نحن المولعون بالاقتناء، المغرمون بالأشياء، ستجد في كل بيت مئات من الأشياء التي لا حاجة لها، نحتفظ بالأكياس الفارغة، والعلب، الأكواب، والأثاث والأجهزة.
لدينا جميعًا عشرات الأشياء التي تشغل حيزًا، ولا تنفع على الأقل في الوقت الحالي، وأظن أن تلك العادة نابعة من إحساس بأنه ربما نحتاجها ذات يوم، حتى وإن تأخر هذا اليوم، فنحن لا نستغني عما نملك بسهولة.
تلك الثقافة التي تنسحب على حياتنا في كل شيء، فرغبة الامتلاك واحتمالية الحاجة إلى شيء يدوم بقاؤه في حياتنا أيًا كانت، ولا تتوقف الفكرة عند اقتناء الأشياء بل تنسحب للحياة والأفراد، ونمط التفكير والمشاعر، فتُصبح الأرواح مثقلة، وذاكرة المشاعر مشتتة، مما قد يجعل البعض يشعر أنه عبء على الآخر.
الكراكيب والمشاعر
قد لا يجد البعض رابطًا بين الكراكيب التي يقتنيها والمشاعر التي يشعر بها، وهذا يجعلنا نسأل عن الاعتياد وما يمكن أن يفعله في الانسان، فعلى سبيل المثال عندما يداوم أحدهم على قول صباح الخير كل يوم، لمدة أسبوع فإنك في اليوم الثامن قد تشعر بافتقاده إذا لم يقلها، هذا الافتقاد ربما يتم تفسيره بصور مختلفة أسوأها أنه مشاعر افتقاد ومحبة.
تبدو لفظة (أسوأ) قاسية، خاصة مع التعود على الامتلاك، أننا نرحب بكل العابرين لدخول حياتنا، نقسم مشاعرنا عليهم، فنُصبح منهكين، لا طاقة لدينا بمن نحبهم في الحقيقة، وهو ما يوصل رسالة سلبية لهم.
وحتى لا تختلط الأمور فإن الإنسانية والتعامل بلُطف ومحبة مع الآخرين لا يعني أن نُدخلهم دائرة القلب ونخصص لهم من مشاعرنا، لكن ثقافة الكراكيب تجعلنا نبذل جهدًا تجاه كل شخص، وأي شخص بما يتبعه من التزامات عاطفية.
مُحبو الكراكيب يحتفظون بكل شيء وأي شيء، وكذلك كراكيبي المشاعر، كل إنسان هو مهم، وبعيد عن أهمية الإنسان في المطلق، إلا أنه دائمًا هناك انحيازات، وعوامل تؤثر على البعد والقرب، وكذلك هناك أولويات، فالزميل في العمل الذي لا تربطنا به سوى الزمالة له التقدير والمودة، أما التطوع وبذل العطاء المفرط بدون ضرورة مُلحة فهي أمور في غير موضعها، تستهلك من وقت صاحبها ومشاعرها، ومن ثم تأتي على مساحة شخص آخر في حياته.
كراكيبو المشاعر يعانون من سوء تنظيم الوقت والمشاعر، وخلل في الأولويات، فالرغبة في تقديم المشاعر للجميع وأسر الكل في دوائرهم هي تصرفات غير سليمة، وطاقة مهدرة، فلن تكون صديق الكل لأنه وببساطة صديق الجميع هو ليس صديق أحد.
بقايا المشاعر
كتبت صديقتي تلوم من يمنح بقايا المشاعر، وتعتب على من يقبل بها، ولا أفهم ماذا نعني ببقايا المشاعر؟ هل هي مثل بقايا الطعام؟ أعتقد أنه لا يوجد ما يمكن وصفه ببقايا المشاعر، لكن هناك توقعات تنكسر حين لا تتحقق، فالمرء يعتقد أو ينتظر أن يلقى حفاوة في لحظة بعينها، أو مساندة أو مشاعر ذات طابع معين في وقت محدد، وحين لا تتحقق يُصاب بخيبة الأمل، وهذا ما يُفسد العلاقات، تأرجحها بين العشم والتوقع والانتظار.
من آفة ثقافة الكراكيب أن هناك حالة زحام غير مبررة، هذا الزحام يجعل أبسط الأشياء تختفي، وأوضحها لا يُرى، مثل تلك الآفة تنتقل نحو المشاعر، فهؤلاء راغبي محبة الكل ورِفقة الكل يعيشون في زحام فلا يرون محبة صادقة رغم وضوحها، وتفوتهم تفاصيل هامة، فينتج أن يحزن بعض المقربين، ويبتعد أحبة صادقين، فأصحاب ثقافة الكراكيب تختل أولوياتهم عن غير عمد، وتسرقهم الأحداث والأشخاص، فينغمسون في شيء عادي، ويمرون بسطحية على موضوع بالغ الأهمية.
ضحايا الكراكيب
أصعب ما يواجهنا أن تلك الثقافة تغلغلت بداخل الكثير منا، أننا بدون قصد لا نُجيد ترتيب الأولويات، نتعثر في مشاعرنا، ونرتبك في علاقاتنا، لأن عقولنا وقلوبنا منشغلة بكثير مما نجمع، فندخل في تيه يُضل صاحبه، ويفقد فيه كثير ربما لا يُدرك أهميته في وقته، ويندم عندما لا ينفع الندم.
ليتنا نستطيع ترتيب البيت، والتخلص من الكراكيب، وتنظيم حياتنا وتحديد الأولويات، ربما نجونا واحتفظنا بمن نُحب.