هناك فكرة أكثر وضوحًا وتصور واضح تمامًا يمكن استشفافه من التأمل قليلًا في قلب الملصق الدعائي الرسمي الذي أعلن عن بداية للدورة الـ 75 من مهرجان كان السينمائي الدولي. الذي تنطلق فعالياته هذا الأسبوع. نشاهد رجلا ينظر إلى الأمام وهو يصعد بعض درجات السلم مع خلفية لألوان زاهية تُشعر الناظر إليها بحياة أكثر رحابة بعد عشرة أشهر فقط كانت تفصل بداية هذا الموسم عن دورته السابقة التي لم يكن يعوّل عليها كثيرًا. ومخاوف انتهت تقريبًا من صعود اليمين في الانتخابات الرئاسية التي انتهت قبل قليل.

الأمر الذي أكّد تمامًا ذلك التصور كان داخل المؤتمر الصحفي العام للمهرجان. إذ قال المندوب العام تييري فريمو إن دورة هذا العام “لن تكون مجرد شاشة كبيرة لعرض الأفلام فقط بل محاولة دؤوبة للحفاظ على ذاكرة السينما والعالم. ستهتم بحاضر المهرجان ومستقبله. وليس ماضيه”. في إشارة واضحة للنظرة التي يريد المهرجان إيصالها بتخليصه من النوستالجيا الخاصة والعامة وربما نسيان عامي كورونا ثقيلي الأثر مقابل تذكر فداحة الحرب الروسية على أوكرانيا.

يبدو أنها دورة سياسية بامتياز أو ربما من الأدق أن نعتبرها مسيسة. في قلب كل تلك السياسات التي تواجهها دورة مهرجان كان هذا العام بشكل أكثر شراسة من السنوات القليلة الماضية يبدو أنه في الوقت ذاته لا يبدو غريبًا لكل من يعلم تاريخ المهرجان نفسه. كما أنه بجانب تلك المعركة التي تبدو إظهارًا لغضب عالمي مما يحدث في أوكرانيا الذي يتحمل ذنبه كل إنسان يحمل الجنسية الروسية في أي بقعة على الأرض. ثمة تدخل سياسي حذر لكنه مبشر يصنعه فنانون عرب يحاولون أن يقدموا مآسي بلادهم التي على ما يبدو سيصبح من الصعب جدًا محاولة عرضها في بلادهم العربية.

إلى جانب السياسة العالمية التي تسقط الضوء فقط على ضحايا العالم الأول الذي يبدو مساحات مقارنتهم بغيرهم من مظلومي العالم اتهام واضح بالمزايدة السياسية، كان لدينا حضور عربي سواء من بلاد عربية أو قصص عربية صنعها مخرجون ليسوا عربا تمامًا، لكنه على كل حال يبدو حضور لافت برصيد ستة أفلام يبدو عليها الطابع السياسي هي الأخرى، موزّعة على أقسام المهرجان الثلاثة “نظرة ما” و”نصف شهر المخرجين” وأسبوع النقاد”.

مهرجان كان السينمائي الدولي
مهرجان كان السينمائي الدولي

عنكبوت مقدس

نشاهد من بين تلك الأفلام فيلم المخرج علي عباسي الذي يشاركه فيه البلجيكي لوكاس دونت في المسابقة الرسمية عنكبوت مقدس. حول قصة متطرف ديني يسعى إلى تطهير مكانه من المومسات. تُسرد القصة على لسان بطلها “الإرهابي العربي” البطل الأكثر إغراءً لتمثيل الشخصيات العربية دوليًا وما قد يحمله ذلك من نظرة استشراقية تمامًا للحوار.

وجود نسائي مؤثر في المهرجان. إذ ننتظر المخرجة المغربية مريم توزاني بفيلمها الجديد “القفطان الأزرق”. الذي واجه تضييقات كبيرة عربيًا وربما تمامًا كما حدث مع فيلمها الأول “آدم” في 2019. كما تشارك المخرجة أريج السحيري التي تشارك في المسابقة نفسها بفيلمها الطويل الأول “تحت الشجرة”. في الوقت الذي ترأس لجنة التحكيم المخرجة التونسية كوثر بن هنية بعد نجاح كبير نالته بفيلمها الأخير “الرجل الذي فقد ظهره”.

أيضًا تشارك الفلسطينية مها الحاج بفيلمها “حمّى المتوسط”. إلى جانب فيلم “الحرقة” للمخرج التونسي لطفي ناثان. بينما في مسابقة “نصف شهر المخرجين” يشارك المخرج اللبناني علي شري بفيلمه “السدّ”. كذلك يشارك المخرج التونسي يوسف الشابي بفيلمه الأحدث تحت عنوان “أشكال”.

التطرف الديني

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

فيلمٌ آخر يحمل رسائل سياسية في أغلبها من نوعية الأفلام ذات الموضوعات العربية أو التي يقف خلفها سينمائيون من أصول عربية مثل فيلم “متمرّد” للبلجيكيين من أصول مغربية عادل العربي وبلال فرح. والذي يتناول مسائل الهوية والتطرف الديني من خلال حكاية شاب بلجيكي من أصول عربية يغادر بلجيكا لمساعدة ضحايا الحرب في سوريا. لكن، بعد وصوله يُجبَر على الانضمام إلى المليشيات ويبقى عالقاً في الرقّة

إلى جانب كل تلك القضايا العربية التي تُطرح في المهرجان الأكثر عالمية تشهد دورة هذا العام فيلم “صبي من الجنة” للمصري السويدي طارق صالح. الذي يرجح أن يثير جدلا دينيًا وسياسيًا لأنه يتناول الذي تناوله قبل ذلك بفيلم “حادث النيل هيلتون” الذي منع عرضه في مصر كما منع “صبي من الجنة”.

تدور أحداث الفيلم في جامعة الأزهر ويتمحور حول صراع الجهات السياسية المختلفة في مصر وتحديدا السلطة والإخوان المسلمين على السيطرة على أهم مرجعية سنية في العالم بعد وفاة الإمام الأكبر. فتقوم السلطة بتجنيد طالب جديد -آدم- من قرية صيد سمك. ليعمل عميلا لها داخل الجامعة من أجل تمهيد اختيار إمام موال لها.

جدير بالذكر أن الفيلم لم يشارك فيه أي ممثل/ة مصري. ربما للخوف من ردود الفعل المتوقعة من ورائه. سيثير هذا الفيلم جدلًا كبيرًا بالتأكيد رغم توقع عدم قوته الفنية تمامًا. وربما سيصبح من الصعب حتى محاولة ترويجه وعرضه في المهرجانات العربية التالية لمهرجان كان. لكنه يبقى نقطه حالكة في الداخل العربي الذي يغلق أبوابه أمام أي مناقشات من هذا النوع. كل تلك السينما السياسية غير مطروحة في الداخل، وربما لن يحدث.