أسفرت الانتخابات اللبنانية النيابية الأخيرة عن تحولات ذات شأن في الوضع السياسي لهذا البلد على مسارات عدة وخاصة بالنسبة لأوزان القوى الساسية وتراجع بعضها وبروز البعض الآخر، مع بزوغ قوة جديدة ممثلة بالأساس فيما يعرف بـ”التغيريين”، الذين زحفوا على المشهد السياسي العام في هذا البلد من خارج القوى السياسية التقليدية ذات التعبيرات الطائفية المذهبية العتيقة.

يرى فادي ضو -الرئيس التنفيذيّ السابق لمؤسّسة أديان وأستاذ الفلسفة الأساسيّة والجيوسياسيّة الدينيّة- إن الانتخابات النيابية في لبنان أنتجت تحولين سيطبعان الحياة السياسية في لبنان في السنوات القادمة.

التحول الأول -بحسب “ضو”- هو ولادة تيار وطني عابر للمناطق والطوائف من رحم ثورة تشرين. إذ يمثله 14 نائبا ويدعمه مئات الألاف من المواطنين اللبنانيين لبناء دولة المواطنة غير الطائفية. فيما يتلهى الآخرون في المنافسة على زعامة الكتل الطائفية. أما التحوّل الثاني فيتمثل في خسارة “حزب الله” وحلفائه الأغلبية النيابية. مع السقوط المدوي لأبرز وجوه هذا التحالف -خارج النواب الشيعة- من بينهم إيلي الفرزلي ومروان خير الدين وطلال إرسلان ووئام وهاب وفيصل كرامي.

يؤشر هذا التحول إلى سقوط مفاعيل اتفاق الدوحة وما تبعه من حكومات محاصصة على أساس الفساد والارتهان -بحسب “ضو”.

أزمة لبنان
أزمة لبنان

قوى التغيير وانتخابات لبنان

على خلاف كثير من الانتقادات حول عدم توحّد قوى “الثورة” في قوائم واحدة مشتركة. أثبتت قوى التغيير أن الاستراتيجية التي اتبعتها في تشكيل قوائم فيها انسجام سياسي. فقد كان الخيار الصائب الذي أنتج ملامح مشروع سياسي متماسك.

وتابع “ضو” أن نتائج الانتخابات أثبتت عدم صوابية من كان يراهن على ثورة جياع تقلب النظام في الشارع دون أفق سياسي بنّاء. فالثورة تحقق نتائجها الفعالة والمستدامة عبر الانخراط في الحياة السياسية. مع ما يتطلبه ذلك من تحرر من أوهام تطهرية ومواقف راديكالية لا تؤدي إلا إلى ولادة أشكال جديدة من الاستبداد.

مشهد سياسي مأزوم

وأوضح أن المشهد السياسي اللبناني منقسم حول ثلاثة محاور متباعدة:

الأول: نواب التغيير 14 (الثورة والمجتمع المدني) ومعهم على الأقل 14 أو 16 نائبا مستقلا (القوى المناطقية أو التقليدية التي تبنت خطاب الثورة: أسامة سعد وفؤاد مخزومي ومعوض الصادق وحزب الكتائب…).

الثاني: قوى المواجهة مع حزب الله وتتمثل بالقوات اللبنانية (الفائزة مسيحيًا بالمعنى الطائفي) مع القوى السنيّة الحليفة (أشرف ريفي…).

وقال إنه لا يعتقد بأن الحزب الاشتراكي سوف يكون جزءًا من هذا المحور. وإن كان خطابه الانتخابي قريبًا منه. بل ستزداد عزلته السياسية لوجوده خارج التحالفات.

مشهد من الانتخابات النيابية بلبنان
مشهد من الانتخابات النيابية بلبنان

أما المحور الثالث فيتمثل بالثنائي حزب الله وحركة أمل وإشكالية هيمنته المطلقة على التمثيل الشيعي في المجلس النيابي. وإن أثبتت الانتخابات أنه لم يعد مهيمنا على القاعدة الشعبية الشيعية. ما أدى إلى خسارته في دائرة الجنوب الثالثة مقعدين وتراجعه الملحوظ في صيدا وبيروت. أما الحلفاء (التيار الوطني الحر وتيار المردة) فهما على الهامش.

حزب الله.. والأغلبية

بغياب الأكثرية النيابية لأي من هذه المحاور الثلاثة وصعوبة التحالفات في ما بينها سوف تتعقد الحياة السياسية في لبنان في مرحلة قد تكون مأساوية، لن يكون تخطيها سهلا دون الحاجة إلى مؤسسات فعالة وقرارات جريئة وسريعة وإصلاحات بنيوية لإنقاذ الناس من الأزمة المعيشية المتفاقمة.

ثلاثة استحقاقات سياسية داهمة ستفرض نفسها على الجميع -حسب “ضو”: انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه واختيار رئيس الحكومة وأعضائها وانتخاب رئيس الجمهورية.

الموقف الأسهل لقوى التغيير والمستقلين هو أن يشكلوا معارضة من خارج السلطة التنفيذية.

وألمح إلى أنه لا يجب أن تنسى قوى التغيير والمستقلين بأن الناس انتخبتهم ليس للتمتع بمشهد نزاهتهم والاستماع إلى مواقفهم الرنانة المرتقبة في المجلس بوجه منظومتي السلاح والفساد. بل لكي يأتوا بحلول للكارثة التي يمر بها لبنان ووقف الانهيار المتسارع للبلد والأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي ستزداد سوءًا.

وأعلن “ضو” ثقته في “التغييريين” وحكمتهم التي ستبعدهم عن المواقف التطهرية الشعبوية وتدفع بهم إلى الانخراط في معادلات سياسية تفاوضية. مثل أن يقبلوا ألا يكونوا الصانع الأساسي لرئاستي المجلس والجمهورية مقابل صناعة رئاسة الحكومة وسياستها الإنقاذية للبلد.

تمثيل النساء

واختتم بأنه من المؤسف ألا يكون من بين 128 نائبًا سوى 8 نساء في البرلمان اللبناني.  ويعود الفضل بشكل كبير لقوى التغيير في إحراز نصفهم (4 من 8).لكن يبقى واقع تدني مشاركة المرأة في الحياة السياسية ومواقع القرار فيها متدنيا جدا ولا يليق بوطن مثل لبنان. ويظل الأمل معقودا على ممثلات التغيير لإعطاء النموذج الجذاب.

ويؤكد فادي ضو -الرئيس التنفيذيّ السابق لمؤسّسة أديان وأستاذ الفلسفة الأساسيّة والجيوسياسيّة الدينيّة- أنه رغم كثير من الشوائب نجح وزير الداخلية في إنجاز الانتخابات في موعدها وحماية العملية الديمقراطية بالحد الأدنى المتبقي للدولة.

……

يذكر أن مؤسسة أديان تعنى بالتنوّع والتضامن وكرامة الإنسان. وتعمل كمنظّمة غير حكومية مسجّلة في لبنان محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا للتعدّدية والمواطنة الحاضنة للتنوّع والمناعة الاجتماعية والتضامن الروحي. وذلك من خلال مقاربات سياقيّة في حقول التربية والإعلام وصنع السياسات والعلاقات البينية الثقافية والدينية بين المكونات المختلفة.