رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بنسبة 2% خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك. أمس الخميس. وهو ما وصفه بالإجراء الضروري في مواجهة الضغوط التضخمية. ووصلت بذلك أسعار الفائدة إلى 11.25% على الإيداع. و12.25% على الإقراض.
وهذا الرفع هو الثاني لأسعار الفائدة بالبنك المركزي هذا العام، بعد أن رفعها بشكل مفاجئ بنسبة 1% في اجتماع استثنائي للجنة في 21 مارس/أذار الماضي. وهو نفس اليوم الذي شهد بدء بنكي الأهلي المصري ومصر في طرح شهادة ادخار مرتفعة العائد بنسبة 18%.
فلماذا ارتفعت الفائدة للمرة الثانية خلال 2022؟ وما تأثير القرار على الأوضاع الاقتصادية بالدولة وتداعياته على حركة الأسعار بالسوق؟
ماذا يعني رفع الفائدة؟
يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على الإقراض بنسبة 2%. فإذا كان العميل يرغب الآن في الحصول على قرض فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على القرض الذي يرغب في الحصول عليه. وفق الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي لـ “مصر 360”.
يوضح شوقي أن هذا الإجراء لا ينطبق على العملاء الذين حصلوا على قروض من قبل ويسددون حاليًا أقساط عليه. وفي حال كان العميل سبق وحصل على قرض بفائدة متغيرة -أي مرتبطة بسعر الفائدة المقررة من البنك المركزي- فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع بنسبة 2%.
يشرح الخبير المصرفي أن الفائدة على شهادات الادخار والودائع في البنوك سترتفع. وهو أمر يخضع لرؤية كل بنك في تحديد نسبة الفائدة على الودائع والشهادات التي يقدمها. كما سيرتفع سعر الفائدة بشكل أوتوماتيكًا، على الشهادات والودائع، التي تكون مربوطة بسعر الفائدة في البنك المركزي. والتي تسمى “متغيرة العائد”. ولا ينطبق ارتفاع سعر الفائدة على الودائع والشهادات على العملاء. الذين سبق واشتروا شهادات ادخار من قبل، ويحصلون حاليًا على فوائد مقابل أموالهم.
ويقدم بنكا الأهلي ومصر حاليًا أعلى سعر فائدة على شهادات الادخار. والتي تبلغ 18% بأجل عام.
ويرفع البنك المركزي أسعار الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد -زيادة أسعار السلع والخدمات- وبالتالي، ترتفع قيمة المال. وتقل نسبة الاقتراض ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم. وفي حالة الركود الاقتصادي، يقوم البنك بخفض سعر الفائدة. ما يخفض من قيمة الأموال فيزداد الاقتراض وينتعش الإنفاق الاستهلاكي.
لماذا رفع المركزي سعر الفائدة للمرة الثانية؟
وأرجع عدد من الخبراء قرار رفع الفائدة إلى أن البنك المركزي مطالبا برفع الفائدة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية التي انسحبت من السوق مؤخرًا، نتيجة الموجة التضخمية العالمية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا؛ لكن ذلك الإجراء يتبسبب بالتبعية في خفض قيمة العملة المحلية “الجنيه”.
وقال الخبير الاقتصادي عادل عامر إن المستثمرين الأجانب تخارجوا من السوق الفترة الماضية. لاستثمار أموالهم في سندات خارجية -أكثر جاذبية- لذا كان على البنك المركزي توفير حزمة تحفيزية للمستثمرين لمنع استمرار تخارجهم. وكان أبرز تلك الحوافز هو تشجيعهم على العودة من جديد وتقليص سعر الفائدة.
وتابع لـ”مصر 360″ أن موجة التضخم التي ضربت كثيرا من الأسواق ومنها مصر أحدثت حالة تقلب شديد بالسوق. فيما بدأ الأجانب سحب كميات من الدولار من البنوك لتوفير مستلزمات المصنعين من الخارج وغيرهم. وذلك بعد سلسلة الأزمات التي ضربت الأسواق العالمية جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
وأكد أنه رغم تأثير قرار رفع الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة على تحريك أسعار الفائدة المصرية فإن التأثير على السوق المصرية سيكون محدودا ومحكما من قبل سياسات البنك المركزي. مقارنة بكثير من الدول ستتأثر بنسبة كبيرة من قرار رفع الفائدة الأمريكية.
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي مستشار المركز العربي للدراسات أبو بكر الديب أن رفع الفائدة خطوة كانت متوقعة لكبح جماح التضخم والحفاظ علي الأموال الساخنة، وضبط السياسة المالية من خلال تقليص حجم الكتلة النقدية داخل الأسواق.
ضغوط تضخمية وصدمات في العرض
وشرحت لجنة السياسة النقدية بالمركزي أسباب رفع الفائدة، بأنه ضروري للسيطرة على الضغوط التضخمية، كما يتسق مع تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط. وأنه يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم، والحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض لما لها من تأثير على توقعات التضخم وتخطي المعدلات المستهدفة والمعلن عنها مسبقا.
وأوضحت اللجنة -في تقرير لها عقب تحريك الفائدة- أنه بالنظر إلى الآثار الأولية لصدمات العرض حاليا، فمن المتوقع وبشكل مؤقت ارتفاع معدلات التضخم نسبيا عن معدل التضخم المستهدف للبنك المركزي والبالغ 7% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، وذلك على أن تعاود معدلات التضخم الانخفاض تدريجياً.
وتجاوز معدل التضخم السنوي في المدن في أبريل النطاق المستهدف الذي وضعه البنك المركزي لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7% (بزيادة أو نقصان 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
ذكرت اللجنة أن النشاط الاقتصادي العالمي اتسهم بالتباطؤ جراء استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وأدت العقوبات التجارية المفروضة على روسيا وما نتج عنها من اختناقات في سلاسل الإمداد والتوريد إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، مثل الأسعار العالمية للبترول والقمح.
وبالإضافة إلى ذلك، تثير عمليات الإغلاق التي تم فرضها مؤخرًا في الصين مخاوف بشأن إمكانية تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، بحسب البيان.
كيف سيؤثر رفع الفائدة على الاقتصاد والمواطنين؟
وتؤثر التغييرات في معدل الفائدة في مصر على الدولار الأمريكي بشكل كبير، فعندما يرفع المركزي المصري سعر الفائدة تنخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، الذي يزداد قوة في السوق المصرية -وفق الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي-.
وارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري قبل أشهر، عندما قرر البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة، حيث تجاوز الدولار الواحد 18 جنيها مصريا فأعلى ولم يهبط عن هذا الحد منذ ذلك الوقت.
وتوقع شوقي تجاوز الدولار الأمريكي حاجز العشرين جنيها فأكثر، بعد الزيادة الأخيرة للبنك المركزي بزيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس، وسعر الفائدة على الإقراض لأجل ليلة واحدة إلى 12.25% من 10.25%، ورفعت سعر الإيداع لليلة واحدة إلى 11.25% من 9.25%. موضحًا أن المستثمرين الأجانب سيتجهون للاستثمار في العملة الأجنبية بالبنوك المصرية استغلالاً لزيادة الفائدة وجاذبيتها بالنسبة لهم.
وأكد أن رفع الفائدة يليه زيادات سعرية طبيعية في سعر العملات الأجنبية. وذلك كي يتمكن البنك المركزي من تجميع الدولار الموجود بالسوق. ومنع خلق سوق سوداء تسبب مزيدا من التقلبات السعرية في بيع المنتجات. خاصة المستوردة من الخارج والمتأثرة بالأوضاع العالمية -الحرب الروسية الأوكرانية-.
استمرار معاناة المواطن متوسط ومحدود الدخل
ويوضح أيمن ياسين الخبير المصرفي، لـ “مصر 360″، أن الكيانات الصناعية في الدولة ستتأثر بشكل مباشر بقرار رفع الفائدة والتي تعتمد على الدولار بشكل رئيسي في تدبير احتياجاتها من المادة الخام من الخارج، وبالتالي ستتأثر تلك الكيانات الاقتصادية بتراجع قيمة الجنيه؛ ما يدفعها إلى محاولة إجراء تحريك فوري في منتجاتها المتداولة بالسوق، سواء كانت مواد غذائية أو غيرها.
تابع أن الوضع الحالي المتعلق بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار سيخلق حالة من الارتفاع في الأسعار بالسوق بالنسبة لجميع المنتجات والسلع، ومن ثم احتمالية زيادة حالة الركود في سوق العرض والطلب خلال الأشهر القادمة.
معاناة المواطن -بالتحديد متوسطي الدخل- ستستمر أيضًا على مستوى أسعار بيع مختلف المنتجات بما فيها سعر بيع البنزين والوقود، باعتبار أن سعر الصرف هو أحد العوامل المُحددة لسعر بيع الوقود محليًا -الدولة بتستورد بترول من الخارج بملايين الدولارات.. وتراجع قيمة الجنيه يعني ارتفاع قيمة فاتورة الاستيراد الشهرية- وبالتالي ستلجأ الحكومة إلى تحميل المواطن جزء من ارتفاع فاتورة الاستيراد عبر زيادة أسعار الوقود خلال الربع الأول من العام المالي الجديد 2022/2023.
هل تتغير شهادات الـ 18%؟
وقال مسؤولون في بنكي الأهلي ومصر لـ “مصر 360″، إن شهادة العائد 18% لمدة عام لا تزال سارية في البنكين ومتاحة للعملاء، ولا يوجد شهداة جديدة بعائد أعلى بعد قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة 2%.
أوضحوا أن بنك مصر سيواصل بيع شهادة الادخار الـ 18% كما هي دون تغيير، ولا يوجد أي نية لزيادة الفائدة عليها، وأن حصيلة شهادة الـ 18% قفزت في بنك مصر ووصلت إلى 216 مليارات جنيه خلال أول شهرين من طرحها.
فيما أوضحت المصادر أنه لا يوجد تعديل أيضا على الشهادات البلاتينية أجل 3 سنوات بفائدة 11%, وتعني تصريحات المسؤولون أنه لا نية لطرح شهادات جديدة أعلى من شهادة 18% المتاحة حاليا، في الوقت الحالي.
هل أثر قرار الفيدرالي الأمريكي على مصر بالنسبة للفائدة؟
وجاء قرار رفع الفائدة مباشرة عقب قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) برفع سعر الفائدة قبل أسبوعين. حيث تسبب رفع الفائدة في أمريكا في تحريك أسعار الفائدة في مختلف دول العالم، لتأثرها مباشرة بتخارج أموال الأجانب وتوجهها إلى السوق الأمريكية التي باتت أكثر جاذبية.
وتوقع الخبراء أن يرفع البنك المركزي الفيدرالي أسعار الفائدة مرات عدة هذا العام. ولكن بزيادات صغيرة. في الوقت الذي رفعت فيه أيضًا بنوك مركزية في العالم العربي أسعار الفائدة بعد خطوة الفيدرالي الأمريكي.
وقال محمد ماهر -العضو المنتدب لشركة برايم القابضة للاستثمارات المالية- في تصريحات خاصة إن قرار الفيدرالي الأمريكي يعد أحد العوامل المهمة التي يضعها البنك المركزي المصري نصب عينيه وهو يقيم مسار سياسته النقدية. ومنها قرار رفع الفائدة لمواجهة تخارج الدولار من السوق المصرية.
وأوضح أن قرار الفيدرالي يعد من العوامل المهمة بالنسبة لقرار أسعار الفائدة بالمركزي المصري. في ظل أن البيئة الحالية تعد غير مثالية على الإطلاق لأصول الأسواق الناشئة. موضحًا أن تغيير الفيدرالي الأمريكي سياساته تؤثر بشكل مباشر وواضح على الاقتصادات الأخرى وتدفعها لتغيير سياستها.