد النهضة والفساد.. ممنوع الاقتراب
رؤية الحكومة لمواجهة الأزمة العالمية لم تعرض بشكل مستفيض مسألة إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة. فقد قال رئيس الحكومة إن الدولة لا تحتاج إلى أكثر من 30% من الهيكل الإداري الموجود حاليًا. وهو أمر كان يقتضي مزيدًا من الإيضاح حول خطط الحكومة لإعادة تأهيل وتدريب القوى العاملة الحالية لاستغلالها على الوجه الأكمل.
واقتصر عرض الحكومة على سرد ما يتم “إنجازه” حسب تصور الحكومة لا ما سوف يتم عمله كخطط مستقبلية.
فمثلا فيما يتعلق بتشديد الرقابة على الأسواق وتوفير السلع الضرورية ركز العرض على التوسع في إقامة المعارض والمنافذ. كذلك الحال فيما يتعلق بتعجيل زيادة الأجور والمعاشات. ولم يتم بيان الإجراءات المزمع اتخاذها لمحاربة التضخم وإحكام الرقابة على الأسواق. كأن تلعب الحكومة دور التاجر المرجّح في بعض السلع الحيوية. أو عبر فرض تسعيرة جبرية ولو مؤقتا بسبب ظروف التضخم الدولية الحالية. وذلك خفضًا لمستويات أسعار السلع والخدمات. أو على الأقل الحفاظ عليها ومنع جشع التجار.
ولم يذكر عرض الحكومة أي حلول لتحديات أزمة سد النهضة. والتي تؤثر على أنشطة اقتصادية خاصة النشاط الزراعي.
بشكل إجمالي فإن هناك تساؤلات ينبغي على الحكومة الإجابة عنها لضمها إلى الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس. وذلك تأكيدًا للشفافية ودعمًا للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار في فترة بالغة الحساسية يمر العالم بها. بما يلقى بأعباء محتملة على الاقتصاد المصري تقتضى تضافر الجهود الوطنية المخلصة.