بذلت الحركات الإسلامية في إثيوبيا مجهودا كبيرا من أجل الوصول إلى شكل رسمي وإطار دستوري ينظم علاقتها مع الدولة. فعلى الرغم من أن عدد المسلمين في إثيوبيا يصل إلى حوالي 40% من السكان. فإنهم عانوا سنوات طوال من التهميش في ظل هيمنة الكنيسة على السلطة.

ومع وصول الجبهة الديمقراطية الثورية إلى السلطة، مثلت الفترة بين 1991-1995 “العصر الذهبي” للنشاط الإسلامي المنظم في إثيوبيا بشكل عام، وبرز عدد من الحركات الإسلامية في التسعينيات، أهمها جماعة “التبليغ” في العاصمة أديس أبابا. كما تمكن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية من الحصول على الاعتراف الرسمي في عام 2020. بحيث أصبح الجهة المخولة رسميًا، بتولي شؤون المسلمين في البلاد.

كذلك، ففي ضوء الاهتمام الذي توليه الإمارات لمنطقة القرن الأفريقي، احتلت إثيوبيا مكانة هامة في السياسة الخارجية الإماراتية في الآونة الأخيرة. وقد حققت أبو ظبي مستوى متقدما من التفاعل مع القيادة السياسية الإثيوبية. وأيضًا تطورت علاقتها مع الإسلاميين. لا سيما المجلس الأعلى الإثيوبي للشؤون الإسلامية.

ولفهم أعمق لهذه العلاقة لا بد أولًا من إلقاء الضوء على وضع ووزن الحركة الإسلامية في إثيوبيا، حتى يُمكن تقدير الأهمية النوعية التي توليها الإمارات لعلاقتها مع هذه الحركة، في ظل أهميتها في النسيج الإثيوبي العام وحجمها بين مكونات المجتمع الإثيوبي.

جذور الحركات الإسلامية في إثيوبيا

يبلغ عدد المسلمين في إثيوبيا نحو 46 مليون مسلم، بنسبة 40 % من السكان، أغلبهم على المذهب السني. وينتشر المسلمون في معظم الأقاليم الجغرافية وبين معظم الجماعات الإثنية. فتصل نسبة المسلمين إلى 97% من سكان إقليم صوماليا، و80% بين جماعة الأورومو، و99% من إقليم عفر، و18% من إقليم أمهرا. في حين تقع أقل نسبة من المسلمين في إقليم تيجراي، بإجمالي 5% فقط.

السمات والتطورات الأيديولوجية

عانى المسلمون فترة طويلة من التهميش وعدم التمكن من المشاركة في الحياة السياسية، أو تنظيم وجودهم في كيانات مؤسسية. ومع قدوم الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية EPRDF إلى السلطة في عام 1991، أقرت الليبرالية وفتح المجال لمختلف الحركات الدينية. ومن هنا مثلت الفترة 1991-1995 “العصر الذهبي” للنشاط الإسلامي المنظم في البلاد بشكل عام. فظهرت العديد من الحركات الإسلامية. وقد مارست نشاطها الدعوي عبر المساجد والجماعات وإصدار المجلات التي تعبر عن أفكارها.

المسلمون في إثيوبيا
المسلمون في إثيوبيا

ونتيجة لذلك، ظهرت العديد من التيارات الإسلامية التي استهدفت ممارسة أنشطة سياسية. ومنها بعض التيارات المتطرفة، لاسيما التي أشعلت أحداث الاشتباك العنيف بين المصلين والشرطة في مسجد الأنوار في أديس أبابا في فبراير/شباط 1995. وكانت سببًا رئيسيًا في إغلاق المجال العام أمام الإسلاميين. وأدى ذلك إلى اعتقال مئات المسلمين وإغلاق العديد من المؤسسات الإسلامية. ما قوض جهود الحركات الإسلامية في إمكانية المشاركة في السلطة، أو التأثير الإيجابي من خلال إدارة حوار أو تفاوض أو طرح مبادرة حل سلمية للأزمة كخطوة نحو شرعنة وتقنين وضعهم ومؤسساتهم الدينية الرسمية وشبه الرسمية.

أبرز الحركات الإسلامية في إثيوبيا

جماعة التبليغ Jamat al-Tabligh: تأسست على يد محمد إلياس. وقد تموضعت كأبرز حركة إسلامية في أثيوبيا من حيث العدد والتأثير. كما كرست نشاطها الدعوي في أديس أبابا.

الحركة السلفية: ينسب إلى الأورومو إدخالها إلى إثيوبيا بشكل واسع. وقد حظت بنفوذ كبير مع سيطرة الجبهة الديمقراطية الثورية على الحكم.

حركة الأحباش: المعروفة بجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، تأسست في 1983، وبدأت ممارسة نشاطها في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي في إقليم “هرر”. وتربطها علاقة بحزب الله في لبنان. حيث افتتح الملحق الثقافي لدى السفارة الإيرانية مركزا ثقافيا في إثيوبيا. كما وقعت اتفاقية تعاون مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. وتعتبر هذه الجماعة أداة مناورة نظرا لتقاطع علاقتها مع الإسرائيليين والإيرانيين.

حركة المثقفين the Intellectualist movement: ارتكزت على قاعدة كبيرة من الشباب والمثقفين. ونشأت داخل جامعة أديس أبابا. كما تمكنت من نشر نفوذها خارج الجامعة من خلال إلقاء محاضرات ومقالات في مجلة بلال وكتب صادرة عن دار النجاشي. وقد تمكنت القيادة من إنشاء منظمات منفصلة، كان أكثرها نشاطًا هو مركز الثقافة والبحوث الإسلامية، الذي أنشئ في عام 2003 وأغلقته الحكومة في عام 2011.

فضلًا عن عدد من الجماعات المحدودة لاسيما جمعية الشباب المسلم الإثيوبي EMYA التي تأسست في عام 1992. وأيضًا جماعة أهل السنة وهي فصيل دعوي متشدّد. إضافة إلى جماعة التكفير والهجرة التي فرضت نفسها بقوة منذ منتصف التسعينيات.

صعود المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

ساعدت الأفكار التي وضعتها الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي “EPRDF” في خلق بيئة مواتية لتنظيم ومأسسة الوجود الإسلامي في إثيوبيا بعد سنوات طويلة من التهميش والمعاناة. حيث أقر دستور 1995 قيم المساواة والحرية الدينية. وظل المسلمون لسنوات يطالبون باعتراف قانوني لتنظيم نشاطاتهم.

ومع وصول رئيس الوزراء “آبي أحمد” إلى الحكم في إبريل/نيسان 2018، أولى اهتماما كبيرا بالمسلمين كونه من جماعة الأورومو التي تضم أكبر تكتلات المسلمين في البلاد. كما أعلن تصالحه معهم من خلال اعترافه بالمجلس الأعلى للمسلمين في 2020. وأصبح الشيخ حاج عمر إدريس أول مفتي للمسلمين في إثيوبيا ورئيس مجلس العلماء، وكذلك رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

تعددت مظاهر الانفتاح والإصلاح السياسي لاسيما في ملف الإسلاميين. حيث تم افتتاح أول كلية إسلامية في مدينة “أداما” في 2019. كذلك بنيت عشرات الآلاف من المساجد في البلاد. وبينما نمت الأعمال التجارية الإسلامية، تم إنشاء أول بنك إسلامي “بنك النجاشي الإسلامي” في 2019. وأيضًا ظهر العديد من المجلات الإسلامية مثل المنار الصادرة عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

دوافع الإمارات للتعاون مع الحركات الإسلامية في إثيوبيا

يجتمع عدد من الدوافع التقليدية إلى جانب بعض المتغيرات في الفترة الأخيرة في الدفع بالعلاقات بين الإمارات والإسلاميين نحو مزيد من التعاون:

الأهمية الجيوستراتيجية

اكتسبت منطقة القرن الأفريقي أهمية كبيرة نظرا لموقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب. وهو السبب الرئيسي وراء اهتمام دول الخليج بدول القرن منذ أواخر القرن الماضي. ذلك لاعتبارات تتعلق بالأمن الإقليمي ومصالح الخليج الاقتصادية في المنطقة في ظل تصاعد هجمات القرصنة البحرية.

واهتمت الإمارات بترسيخ وجودها عسكريا في المنطقة. فأسست قاعدة عسكرية في عصب في أريتريا لإحكام قبضتها حول مضيق باب المندب في سبتمبر 2015. ومن ثم استخدامها في نقل الأسلحة الثقيلة، إلى جانب ميناء لهبوط الطائرات. كما شرعت في إنشاء قاعدة عسكرية في بربرة بأرض الصومال منذ عام 2017. وبدأت في مشروع تطوير المواني في بوساسو، وبونتلاند.

مصالح متعددة

وعلى صعيد العلاقات الإماراتية الإثيوبية، ترتبط الدولتان بتاريخ طويل من التعاون. حيث بلغ حجم الميزان التجاري بين الدولتين نحو 850 مليون دولار في العام 2018. وتستحوذ الإمارات على 14% من إجمالي واردات إثيوبيا من الدول العربية. وبالتالي أصبحت من أهم الشركاء التجاريين لأديس أبابا.

كما بلغ عدد المشاريع الاستثمارية للإمارات في إثيوبيا نحو 92 مشروعًا. ووطدت الإمارات العلاقات اللوجيسيتة بتوقيع مواني دبي العالمية، اتفاقًا مع وزارة النقل الإثيوبية للتعاون في مجال البنية التحتية اللوجستية. ذلك إلى جانب إقامة ممر تجارة يصل إلى إقليم أرض الصومال، في مايو 2021. وكذلك رعت الإمارات اتفاق السلام بين إثيوبيا وأريتريا.

https://www.youtube.com/watch?v=bfwqe0oaX88

إغلاق المجال أمام تمدد النفوذ الإيراني

ومع نشوب الحرب الأهلية في اليمن في 2014، توسع نفوذ الخليج في القرن الأفريقي. وكان بغرض منع تمدد الحوثيين وحصر نفوذ إيران في شرق القارة. فاندفعت الإمارات نحو إقامة قواعد عسكرية في المنطقة. وكذلك دفعت أريتريا والسودان إلى المعركة ضد الحوثيين. وشكلت دول القرن الأفريقي مظلة خلفية لدول التحالف العربي بقيادة السعودية في حربها ضد الحوثيين. بحيث أصبحت دول القرن ساحة للتنافس بين إيران والخليج.

وفي ظل الأزمة الخليجية، تنافست جميع الأطراف على جذب دول القرن الأفريقي إلى معسكرها. فدعمت قطر وتركيا آبي أحمد عسكريا واقتصاديا، وأمدته تركيا بطائرات الدرونز في حربه مع التيجراي. وهو ما شكل سببا رئيسيا بالنسبة للإمارات نحو تسريع تعاونها مع الإسلاميين في إثيوبيا لتجنب تحالفهم مع إيران أو قطر أو تركيا وتقليل احتمالية وقوع البلاد ضمن نفوذ القوى الإسلامية الراديكالية.

قدرة الحركات الإسلامية على التأثير

مع وصول آبي أحمد إلى السلطة، تم تصعيد الإسلاميين وإكسابهم دورا في الحكومة. فشغل العديد من المسلمين مناصب سياسية وإدارية في حكومة 2018. وشكلوا نسبة 25% من الحقائب الوزارية، منها الدفاع والمالية والصحة والزراعة.

وبتشكيل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا في 2020، تزايد دور المسلمين في السلطة، من خلال سلسلة من المؤسسات المؤثرة في مختلف القطاعات التعليمية والمالية.

وفي 12 إبريل/نيسان 2022، دعا المفتي عمر إدريس، الإثيوبيين إلى الاستعداد للحوار الوطني، باعتباره مفتاحًا لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. كما مارس دورا كبيرا في إدارة الصراع خلال أحداث العنف الطائفي الأخيرة التي وقعت في بلدة جوندر، في محاولة لإثبات دور المؤسسة الدينية في تحقيق الاستقرار في البلاد.

مفتي عام إثيوبيا ورئيس المجلس الأعلى الشيخ عمر إدريس
مفتي عام إثيوبيا ورئيس المجلس الأعلى الشيخ عمر إدريس

مظاهر التعاون بين الإمارات والمجلس الأعلى للإسلاميين

اتسمت العلاقة بين الإمارات والإسلاميين في إثيوبيا بقدر كبير من الخصوصية. فعلى الرغم من وجود عدد من مناحي التعاون إلا أنها لم تحظ بتغطية إعلامية واسعة، ويمكن تشريح مظاهر التعاون بينهما في عدة نقاط:

اللقاءات الدبلوماسية

حرصت الإمارات منذ اللحظة الأولى، على توطيد علاقتها مع الإسلاميين في إثيوبيا، من خلال تعزيز دبلوماسية اللقاءات مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لإثيوبيا. ففي 11 يونيو/حزيران 2016، التقى أعضاء المجلس بسفير الإمارات في إثيوبيا “غازي المهري”. وتم استعراض آفاق المشروعات المشتركة بدعم من المؤسسات الخيرية الإماراتية، والتأكيد على أهمية تبادل الزيارات بين مسئولي الشؤون الدينية في البلدين، لبحث سبل التعاون بينهما.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، شارك المفتي عمر إدريس في منتدى تعزيز السلم بالمجتمعات المسلمة في أبوظبي. ومؤخرًا في 19  نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أجرى عمر إدريس محادثات مع سفير الإمارات “محمد سالم الراشدي”. وأكد الطرفان ضرورة تعزيز العلاقات بين الإمارات والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبي في عدد من المجالات.

البرامج الخيرية

كجزء رئيسي من أدوات الإمارات، حرصت على إغراق الإسلاميين بجملة من برامج الدعم والمشاريع الخيرية، لاسيما برنامج إفطار الصائم في أثيوبيا. كما أرسلت في 1 إبريل/نيسان الماضي، 30 طنًا من المؤن الغذائية في إطار جسر جوي مباشر للإغاثة لتلبية الاحتياجات الإنسانية. بحيث بلغت إجمالي المساعدات المقدمة من الإمارات إلى أديس أبابا منذ بداية العام حتى مارس/آزار 2022 حوالي 500 طن من المساعدات الغذائية والطبية العاجلة.

بأكثر من صورة، تؤكد الإمارات على أهمية علاقتها بالمجلس الإسلامي في إثيوبيا. كما عرضت على المفتي اقتراح المساعدة في نشر الإسلام المعتدل في البلاد.

https://religionunplugged.com/news/2020/11/17/ethiopias-increasing-vulnerability-to-islamic-extremism-and-what-that-means-for-the-horn-of-africa

chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/4896456558eb15080a876143625da37b.pdf