يبدو أن الشبح المرعب لأطياف المذبحة التي طالت مئات الآلاف من سكان أقلية التوتسي في دولة رواندا عام 1994 على يد مواطنيهم من أغلبية الهوتو، تأبى أن تغادر بلدان القارة الأفريقية، حيث تتعاظم المخاوف من تكرارها داخل إثيوبيا بين مكونات هذا البلد المتعدد العرقيات والاصطفافات الإثنية المتنوعة.

وبالفعل اتهمت مجموعات المجتمع المدني الأفريقية منظمة الأمم المتحدة بالتقاعس عن التحقيق في الفظائع التي تشهدها إثيوبيا، محذرةً في تقرير مشترك أن “الوضع ينذر بتكرار ما حدث من إبادة جماعية في روندا في تسعينيات القرن الماضي داخل إثيوبيا اليوم”.

فماذا يحدث في إثيوبيا؟

تذكر التقارير أن هناك عشرات الآلاف تعرضوا للقتل، فيما نزح ملايين آخرون منذ اندلاع الحرب بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي الشعبية. وقد بدأت هذه الحرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

اقرأ أيضًا: الإمارات وآخرون: طائرات آبي أحمد المُسيّرة تقتل المدنيين في إثيوبيا

يقول تقرير -في جريدة “الجارديان”- إنه في هذه الحرب واجهت الأطراف كافة اتهامات بارتكاب جرائم الحرب، سواء الجانب الحاكم الإثيوبي أو جبهة تيجراي. وتلك الجرائم تضمنت القتل التعسفي والاغتصاب الجماعي والتعذيب. وقد تعرض موالون لقبائل تيجراي لاعتقالات جماعية في جميع أنحاء البلاد. ذلك وسط تصاعد لخطاب الكراهية، الذي عززه رئيس الوزراء آبي أحمد، بإشاراته إلى التيجراي بوصفهم “حشائش” و”سرطان”.

خريطة إثيوبيا
خريطة إثيوبيا

اقرأ أيضًا: “تقسيم تيجراي” و”ديكتاتور إريتريا”.. ورقة آبي أحمد لاستمالة السلطة في إثيوبيا

الرسالة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، حملت توقيعات ممثلين لـ 12 من منظمات المجتمع المدني الأفريقية. بما في ذلك منظمة Attrocities Watch Africa ومقرها كمبالا، ومعهد حقوق الإنسان والتنمية في أفريقيا، ومركز نيجيريا للديمقراطية والتنمية. وقد دعت إلى قيادة محاولات تهدف إلى “إنهاء الحرب الجارية في إثيوبيا”. وذكرت أن مثل هذا الإجراء ضرورة حالية لمساعدة الرجال والنساء والأطفال الإثيوبيين، الذين عانوا من الأعمال العدائية المباشرة وانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بها وعرقلة المساعدات الإنسانية.

وقال الموقعون: “قبل ثمانية وعشرين عامًا، فشل مجلس الأمن في رؤية علامات التحذير قبل أن تحدث الإبادة الجماعية في رواندا أو محاولة العمل على وقفها”. وأعربوا عن قلقهم من أن السيناريو يعيد نفسه في إثيوبيا اليوم. فيما دعوا الأمم المتحدة إلى “استيعاب دروس الماضي وما ارتكب من مجازر في رواندا عام 1994، والعمل على حل الصراع الجاري في إثيوبيا سريعًا.

كيف بدأ الصراع في إثيوبيا؟

بدايات الصدام في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية والحزب الحاكم في إقليم تيجراي الشمالي، تعود إلى احتجاجات أطاحت بالحكومة السابقة التي كانت تهيمن عليها “جبهة تحرير شعب تيجراي” في 2018.

وقد هيمن التيجراي على مقاليد الحكم في البلاد لما يقرب من ثلاثة عقود رغم أنهم يمثلون 6% فقط من سكان إثيوبيا. إلا أنهم فقدوا سيطرتهم تلك مع تصاعد الاحتجاجات ضدهم وتولي آبي أحمد رئاسة الوزراء في إبريل/نيسان 2018. وهو أول رئيس حكومة من عرقية أورومو. وهذه العرقية هي الأكبر في البلاد.

فقد التيجراي مناصب وزارية وبعض المناصب العسكرية العليا. وعزز ذلك رفض الأورومو والأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، بالإضافة إلى مجموعات أخرى التهميش الذي عانوه في ظل حكم التحالف الاستبدادي القديم.

ومع فقدانهم مناصبهم في الحكومة الجديدة، بدأت لهجة جبهة التيجراي تتصاعد وأعلنوا رفضهم الانضمام إلى الحزب الحاكم الجديدالذي شكله آبي أحمد. وقد أبدوا تذمرهم مما اعتبروه تهميشا واستهدافًا غير عادل عبر تحقيقات بشأن الفساد. وعاد قادة الجبهة إلى منطقتهم. فيما اتهمهم آبي أحمد بمحاولة زعزعة استقرار البلاد.

"<yoastmark

تأجيل الانتخابات وتصاعد الصراع

وقد زاد من تصاعد الأحداث قرار الحكومة المركزية تأجيل الانتخابات التي كان مقررًا إجراؤها في أغسطس/آب 2020. ذلك على خلفية فيروس كورونا. وفاقم الأمر تحدي إقليم تيجراي سلطات رئيس الحكومة بالمضي في إجراء الانتخابات الخاصة به في 9 سبتمبر/أيلول من ذات العام.

ومع إعلان إجراء الانتخابات في تيجراي، اعتبرت أديس أبابا حكومة الإقليم غير قانونية. ولم يعترف قادة تيجراي بدورهم بإدارة آبي أحمد. وقررت الحكومة تقليص الأموال الفدرالية المخصصة للمنطقة. وهو ما اعتبرته جبهة تيجراي بمثابة “عمل حرب”. واندلع القتال في 4 نوفمبر/تشرين الثاني. وذلك حينما أمر آبي أحمد برد عسكري على هجوم تعرضت له معسكرات الجيش الفدرالي في تيجراي، نفت الجبهة مسؤوليتها عنه.

اقرأ أيضًا: “آبي أحمد زعيم متهور تجاوز حدوده”.. مقابلة مع زعيم تيجراي العائد إلى الحياة

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني، شنّت إثيوبيا غارات جوية على تيجراي، وبدأت الحرب التي امتدت إلى مناطق أخرى من البلاد، وأسقطت آلاف الضحايا وتسببت في حركة نزوح واسعة.

تقارير التطهير العرقي

مع تصاعد أعمال القتال واتساع رقعة المعارك، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بيانًا أعرب فيه عن قلقه بشأن القتال. لكنه لم يتخذ أي خطوات ملموسة نحو حل النزاع، كما يشير تقرير “الجارديان“.

وفي الشهر الماضي، اتهم تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش قوات من منطقة أمهرة بشن حملة تطهير عرقي ضد عرقية التيجراي “بموافقة واحتمال مشاركة القوات الفيدرالية الإثيوبية”. كما أظهرت تقارير أخرى أن للقوات الإريترية دورا في عمليات القتل التي شهدها الإقليم، لصالح قوات الحكومة الفيدرالية.

اقرأ أيضًا: رئيس إريتريا يعترف بدعم إثيوبيا في مواجهة “تيجراي”.. من الرابح والخاسر في الأزمة؟

وقال ديسماس نكوندا، رئيس منظمة Atrocities Watch Africa: “وردت تقارير عن تطهير عرقي من غرب تيجراي. هناك سبب حقيقي للقلق من أن بعض هذه الجرائم تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية. من الضروري أن تدرك الأمم المتحدة مدى خطورة للوضع الحالي والاستجابة وفقًا لذلك”.

وقد رفضت الحكومة الإثيوبية التعاون مع الأمم المتحدة وهيئاتها. ورغم ذلك عين مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فريقًا للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت أثناء النزاع. وصعبت مهمته كون إقليم تيجراي معزولًا إلى حد كبير عن بقية إثيوبيا منذ بدء القتال. ذلك مع قطع خطوط النقل والاتصالات.

ويحتاج حوالي 90% من سكان المنطقة البالغ عددهم 5.75 مليون نسمة إلى المساعدة. ويقدر مكتب الصحة في المنطقة أن ما لا يقل عن 1900 طفل دون سن الخامسة ماتوا جوعًا في العام الماضي.

وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت الحكومة من جانب واحد “هدنة إنسانية” للسماح بوصول الإمدادات إلى المنطقة، لكن لم يصل منذ ذلك الحين سوى عدد قليل من شاحنات الإغاثة.

وحثت رسالة المنظمات الحقوقية الإفريقية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الضغط من أجل “وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري ودون عوائق إلى تيجراي”، و”فرض حظر أسلحة على جميع أطراف النزاع”، كما دعا الموقعون إلى نشر قوة حفظ سلام دولية بقيادة الاتحاد الأفريقي ومقره في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.