(1)

في الظهور الأول بدون بدلة السجن وبعيداً عن المناسبات الاجتماعية، كان من الطبيعي أن يثير جمال مبارك جدلاً واسعاً بخطابه الذي أعلن فيه براءة أسرته من اتهامات طالتهم بالفساد في أعقاب ثورة يناير 2011.

بحديث باللغة الإنجليزية استمر نحو 20 دقيقة تجاهل جمال مبارك الداخل المصري وتوجه بشكل مباشر للخارج في أمريكا وأوروبا، ليعلن براءة أسرته، لكنه وهو يتجاهل الشعب المصري تناسى أيضاً حكماً نهائياً وباتاً صدر ضده وضد والده وشقيقه في قضية القصور الرئاسية عام 2016، رفضت المحكمة وقتها التصالح وحكمت عليهم بالسجن ثلاث سنوات وبغرامة 125 مليون جنيه.

ما وراء مشهد الخطاب في تقديري هو الأهم في هذه اللحظة الضبابية التي نعيشها في مصر.

فالقول بإن جمال مبارك ليس له طموحات سياسية هو صدام مباشر مع مؤشرات جادة تظهر كل يوم ولا يمكن التغافل عنها أو القفز فوقها.

لجمال مبارك طموحات سياسية هذا أمر مؤكد، وحلمه بالوصول لعرش مصر لا يزال يطارده بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق لولا ثورة 2011.

رسائل جمال مبارك السياسية في خطابه أول أمس بدت ضبابية، بنفس درجة ضبابية المرحلة الحالية، لكنها حملت إيحاءً واضحاً أراد توصيله للجميع بأنه بات طرفاً في المشهد السياسي، وأنه “لن يسمح بالهجوم والتشهير ضده وضد أسرته خلال المرحلة المقبلة” وأنه “كلف المستشار القانوني بملاحقة من يردد الأكاذيب ضده وضد أسرته”، قال هذا الكلام في الفيديو الذي ظهر فيه كما لو كان مرشحاً رئاسياً يخاطب الناس ببرنامجه الانتخابي، وهو أمر مقصود ورسالة لمن يفهم ما بين السطور.

في ظهور جمال إعلان واضح ببداية مرحلة جديدة، وتعهد غير معلن بالعودة للمشهد السياسي تزامن مع استقبال رسمي ملفت من رئيس دولة الإمارات الحالي محمد بن زايد له ولشقيقه في عزاء رئيس الإمارات الراحل.

جمال وعلاء مواطنان مصريان لا يحملان صفة رسمية تمكنهما من الذهاب للرئيس الإماراتي والتصوير معه بشكل يحمل إيحاءات غير خفية، والنفوذ الإماراتي في المشهد السياسي المصري واضح ومعروف وليس في حاجة للشرح والتعليق، لذلك بدت صورة العزاء ملفتة ومثيرة للأسئلة.

مبارك الابن يملك فهماً واضحاً ودقيقاً لأوراق التأثير في اللعبة السياسية، تساعده علاقات عربية وغربية بناها وقت حكم والده.

طموح جمال لا ينفصل بالتأكيد عن حس شعبي تعلمه وقت حكم والده لمصر، حس يربطه بالشارع وقضاياه، فالغضب الشعبي من السياسات الحالية واضح، والمقارنة بين العصر الحالي وعصر مبارك تصب مباشرة في مصلحة الأخير.

(2)

كل هذه المقدمات من الصعب أن تصل لنتائج كبيرة.

بحسابات السياسة لا مستقبل لجمال مبارك، فلا توازنات اللحظة بداخل السلطة في صالحه، ولا 2022 تشبه 2010 بتشابكات المصالح وتقديرات القوى المتصارعة.

أما في حسابات الجماهير فهناك معنى مختلف تماماً يراهن عليه الابن، فبعد 9 سنوات من سياسات رديئة وبائسة باتت جملة “ولا يوم من أيام مبارك” منتشرة على لسان مواطنين عاديين بدرجة توحي بغضب شديد من السلطة الحالية وحنين باد لنظام مبارك وأيامه.

كل الأطراف كسبت أشياء وخسرت أخرى إلا السلطة الحالية فقد خسرت أكثر مما كسبت بعد 8 سنوات من اختبارات السياسة والاقتصاد، والوصول إلى أزمة وجودية باتت تهدد النظام ذاته.

مع رهانات جمال مبارك على غضب شعبي ربما يدفع في طريق سيناريو تغيير سياسي فإن أزمته تظل في أن التوازنات الحالية بداخل السلطة لا تخدمه ولا تراهن عليه، وأن التفاصيل المهمة في المشهد السياسي ليست في صالحه، فكلنا يعلم أن أحلام جمال مبارك في جزء منها هي محاولة  منه لإثبات انتصار سياسي على الثورة ومن قاموا بها ومن اتهموه بأنه تسبب في سقوط نظام حكم والده، لكنه يتناسى في تقديراته السياسية أن سيناريو التوريث وصعوده للسلطة قد فشل وهو في وضع أقوى كثيراً جدا من اللحظة الحالية، وأن المؤسسة العسكرية التي لم تكن مرتاحة لسيناريو التوريث وقت أن كان والده هو قائدها الأعلى ليست مضطرة الآن لقبول سيناريو لا مكسب حقيقي من دعمه أو مساندته بعد مرور أكثر من 10 سنوات على سقوطه واختفائه.

في مفارقة غير خافية تحول كل الهجوم والتشويه اللذان مارستهما السلطة الحالية ضد ثورة يناير ومحاولاتها المستمرة لدفع الشعب لرفض الثورة إلى قوة دفع وتشجيع لجمال مبارك وطموحه، لكن يبقى هناك مطب آخر في طريق طموح جمال السياسي وهو أن قوى يناير تظل عقبة حقيقية تحاصره وترفضه وتتحفز كلما سمعت اسمه، فمهما بدت هذه القوى مفككة ولا يجمعها تنظيم سياسي، ومهما تراجعت قدرتها على التأثير فإن عودته للمشهد سيحفزها ويجعلها طرفاً سياسيًا بالطبيعة للتصدي لسيناريو ترشح جمال في أي انتخابات، فوجوده يحمل ضمنياً معنى الفشل النهائي لثورة يناير التي أطاحت بحكم والده، وتقديري أن ظهور مبارك الابن سيوحد كل من شاركوا في ثورة يناير ودافعوا وحلموا بانتصارها ويدفعهم لخوض المعركة الأخيرة ليناير ومن معها.