في السنوات الأخيرة، بذلت الدولة المصرية جهودًا شاملة لتطوير شبه جزيرة سيناء، وتحويلها من “منطقة محرمة” على الكثير من الاستثمارات. إلى جزء لا يتجزأ من الدولة المصرية. فخلال ثماني سنوات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تم التخطيط لإطلاق سلسلة من المشاريع الكبرى في شبه جزيرة سيناء.

وبينما يصادف عام 2022 الذكرى الأربعين لتحرير سيناء، وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي المصرية -عدا طابا التي استردتها مصر عبر التحكيم الدولي- تظل جنبًا إلى جنب، مع التقدم الكبير في تنمية المنطقة، العديد من التحديات. بما في ذلك الجماعات الإرهابية في شمال سيناء.

بالفعل، أصبحت تنمية شبه جزيرة سيناء وتحسين بنيتها التحتية في السنوات الأخيرة إحدى الأولويات الوطنية التي تتولاها الدولة المصرية. ورغم أن هذا الهدف سعت إليه الحكومات المصرية السابقة، لكن لم يتمكن أي منها من بناء استراتيجية تنمية شاملة. وترجمة هذه الخطط بالكامل إلى نتائج على الأرض.

بالتوازي مع الجهود المصرية، يرى المراقبون الإسرائيليون أن التنمية الناجحة لشبه جزيرة سيناء هي أيضًا مصلحة إسرائيلية. حيث يمكن أن تساعد في استقرار الوضع في قطاع غزة وحدوده الجنوبية.

اقرأ أيضا: استراتيجية التنمية تغازل أهالي سيناء بـ “التجمعات”

سيناء ومعادلة الأمن القومي المصري

في 25 أبريل/نيسان 2022، احتفلت مصر بالذكرى الأربعين لتحرير سيناء. والتي عادت أهميتها كأولوية قصوى في الأمن القومي المصري، حيث أكد السيسي مرارًا وتكرارًا التزامه تجاه أهل سيناء. معتذرًا عن سنوات عديدة من الإهمال من قبل الأنظمة المصرية السابقة.

قبلها، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، في الندوة التثقيفية “العبور إلى المستقبل” التي أقامتها القوات المسلحة لإحياء ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. أكد الرئيس المصري، أنه حتى لو مرت سنوات ولم يتم تطوير سيناء كما ينبغي، فإن التطور الهائل لشبه الجزيرة الحالي سيجلب الازدهار والأمان. من خلال تحسين حياة مواطنيها، والوصول إلى حقبة جديدة في المنطقة خالية من الإرهاب.

وأكد السيسي، خلال كلمته، على أهمية الحرب على الإرهاب والتضحيات التي قدمها أهل سيناء في هذه المعركة المستمرة. وشكر أهل سيناء على تضحياتهم المستمرة في الحرب على الإرهاب، نيابة عن الشعب المصري.

يرى المحللان الإسرائيليان، جوني عيسى وعوفير وينتر. أن التطور الحالي في سيناء “ليس مجرد بادرة حسن نية من قبل الحكومة تجاه سكانها المحليين، ولكنه أيضًا جزء من جهود مصر للقضاء على الإرهاب”. فعلى مدى العقد الماضي، أدى الإرهاب في شمال سيناء إلى مقتل الآلاف من المدنيين المصريين وقوات الجيش والشرطة وأدى إلى استمرار حالة عدم الاستقرار.

وبحسب الإحصائيات الرسمية، فقد أودت الحرب على الإرهاب في سيناء في الفترة من 2013 إلى أبريل/نيسان 2022 بحياة 3277 عنصرًا أمنيًا، فيما أصيب 12280 شخصًا بجروح خطيرة.

يقول الباحثان: “يغذي التمرد في سيناء -في إشارة إلى الجماعات الإرهابية- المظالم المحلية، وكذلك التطورات الإقليمية الأوسع. وتعززت صعودها جزئياً من خلال ثورات 2011 و2013، والتي خلقت بيئة مواتية للتمرد ضد نظام القاهرة، وجزئياً من خلال تدفق العناصر الأجنبية لداعش، حيث انضم أفراد من بعض القبائل البدوية إلى الجماعات السلفية الجهادية المتشددة”.

نهج شامل لمكافحة الإرهاب

في خطابه، أشار الرئيس السيسي ضمنيًا، لأحد الأسباب الأساسية للصراع “وهو غضب البدو من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طويلة الأمد للدولة المصرية، التي قضت عقودًا من تمييز البدو وتهميشهم. وتشمل هذه العوامل التمثيل السياسي غير الكافي للبدو، والحرمان من حقوق الأرض. والاستبعاد من صناعة السياحة في سيناء. كما تحولت بعض العناصر البدوية بشكل متزايد إلى الأنشطة غير المشروعة، لا سيما تهريب الأسلحة والمخدرات والبضائع إلى غزة وإسرائيل”. وفق الباحثان.

وبينما يستمر الجيش المصري في تنفيذ عمليات ضد ولاية سيناء التابعة لتنظيم داعش -ولا سيما العملية الشاملة سيناء 2018- إلا أنه لم يتمكن بعد من القضاء عليها أو هزيمتها بالكامل. هنا، يزعم الباحثان الإسرائيليان أن استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب أحيانًا تأتي بنتائج عكسية “بدلاً من القضاء على الإرهاب واستئصاله، أوجد أرضية خصبة للجماعات المتطرفة لتزدهر. وتجند أعضاء جدد، وتكثف هجماتها”.

هكذا، توصلت القاهرة إلى استنتاج مفاده أن الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي ضروري لمحاربة الإرهاب، وأدركت الحاجة إلى استراتيجية أكبر. يستند هذا النهج الشامل لمكافحة الإرهاب إلى ثلاثة مبادئ رئيسية: الأول يتعلق بضمان وتحقيق أمن المواطن. والثاني مخصص لاستعادة هيبة الدولة وسيطرتها على جميع أنحاء البلاد. والثالث يتعلق بإعادة الثقة في الأجهزة المعنية بضبط الأمن وتحقيق الاستقرار. من خلال الاعتماد على مجموعة متكاملة من المحاور: أمنية، وعسكرية، وتشريعية، وفكرية، واقتصادية، واجتماعية، وتنموية.

لذلك، منذ عام 2013، عمل النظام المصري على خطط لتطوير شبه جزيرة سيناء على عدة مستويات. لكن، لم تقدم الحكومة حتى عام 2016 خططًا طويلة الأجل لتنمية شبه الجزيرة، تهدف إلى زيادة الاستثمارات والتركيز على المشاريع التي تركز على السكان. وبحسب تقرير المرصد المصري، فإن هذه الخطط حتى الآن تتكون من ميزانية ضخمة بقيمة 600 مليار جنيه -11.09 مليار دولار- لتنفيذ مشاريع تنموية في شبه جزيرة سيناء. كما زادت مخصصات محافظات سيناء للتنمية بنسبة 300% على الأقل من 2009/2010 إلى 2019/2020.

اقرأ أيضا: هجوم سيناء.. التحول نحو استهداف البنية التحتية والمشروعات التنموية

سيناء واستراتيجية 2030

تشمل المشروعات تنمية سيناء خططًا لشبكة طرق شاملة لربطها بأجزاء أخرى من الدولة. مثل أنفاق قناة السويس الخمسة -12 مليار جنيه- والمشروعات السكنية مثل مدينة رفح الجديدة -1.38 مليار جنيه- والتنمية الزراعية. بما في ذلك إنشاء 11 مجمع سكني زراعي متكامل للتنمية -450 مليون جنيه- والتطورات الصناعية، ومن بينها مجمع صناعى بمنطقة الجفافة -4 مليار جنيه- وشبكات المياه والصرف الصحي. مثل إنشاء محطة تحلية مياه في العريش -18 مليون جنيه- وشبكة إمداد بالطاقة، مثل تطوير حقول غاز شمال سيناء التي تتكلف 187 مليون دولار.

تم الإعلان عن أهداف خطة التنمية كجزء من رؤية “مصر 2030”. التي تهدف إلى تقديم الرعاية الاجتماعية، والنمو الاقتصادي للمواطنين المصريين. بالإضافة إلى التركيز على السياحة في سيناء. لذلك، تقوم الحكومة بتطوير مشاريع في 24 منطقة، منها الحدائق، ومعاهد التعليم العالي، والمستشفيات. إلى جانب مشاريع البنية التحتية الأكبر، التي تهدف إلى ربط سيناء بباقي مصر والعالم الخارجي.

تحسين الفرص الاقتصادية

في الوقت نفسه، روّج النظام المصري بقوة لتصور التنمية واسعة النطاق في كل من شمال وجنوب سيناء. حيث تم التركيز بشكل خاص على تنفيذ مشاريع التنمية في شمال سيناء لتحسين الفرص الاقتصادية في أطر زمنية متفاوتة. شمل ذلك تقنين ملكية الأراضي للمواطنين، والتعويض عن الأضرار الناجمة عن العمليات العسكرية. وتضمنت الخطط أيضًا بناء مدينة جديدة في رفح، لأن جزءًا كبيرًا من المدينة قد دُمر في أعقاب الضربات الجوية العسكرية، وإنشاء منطقة عازلة على حدود غزة. من خلال إرسال بعثات إعادة الإعمار إلى مدن رفح، والعريش، والشيخ زويد، وبئر العبد.

 

وفقًا لبيانات بوابة “خريطة مشروعات مصر” هناك 112 مشروعًا في جنوب سيناء. و90 مشروعًا في شمال سيناء. في الشمال، هناك 6 مشاريع قيد الإنجاز. بينما تم الانتهاء من 84 مشروع في أشكال مختلفة. وفي الجنوب، هناك 10 مشاريع قيد الإنجاز، بينما تم الانتهاء من 102 مشاريع بأشكال مختلفة. يشير الباحثان -في الدراسة التي نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي- إلى أن الحكومة تقوم بتنفيذ مشاريع أكبر للبنية التحتية والخدمات العامة في الجنوب. بينما يتم تنفيذ المزيد من المشاريع ذات التوجه الاجتماعي، التي تعزز الحياة اليومية لمواطنيها مثل مشاريع التعليم والصحة والثقافة في الشمال.

يقول جوني وعوفير: ربما كان المرء يتوقع تخصيص المزيد من المشاريع للشمال أكثر من الجنوب. بناءً على هدف الحكومة المتمثل في تحقيق المساواة للمقاطعة الشمالية الأكثر فقراً والأكثر تضرراً، والتي تعرضت للإرهاب أكثر. ومع ذلك، عند تحليل المبالغ المخصصة للشمال مقارنة بالجنوب، تشير البيانات المتاحة إلى أن الحكومة لا تزال تختار تمويل الجنوب أكثر. قامت الحكومة حتى تاريخه بتمويل 17،339،435،817 جنيه مصري في شمال سيناء. مقابل 24،575،737،859 جنيه في الجنوب.