طوال التاريخ ومياه البحر الأحمر هي أقصر طريق بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط ​​للمحيط الأطلسي. سمح هذا للنقل المائي بالمرور في كلا الاتجاهين بين أوروبا وآسيا، دون المرور حول إفريقيا. وساهمت قناة السويس في جعل المنطقة صاحبة الأفضلية المطلقة لأهم طرق النقل من أوروبا من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي في اتجاه آسيا وأستراليا.

هذه المعطيات جعلت البحر الأحمر ساحة إستراتيجية للجهات الفاعلة الدولية والإقليمية. وقدم لهم مصلحة جيوسياسية رئيسية، لهذا كان الجهد الدولي -على مدار سنوات- يتعاظم للوصول بهذه المنطقة عام 2050 إلى ناتج إجمالي يتخطى 6.1 تريليون دولار. بما يعني نمو حجم التجارة بأكثر من خمسة أضعافها الآن.

لكن هدد هذا السيناريو مؤخرا، جعل البحر الأحمر ساحة للصراع المسلح. والتنافس بين القوى العظمى على بناء منشآت عسكرية أجنبية حول مضيق باب المندب. وعند مدخل البحر الأحمر وخليج عدن بحجة مواجهة العمليات الإرهابية. قبل أن يخطف الحوثي الأنظار من الجميع بتهدياته المتوالية .

عرّى التهديد الحوثي ثغرات الأزمات الأمنية التي طالما حذرت منها دول المنطقة. إذ كانت بعض البلدان الكبرى ترفض معالجة هذه المشكلات بشكل جذري وتفضل إدارتها. ما ساهم في خنق فرص التجارة البحرية والتجارة الدولية، وهدد الآمال في تعظيم الاستفادة من هذا الموقع الفريد.

ومع تزايد التعقيدات الأمنية التي شكلت تحديات واضحة، قررت الولايات المتحدة الأمريكية إنشاء قوة جديدة ضمن القوة المشتركة متعددة الجنسيات. تكون مهمتها تأمين حرية الملاحة وضمان الالتزام بالقانون الدولي. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تعامل العرب مع هذه التحديات المعقدة التي فرضت نفسها على الساحة وهددت مصالح العالم ومصالحهم بالدرجة الأولى ؟

قوة دولية جديدة .. أي مهام ؟

في منتصف الشهر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل قوة عمل جديدة متعددة الجنسيات لتسيير دوريات في البحر الأحمر وخليج عدن. والقوة تحمل كود رقم 153 وتتبع القوات البحرية المشتركة. التي تقوم بدوريات في الممر المائي عبر مضيق باب المندب إلى المياه قبالة الحدود اليمنية العمانية.

فرقة العمل الجديدة تضم سفينتين ـ قد ترتفع إلى ثماني سفن في أي وقت ـ على حد قول براد كوبر. نائب قائد الأسطول الخامس الأمريكي. وتعتبر رابع فريق عمل للقوة البحرية المشتركة التي تأسست عام 2002 كائتلاف بحري دولي لمكافحة الاتجار والإرهاب والقرصنة في المنطقة.

حديث كوبر كان يميل إلى عدم الأفصاح عن التفسيرات الكاملة لحقيقة عمل القوة. وتحديد ما إذا كانت دوريات فرقة العمل المشتركة 153 تستهدف على وجه التحديد عمليات التهريب المتزايدة في المنطقة. أم النفوذ الروسي بالبحر الأحمر، في ظل الأزمة الطاحنة بأوكرانيا وانقسام العالم بشأنها. إذ اكتفى بالإشارة إلى أن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة. تواجه صعوبة في القبض على كل شحنات الأسلحة التي تهرب إلى جهات عدة خلال السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، جزء هام من حديث نائب قائد الأسطول الأمريكي. خصص للإشارة إلى ما أسماه «الإجماع الإقليمي» على أهمية الأمن البحري في هذا المسطح المائي. لمكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر والفحم. وما يبرهن على هذا الإجماع أن قيادة فرقة العمل المشتركة الجديدة ستبقى مع النقيب في الأسطول الخامس روبرت فرانسيس. قبل أن تنتقل القيادة في وقت لاحق إلى دولة شريكة .

أخطر تحديات البحر الأحمر

على مدار التاريخ، شكلت منطقة البحر الأحمر أهمية كبرى للتجارة العالمية. ويبرز هنا قناة السويس ومضيق باب المندب باعتبارهما من أهم ممرات الشحن في العالم. لهذا، تعتبر حرية الملاحة سواء لبلدان المنطقة أو العالم أولوية قصوى. وكان إدخال البحر الأحمر في أي محاصصة أو صفقات، أو ضربات أسفل الحزام من الأحلاف المختلفة والقوى العالمية وحلفائها. ضد بعضها البعض. مشكلة كارثية لمستقبل التعاون والاستثمار المرغوب لهذا الموقع الفريد .

ووفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية يمر حوالي 6.2 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات البترولية عبر باب المندب. في كلا الاتجاهين، من البحر الأبيض المتوسط ​​عبر قناة السويس. ومن المصافي السعودية إلى الأسواق الآسيوية.

يقع مضيق باب المندب بين الطرف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية ناحية اليمن. والجزء الشمالي الشرقي من القارة الأفريقية جيبوتي وإريتريا، وإذا ما عرفنا أن عرض هذا المضيق حوالي 27 مترًا، وموقعه لايزيد عن 18 ميلاً فقط من جيبوتي. سنتأكد لماذا يعتبر شريان حياة لحركة المرور البحري، ويمر من خلاله حصة الأسد من النفط والغاز المسال. وأي تأثير في هذه المنطقة، يوقف أنفاس العالم.

لهذه الأسباب زادت التحركات الأمنية خلال الأشهر الماضية. بعد أن توحش ظاهرة الحوثيين التي وجهت تهديدات كبرى للملاحة الدولية. طالما حذرت منها المملكة العربية السعودية بعد تعرضها لاعتداءات متكررة. والغريب، أن القوات متعددة الجنسيات العاملة في البحر الأحمر والخاضعة للقيادة الأمريكية قللت دائما من هذه الاعتداءات وفضلت تجاهل الرد عليها بما يناسب خطورتها.

أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رغبة في إدارة الأزمة الحوثية بدلا من إنهائها سريعا، في ظل ترددها المتزايد حول المشاركة في الصراع اليمني، وتفضيلها لعب دور تسهيل المفاوضات لإنهاء الصراع، بما يتناقض مع دورها كلاعب رئيسي في تجارة البحر الأحمر، وهو ما تأكدت منه مؤخرا وقررت إنشاء قوة أمنية جديدة، حتى لاترعى تهديدات لا قبل للعالم بها، وأول المهددين في المنطقة بالطبع المصالح الأمريكية .

 

سر جرأة مليشيات الحوثي

يمكن القول أن السبب الحقيقي في هذه المخاوف، تجرؤ مليشيات الحوثي على التحول من مجرد مضايقة السفن إلى مهاجمتها والاستيلاء على بعضها باستخدام القذائف الصاروخية المتقدمة للغاية والتكتيكات التي أصبحت أكثر فاعلية وخطورة.

استخدم الحوثيون الألغام والطائرات دون طيار والصواريخ المضادة للسفن، وبعد أن كانوا يهاجمون سفن السعودية والتحالف الخليجي المؤيد لها في الأزمة اليمنية فقط، انتقلوا للهجوم على سفن تمثل التحالف الدولي في البحر الأحمر، وأصبحوا يهددون علنا حلفاء السعودية من البلدان الأجنبية، لدرجة أنهم سيطروا على سفينة شحن من كوريا الجنوبية، وهي اللحظة التي بدأ العالم الغربي ينتبه لجدية تهديدات الحوثي التي يمكن أن تشكل خطورة كارثية على الملاحة الدولية .

عزز المخاوف الدولية قدرة الحوثيين على استغلال جغرافيا اليمن الفريدة، إذ تقع في النقطة الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية، كما يمتد الطريق البحري الرئيسي من أوروبا إلى آسيا، وتصطف الموانئ اليمنية على باب المندب شمالاً على طول الساحل إلى منطقة ميدي في شمال غرب محافظة حجة اليمنية.

يعتبر الحوثيون هذه الموانئ رصيدًا بحريًا قويًا لهم منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2015، وجعلوا منها مصدر دائم لتهديد الرحلات البحرية والتجارية، في محاولة لإجبار العالم على الرضوخ لهم وتمكينهم من حكم اليمن بعد أن أدت تداعيات الحرب بالفعل إلى جعل مضيق باب المندب في وضع أمني خطير وغير مستقر.

أي موقف للعرب ؟

من اللحظة الأولى كشفت البلدان العربية المنغمسة في الأزمة اليمنية ـ سواء بفعل الموقع الجغرافي الملاصق لليمن أو المهددة في المقام الاول بأخطار المد الإيراني ـ من خطورة استيلاء الحوثيين وحلفاؤهم على الموانئ اليمنية الاستراتيجية والمناطق الساحلية.

تحدثوا كثيرا مع الشركاء الدوليين عن خطورة تعريض أمن الشحنات والسفن المبحرة عبر المضيق عندما كان التهديد في بدايته، قبل أن يتوحش ويتحول إلى تلغيم القوارب بالمتفجرات واستخدام الصواريخ المضادة للسفن للهجوم، نهاية بتطوير القدرة على خطف سفن كبرى وتهديد التجارة العالمية.

لجأ التحالف العربي الذي تقوده السعودية إلى مواجهة الصراع بالسلاح ومحاصرة الحوثيين داخل مصادر تهديداتهم، قبل أن يقرر التحالف مؤخرا اتباع نهج ذي شقين تجاه حماية أمن المضيق، الأول التنسيق مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين الآخرين على مواصلة بناء قنوات دبلوماسية مع الحكومتين اليمنية والسعودية فيما يتعلق بالصراع اليمني للتخفيف من تداعيات الحرب والتصعيد المحتمل بين دول الخليج المجاورة.

والاتجاه الثاني بناء خطة فنية للدفاع عن المضيق من الأنشطة غير المرغوب فيها، بالشراكة مع بلدان الخليج والدول الإفريقية الكبرى في المنطقة على رأسها مصر، وتشكيل فريق عمل إقليمي يتكون من أطر بحرية وقانونية ودبلوماسية لإبقاء المضيق مفتوحًا، لاسيما أن الجهود المشتركة بين الدول العربية والإفريقية ساعدت كثيرا من قبل في إنهاء القرصنة ومكافحة التهديدات الآخرى

ومع أن هذه الجهود ستستغرق وقتًا طويلاً ودعمًا ماليًا وتعاونًا، لكن مصالح الدول المجاورة للبحر الأحمر في أمن باب المندب، يجعلها تفضل استخدام مزيج من الدبلوماسية والقوة لضمان حرية الملاحة عبر البحر الأحمر ويمثل هذا الاتجاه مصر، إذ تملك قدرة هائلة على دفع فرص التعاون بين الجميع، واستخدام القوة إذا لزم الأمر .